أين التظاهرات العلمية في العالم العربي؟ محمد إبراهيم خاطر برغم ان هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعونا الى العلم والتعلم وأول اية نزلت من القرآن الكريم كانت دعوة صريحة الى القراءة والتعلم إلا اننا تركنا القراءة وتركنا التعلم وأصبح عندنا 70 مليون أمي ومعدلات القراءة عند العرب في أدنى مستوياتها فالمواطن العربي يقرأ نصف ساعة في العام أي (ربع صفحة) بينما يقرأ المواطن الاميركي 11 كتابا والبريطاني يقرأ 7 كتب . وما زالت هناك شكاوى من ارتفاع أسعار الكتب والسبب في ذلك اننا نعتمد في صناعة الكتاب على الاستيراد من الخارج فنحن نستورد الاوراق ونستورد الاحبار ونستورد ماكينات الطباعة ولا يوجد عندنا حلول وطنية للتغلب على هذه الظاهرة ولذلك يجب على الحكومات العربية التي تنفق على قطاعي الرياضة والفنون ببذخ أن تدعم نشر الكتب وخصوصاً الكتب العلمية وأن تعمل على توفيرها بأسعار زهيدة لكي تشجيع النشء على القراءة والاطلاع والبحث لان ذلك هو الطريق الوحيد للتقدم وللنهضة التي ننشدها جميعاً . وفي عالمنا العربي تأتي تلك التظاهرات الثقافية على قلتها أو بالأحرى على ندرتها بعد التظاهرات الفنية والتظاهرات الرياضية التي تمتد فعالياتها على مدار العام ولا تكاد تنتهي إحداها حتى تبدأ الأخرى وفي ذيل تلك التظاهرات كلها تأتي التظاهرات العلمية التي نحن في أمس الحاجة إليها . فعالمنا العربي أحوج ما يكون إلى التظاهرات العلمية التي يجب أن تستمر لا لعدة أيام فقط بل لعدة سنوات حتى يستطيع النهوض من الكبوة التي يشهدها من زمن بعيد في مجال العلوم بصفة عامة والعلوم التطبيقية بصفة خاصة ولأن الثقافة العربية انحصرت على ما يبدو في الادب فقط دون سائر العلوم البحتة والتطبيقية الأخرى وأصبح لدينا المئات بل الألوف من الأدباء ومن شعراء الفصحى والعامية وقلة قليلة من العلماء . ومعظم دورات معارض الكتب في العواصم العربية تشهد العديد من الندوات عن الشعر والشعراء وندوات عن القصة القصيرة وروادها وندوات عن الروايات وكتابها ولكن أين هي الندوات العلمية في معارض الكتب العربية ؟! ولماذا غابت المناظرات الفكرية عن ساحات تلك المعارض؟ فآخر مناظرة عقدت كانت على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب في أوائل التسعينيات من القرن الماضي بين الإخوان المسلمين وبين العلمانيين وكان عنوانها «الدولة الدينية والدولة المدنية» وشهدت إقبالاً جماهيرياً منقطع النظير وكان لها صدى واسع على الساحة السياسية والشعبية. وان كان هناك خوف من الشطحات الكثيرة للكتاب والمفكرين وأفكارهم وآرائهم التي قد تثير جدلاً واسعاً فلتكن تلك المناظرات بين العلماء فشطحات العلماء قليلة جداً مقارنة بشطحات الكتاب والمفكرين. ومن اللافت للنظر في معظم المعارض العرض الكثيف لكتب التراث وخصوصاً الكتب الدينية التي تقوم معظم دور النشر بطباعتها والتي يحرص الكثير من رواد المعارض على شرائها . ونجد كذلك أن كتب الابراج والتنجيم وكتب تفسير الاحلام وكتب التجميل والطهي تصدر في طبعات أنيقة ومظهر جذاب أما الكتب الثقافية والعلمية فحالتها في الطباعة والإخراج يرثى لها. ومن الملاحظ في معارض الكتاب العربية مؤخراً اتجاه الكثير من روادها لشراء كتب الطب البديل وقد يكون في هذا وعي صحي متنام عند الكثير ممن فقدوا الثقة في العلاج بالأدوية الكيميائية التي ثبت أن حجم أضرارها يفوق مزاياها بمراحل . ونأتي إلى الصراع الذي ظهر مؤخراً بين الكتاب الورقي المطبوع وبين التكنولوجيا الحديثة وأثر الثورة الرقمية على دور ومكانة الكتاب المطبوع لتتحول المقولة الشهيرة «وخير جليس في الزمان كتاب» إلى «وخير جليس في الزمان قرص مدمج». فالقرص المدمج الواحد يحتوي على عشرات المجلدات والكتب ويمتاز بالسهولة الفائقة في العرض بأسلوب شيق وأنيق وطريقة سهلة وميسورة للبحث وامكانية النسخ والطباعة للمعلومة التي تبحث عنها وبرغم كل تلك الميزات وبرغم الجهد المبذول في إعداده تجده يباع بسعر زهيد لا يتناسب بحال مع محتواه العلمي والتقني. وعند الحديث عن أزمة روافد الثقافة وعن ارتفاع أسعار الكتب لدرجة تجعل الكثير من المثقفين غير قادرين على اقتناء العديد من الكتب وخصوصاً الحديث منها نجد البعض يتحدث عن تكلفة الطباعة وارتفاع أسعار الورق والأحبار والخسائر التي تُمنى بها دور النشر والمكتبات وفي نفس الوقت نجد أن هناك ملايين الاصدارات من المجلات الهابطة ذات الطبعات الفاخرة والتي تطرح شهرياً في الأسواق ولا تعاني من ظاهرة ارتفاع تكلفة الطباعة كما هو الحال في الكتب العلمية أو الأدبية التي تباع أحياناً بأسعار مبالغ فيها . ومصر لديها تجربة رائدة في تشجيع الجماهير على القراءة واقتناء الكتب وذلك من خلال إصدار طبعات شعبية بأسعار زهيدة لمئات الكتب التي تغطي شتى المجالات (الأدبية والعلمية والفكرية وغيرها) وذلك ضمن فعاليات مهرجان «القراءة للجميع»وهي تجربة تستحق الإشادة وهي جديرة بأن تعمم في كل الأقطار العربية . وهناك دور مشرف يجب أن نشيد به وهو دور وزارات الاوقاف والشؤون الاسلامية في دول الخليج في توزيع العديد من المجلدات والكتب والكتيبات في شتى المجالات ويستفيد منها الآلاف من المواطنين والمقيمين على حد سواء . وهناك المبادرات الفردية في هذا المجال والنماذج الفريدة التي يجب أن تحتذى وخير مثال على ذلك تلك السيدة القطرية الفاضلة التي تقوم بشراء الكتب لتتبرع بها وتلك لفتة طيبة لأن الكثيرين ممن يحبون القراءة ويدمنونها وتمثل لهم زاداً يومياً ينير عقولهم ويسمو بأرواحهم هم من الذين لا يملكون المال لاقتناء الكتب وسور الأزبكية في مصر خير شاهد على ذلك فالكتب القديمة التي تباع هناك بنصف السعر أو أقل تجد إقبالاً ورواجاً منقطع النظير من قبل عشاق القراءة . ولذلك فالمطلوب من وزارات الثقافة في البلدان العربية توفير الدعم الكافي لطباعة ونشر الكتب والأبحاث العلمية وكتب تبسيط العلوم لخلق جيل من العلماء والمبدعين وهناك تجربة فريدة قامت بها الهيئة المصرية العامة للكتاب منذ زمن وهي مشروع «الألف كتاب» الأول والثاني حيث قامت بإصدار عدد كبير من الكتب العالمية المترجمة في طبعات شعبية تباع بسعر زهيد والمطلوب الآن هو إحياء مثل هذه التجارب والاهتمام بطباعة ونشر الكتب العلمية. ودمتم عن صحيفة الوطن القطرية 25/10/2007