يونيسف تحذر من تفشي الأمراض بين أطفال غزة    تموين المنيا: تحرير 242 مخالفة خلال حملات رقابية مكثفة على المخابز والأسواق    مصرع أم واثنين من أطفالها في انهيار منزل بالأقصر    لخدمة الشباب والنشء.. رئيس الوزراء يؤكد دعم الدولة للمشروعات الثقافية وتنمية الوعي بالمحافظات    الأعلى للثقافة: كشف أثري جديد يعيد فتح ملف عبادة الشمس ويؤكد القيمة العالمية لجبانة منف    رحيل مؤثر لزوجين مسنين داخل منزلهما بالإسماعيلية بعد دقائق من محاولة إنقاذ    عميد طب القاهرة يدعو إلى تصنيع أول جهاز ECMO مصري بالتعاون بين وحدة الحالات الحرجة والصناعة الوطنية    جهود ادارة الطب الوقائي والرعاية الأساسية خلال عام 2025 في أسيوط    "عربية النواب": اتصال السيسي وماكرون يعكس التوافق حول حتمية حل الدولتين    مواعيد مباريات السبت 13 ديسمبر - بيراميدز ضد فلامنجو.. وليفربول يواجه برايتون    قائمة لاعبي السلاح المشاركين في دورة الألعاب الأفريقية للشباب بأنجولا    بطولة إفريقيا لسيدات السلة| الأهلي يواجه الجيش الرواندي في نصف النهائي اليوم    تربية بني سويف تنفذ تدريبًا للمعلمين على مهارات المعلم الرقمي    عاجل- محافظ القليوبية: «حياة كريمة» تستهدف تطوير الريف بشكل متكامل بمركز شبين القناطر    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى مع اقتراب نوة الفيضة الصغرى    تحرير 646 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    ضبط المتهم ببيع المنشطات «المضروبة» بالإسكندرية    كيلو الفراخ بكام؟.. أسعار الدواجن بكفر الشيخ السبت 13 ديسمبر 2025    «أسرتي قوتي».. المجلس القومي لذوي الإعاقة يطلق برامج شاملة لدعم الأسر    الإعلام الحكومي بغزة: الاحتلال يواصل إغلاق المعابر ويمنع إدخال المساعدات    وزير السياحة: حماية الآثار المصرية تمثل أحد المحاور الرئيسية لسياسة عمل الوزارة    القومي للمسرح" يطلق الدورة الأولى لمسابقة علاء عبد العزيز سليمان للتأليف    استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي في جباليا    ترامب يهدد أمريكا اللاتينية بشن ضربات برية «قريبا»    نائب وزير الصحة تبحث مع يونيسف مصر اعتماد خطة تدريب لرعاية حديثي الولادة    تايلاند تتعهد بمواصلة عملياتها العسكرية ضد كمبوديا حتى إزالة كل «التهديدات»    دونجا يكشف سر نجاح بيراميدز    سعر طن الأرز اليوم..... تعرف على اسعار الأرز اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    ارتدوا الشتوي.. الأرصاد للمواطنين: لن يكون هناك ارتفاعات قادمة في درجات الحرارة    وفاة عروس اختناقا بالغاز بعد أسابيع من زفافها بالمنيا    حريق يلتهم أتوبيس في كفر الشيخ دون إصابات.. صور    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    وزارة العمل: تحرير 463 محضرا لمنشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    محافظ أسيوط يفتح بوابة استثمارات هندية جديدة    صرف مساعدات تكافل وكرامة عن شهر ديسمبر الإثنين المقبل    وزير الرياضة يطلق نصف ماراثون الأهرامات 2025    إدراج معهد بحوث الإلكترونيات ضمن لائحة منظمة الألكسو لمراكز التميز العربية    مواعيد مباريات اليوم السبت 13- 12- 2025 والقنوات الناقلة    وزيرة التضامن تبحث نتائج المرحلة الرابعة من مبادرة «ازرع» مع رئيس الطائفة الإنجيلية    الخدمة هنا كويسة؟.. رئيس الوزراء يسأل سيدة عن خدمات مركز طحانوب الطبى    تشويه الأجنة وضعف العظام.. 5 مخاطر كارثية تسببها مشروبات الدايت الغازية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    اسعار الذهب اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى محال الصاغه بالمنيا    مقررة أممية: تكلفة إعادة إعمار غزة يجب أن تسددها إسرائيل وداعموها    هشام أصلان في معرض جدة للكتاب: الهوية كائن حي يتطور ولا يذوب    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك بدقه    الصحة: فاكسيرا توقع بروتوكول تطوير المعامل المركزية للرقابة على الإنتاج وتعزيز جودة الأمصال واللقاحات    "يا ولاد صلّوا على النبي".. عم صلاح يوزّع البلّيلة مجانًا كل جمعة أمام الشجرة الباكية بمقام الشيخ نصر الدين بقنا    حبس عاطل بتهمة التحرش بسيدة قعيدة أثناء معاينتها شقة للايجار بمدينة نصر    " سلبيات الأميّة الرقمية وتحديات الواقع ومتطلبات سوق العمل ".. بقلم / أ.د.أحلام الحسن ..رئيس القسم الثقافي.. إستشاري إدارة أعمال وإدارة موارد بشرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    إفتتاح مؤسسة إيناس الجندي الخيرية بالإسماعيلية    تدريب واقتراب وعطش.. هكذا استعدت منى زكي ل«الست»    محكمة بوليفية تقرر حبس الرئيس السابق لويس آرسي احتياطيًا 5 أشهر بتهمة اختلاس أموال عامة    هشام نصر: سنرسل خطابا لرئيس الجمهورية لشرح أبعاد أرض أكتوبر    محافظ الدقهلية يهنئ الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم من أبناء المحافظة    ننشر نتيجة إنتخابات نادي محافظة الفيوم.. صور    أحمد حسن: بيراميدز لم يترك حمدي دعما للمنتخبات الوطنية.. وهذا ردي على "الجهابذة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غياب المشروع الوطني
نشر في محيط يوم 08 - 09 - 2008


غياب المشروع الوطني
العرق قبل العراق والطائفة قبل الوطن !

* د. محمد مسلم الحسيني


من ينظر مليّا الى ماهيّة الأحزاب السياسية في العراق وطبيعة نهجها، خصوصا تلك التي تتدافع بحماس من أجل الوثوب الى ناصية السلطة، فأنه يجد بأن ثمة خصوصيات قد ميّزت هذه الأحزاب وأعطت كلّ حزب منها صبغة خاصة بها .هذه الخصوصيات تتعارض مع سير هذه الأحزاب باتجاه ممارسة سياسية مثالية صحيحة تقود الى مشروع وطني وحدوي وتحقق آمال الشعب العراقي في العيش وسط عراق حر،متطور، مستقل وموحّد.
العوامل الرئيسية التي تقودنا الى هذه الحقيقة قد لا تخفى على أحد ولكن نستطيع إيجازها بما يلي :
1- العراق مركب غير متجانس بقومياته واصوله واديانه وطوائفه. إعلان الديمقراطية غير المدروسة في بلد كهذا أمر خطير وصعب ، إذ أن مصائب التفكيك والتشتت والحرب الداخلية أمور محتملة وواردة. حتى في البلدان التي لديها تأريخ ديمقراطي طويل وتتحلى بوعي وأصالة ديمقراطية، فأن تباينات عرقية أو لغوية أو دينية أو طائفية كفيلة بتقسيم تلك البلدان وتفتيتها. كيف إذن الحال في بلد غير محضر ديمقراطيّا يمارس ديمقراطية مستوردة في ظل تناقضات سياسية مبنية على أسس عرقية وطائفية!؟.

الأحزاب المتحركة على ساحة السياسة العراقية تصطبغ بنفس صبغات النسيج العراقي المتباينة. فهي أحزاب ذات منطلق عرقي أو طائفي أو ديني، فالعرق قبل العراق والطائفة قبل الوطن! التوجه الحزبي بهذا المنظار يعتبر أساسا متينا لبناء أسوار الفصل والتقسيم بين مكونات الشعب العراقي الواحد. الحزبان الكرديان الرئيسيان، وهما حزب الإتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، لهما تأريخ طويل ومعروف في السعي من أجل إستقلال إقليم كردستان العراق عن العراق. وما مسميات الحكم الذاتي وغيرها، سواء كان سابقا أو لاحقا، إلاّ خطوة حثيثة نحو الأمام من أجل الوثوب النهائي نحو الإستقلال الكامل عندما تحين الفرصة. فإن كانت الظروف الحالية غير مؤاتية لإعلان الإنفصال بسبب التهديدات التركية وكثرة النصائح الأمريكية، فإن السياسة الكردية صابرة على إعلان الإنفصال ولكن الى أجل مسمّى! الأحزاب الإسلامية العربية، شيعية كانت أم سنيّة، هي إما داعية للإنفصال الطائفي عن بعضها أو أنها تريد الإستحواذ الكامل على السلطة مستخدمة إسلوب تهميش الآخرين وإقصائهم. في كلتي الحالتين لا يتوقع المراقب السياسي من ذلك غير الشرذمة والتفكك والإحتراب، ليس فقط بين الطوائف المتباينة وإنما بين أبناء الطائفة الواحدة نفسها!

أما القائمة العراقية فما هي إلاّ تجمع من أحزاب مختلفة في طبيعتها متباينة في رؤاها وستراتيجياتها والشيء الوحيد الذي يجمعها هو علمانيتها. هذه القائمة لا بد لها أن تنفرط بعد أن ينقطع خيط العنكبوت الذي يربط خرزها. التوجه العام لهذه الأحزاب المتحركة يفتقد الى المشروع الوطني الموّحد الذي يلمّ الشتات ويجمع الفرقاء وهذا ما ينذر بإحتمالية حصول الإنفجار الكبير الذي يحذره ويخافه الكثير من المحللين السياسيين والذي يشكل خطرا محدقا لمستقبل العراق وصيرورة وجوده!

2- الخلل الحاصل من غياب المشروع الوطني عند الأحزاب وشبح الإنفجار الكبير الذي يهدد أركان العراق من شماله الى جنوبه ، جعلا هذه الأحزاب تتشبث بالمحتل وتسعى الى بقائه. لا وجود لحزب قوّي في العراق يستطيع بسطوته وسلطته أن يبسط نفوذه وسيطرته على ربوع العراق بعد رحيل المحتل. بل لا يوجد تحالف جدّي وثابت بين الأحزاب يستطيع أن يوفر الدرع المانع للمشاكل والمحن ويحظى بقبول أكثرية الشعب العراقي. حتى الحزبان الكرديّان المتحالفان مع بعضهما قد يتناحران حال رحيل الأمريكان وزوالهم والتأريخ خير شاهد على ذلك.

كما أن الإئتلاف العراقي الموحد سرعان ما تغيّر ومنذ بداية الطريق! فالإئتلاف إنقلب الى إختلاف والموحد اصبح مبدد ،بل صارت مكوناته تتحارب مع بعضها بالسلاح الثقيل! هذا الجو المشحون بالتناقضات وهذه الهواجس المريبة صارت تقضّ مضاجع بعض السياسيين وتجعلهم يلتصقون بالمحتل الأجنبي خشية فقدان السلطة! هذا التشبث الشديد بالوجود الأجنبي من قبل هؤلاء والذي يعطي المحتل شرعية البقاء، يعتبر بحد ذاته تناقض حاد مع خصوصيات الشعب العراقي وتطلعاته الرافضة للإحتلال. كره الوصاية الأجنبية التي تتنافر مع المشروع الوطني العراقي جعلت العراقيين ينفرون من قادتهم ويتطلعون الى الخلاص .
3- الأحزاب العراقية المتحركة في الساحة هي أحزاب أحادية الرؤيا بشكل عام ، فهي لم تتناغم وتتفاهم مع بعضها في مشروع وطني موحد حتى في زمن النضال السلبي. أن من أهم أدبيات وثقافات هذه الأحزاب هو تغيير الحكم والإستيلاء على السلطة مستخدمة في الغالب أسلوب الكفاح المسلح، حيث كانت هذه الأحزاب تتفاعل بمعزل عن بعضها وليس لديها مشروعا وطنيا ثابتا تتفق عليه.

لولا المظلة الأمريكية التي أجبرت كلّ الفصائل على الإتفاق ولو على شيء واحد فقط وهو إزالة النظام السابق ،لبقيت هذه الأحزاب تلعب لعبة جرّ الحبل الى ما لا نهاية! عدم التغيير في ستراتيجيات هذه الأحزاب ورؤاها وأساليبها حتى بعد إستلام الحكم، جعلها تشترك في صراعات ونزاعات محتدمة على السلطة يشهدها القاصي والداني والتي جعلت المواطن العراقي يشك في مصداقية هكذا أحزاب بلمّ شمل العراقيين وجلب الرفاه والآمان لهم.

4- بعد مرور الحوادث والأحداث تبيّن أن الكثير من المنتمين الى هذه الأحزاب هم من ذوي المصالح الشخصية والفئوية والذين يسعون الى منافع ذاتية مشروعة وغير مشروعة. إعتلاء المناصب في دولة العراق الجديد صارت حكرا للحزبيين دون غيرهم! ورغم أن المنصب يتطلب عادة المعرفة والكفاءة ، إلاّ أن كلاهما مغيّب عند الغالبية من الحزبيين بسبب ظروف حياتهم التي مرّوا بها. التمسك بالمناصب الإدارية والفنية الحساسة في الدولة من دون توفر التجربة والكفاءة يقود الى تدهور البنية التحتية والفوقية للبلد . هذا الإنحدار الإداري الحاد قد بات واضحا للعيان وصار المواطن العراقي يعاني كثيرا منه.
لم تتوقف الشراهة بالإستحواذ، دون إستحقاق، على المراكز الحساسة في الدولة فحسب إنما تجاوزت حدود ذلك ، حيث حدث التزوير والنهب وتكاثرت السرقة حتى أصبح للعراق القدح المعلىّ بين دول العالم في الفساد الإداري والمالي! وهكذا تحوّلت الثقة التي أولاها المواطن العراقي لهذه الأحزاب الى رفض وإشمئزاز بعد ان فقدت مصداقيتها عنده !

5- الكثير من الأحزاب المتحركة على الساحة العراقية لها ولاءات خارجيّة واضحة وخفيّة! تصل في بعض الأحيان أن تسيّر هذه الأحزاب ضمن خطط وستراتيجيات تمليها أجندات خارجية. هذا النهج الخطير والحساس يمس بمستقبل العراق ومصيره.

المصالح الأجنبية لا تنظر إلاّ الى نفسها حتى ولو كان ذلك على حساب سحق الآخرين، فانتقال زمام الأمور بأيدي الأجانب يعني تحقيق مصالحهم ومآربهم على حساب مصالح الشعب العراقي. هذا من جانب ومن جانب آخر فأن الأطراف الخارجية التي تتدخل بالشأن العراقي والتي لها مصالح خاصة فيه هي أطراف متناقضة ومتحاربة فيما بينها.
فمجاراة هذه الأطراف يعني إنقسامات في النسيج السياسي العراقي المعقد أصلا. التناقضات المحتدمة في السياسات بين الدول الخارجية المؤثرة في العراق سوف تتبلور في الساحة العراقية وتصبح فتيل نار إن إشتعلت سوف لن تخمد! إنجرار الأحزاب وراء أجندات خارجية متضاربة يعني الدخول في حرب الوكالة التي قد تندلع بأرض العراق ولا تحصد غير أرواح العراقيين وأملاكهم!

تقوقع بعض الأحزاب تحت قشرات أجنبية يفقدها لونها وطعمها ورائحتها. الشعب العراقي يتطلع الى أن يرى لون الديمقراطية الزاهي وهو ينبعث من الداخل لا أن يفرض عليه من الخارج، كما يريد أن يذوق طعم الحرية الخالص فلا يستبدل سجن الدكتاتور بثكنات المحتل ويريد أن يشم رائحة الوطنية العابق الصادر من رياض صدق النفوس وروابي حسن النيّة وجنان القيم والأخلاق.
** بروكسل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.