صلاح عيسي، كاتب موسوعي ومتعدد الاهتمامات ما بين الكتابة الصحفية والتاريخية والتراجم والسير والرواية، يري أن مشروع القراءة للجميع مشروعا محترما وناجحا، وإن كانت تشوبه بعض المجاملات التي لابد منها، طالب عيسي، الذي توقف عن النشر في المشروع لرداءة طباعة الكتاب، بضرورة إنشاء شبكة توزيع مصرية في الخارج، لضمان وصول كتب «القراءة للجميع» للمثقفين المغتربين بأسعار معقولة، هذا الاقتراح وغيره قاله عيسي في حواره مع "روزاليوسف". بعد عشرين عاما علي انطلاق مشروع القراءة للجميع، كيف تنظر إلي هذا المشروع الآن؟ - حدثت طفرة كبيرة وتطور ملموس في المشروع من حيث اختيار عناوين الكتب، وطريقة تقديم الكتاب وتوحيد القطع وطريقة إخراج الأغلفة الجذابة وتنوع العناوين، والمشروع سد جوع القراء المصريين للكتب المهمة، نظرا لأن سعر الكتاب المرتفع كان يقف عقبة أمام القارئ العادي في اقتناء الكتاب، لمسنا هذا التعطش للكتب من خلال جريدة "القاهرة"، التي تنفد أعدادها عقب صدورها مباشرة، لأنه يباع معها كتاب بسعر رمزي. ما أبرز إيجابيات المشروع؟ - المشروع سد نقصا كبيرا في فكرة اقتناء الكتب الموسوعية التي صدرت عن المشروع، ومن أهمها: "الخطط التوفيقية" لعلي مبارك، و"قصة الحضارة" لوول ديورانت، و"مصر القديمة" لسليم حسن، و"وصف مصر" لعلماء الحملة الفرنسية، والأعمال الكاملة لمحمد عبده، و"تاريخ الأندلس" لمحمد عبد الله عنان، ومجلدات المجلات مثل: "الكاتب المصري"، و"الزهور" بأسعار في متناول المواطن البسيط. ما أبرز السلبيات في المشروع؟ - المجاملات وعدم الاعتناء بالإخراج أبرز سلبيات المشروع، كما أن نسبة كبيرة من الكتب تتسرب إلي تجار الكتب، ويباع الكتاب في السوق السوداء، وبذلك يحرم القارئ البسيط من حق الحصول علي كتاب جيد بسعر رخيص، وفي الماضي كان يقف غلاء سعر الكتاب عقبة أمام النخبة، فما بالك بالمواطن البسيط، وهذه المشكلة مسئولية الإدارة، وعليهم وضعها في الاعتبار. البعض يري أن هناك أسماء ثابتة تصدر أعمالها في المشروع وهو ما قد يأخذ عليه فما رأيك؟ - أتفق معك، ولكن هذه المجاملات كانت معروفة في بداية انطلاق المشروع، وتم القضاء علي جزء كبير منها اليوم، بالإضافة إلي أن هؤلاء الكتاب الذين تشير إليهم لا يوجد لديهم مشكلة في النشر، لا أن تسعي دور النشر الخاصة وراءهم، وتعطيهم أموالا أكثر من المشروع، وبالتالي ليست لديهم مشكلة في النشر، وبعض هؤلاء الكتاب لا ينشرون في المشروع، لوجود تعاقدات مع دور النشر الخاصة، تمنعهم من النشر في المشروع، وبالتالي فكتاباتهم تمثل إضافة نوعية للمشروع، لأنهم متحققون في كل الأحوال. ما مقترحاتك لتطوير المشروع؟ - علي نحو ما علينا أن نبحث عن فلسفة خاصة بالمشروع غير فكرة تعويد الناس علي القراءة وجذبهم إليها، وحسن اختيار العناوين، ولابد أن يهدف المشروع إلي تكوين مكتبة منتقاة للأسرة المصرية. ما الذي ينبغي أن تحتويه المكتبة في هذا الزمان؟ - هذا يحتاج الي تفكير لتلبية حاجات ثقافية مطروحة في المجتمع المصري، وأقترح مثلا تكوين مكتبة للتاريخ الوطني وإصدارها في شكل مكتبة متكاملة عن تاريخ مصر الحديث والمعاصر تتضمن علي سبيل المثال ركنا خاصا بالتاريخ القبطي يسد ثغرة معرفية عند الأغلبية المسلمة وهي تاريخ شركاء الوطن، من الممكن تخصيص محور سنوي لإصدار المجموعة الكاملة للمفكرين الإسلاميين المستنيرين، بالإضافة إلي تبني فكرة كتب الأعلام التي تترجم السير لأعلام النهضة المصرية والعربية، والشخصيات التي أثرت في الثقافة الإنسانية بشكل عام، خصوصا أن كتب التراجم أصبحت جاذبة للشباب، ولابد من مراقبة السوق، للحيلولة دون شراء التجار الجشعين لكتب المشروع وبيعها بأسعار خاصة للجمهور، وضرورة إنشاء منافذ لبيع كتب المشروع بالنوادي والمدارس ومراكز الشباب وقصور الثقافة. كيف تصف تجربتك مع المشروع؟ - لقد تعاملت مع المشروع في الفترة التي كانت تمثل طباعة الكتاب في المشروع نموذجا صارخا للرداءة في الطباعة، وسوء التصحيح اللغوي، ونوع الورق، والإخراج المتواضع، لذلك توقفت عن التعامل مع المشروع، لأن متعة القراءة ليست معرفية فقط، وإنما متعة بصرية أيضا، خصوصا نحن نعيش في عصر المتعة البصرية، فالصور كانت تخرج بمساحات سوداء، عكس دور النشر الخاصة، التي تهتم بإخراج الكتاب في طبعة فاخرة، ولابد من صرف مكافأة معقولة للمؤلف، والكاتب الراحل محمد مستجاب كان ينشر مؤلفاته في الثقافة الجماهيرية وتباع بخمسين قرشا للقارئ العادي حتي لا يرهقه ماديا ولا ينتظر مكسبا من وراء كتاباته. هل تعتقد أن الأمية تقف عائقا أمام وصول المشروع لأهدافه؟ - الأمية تقف عائقا أمام كل شيء، لكن الذي يصنع النهضة في أي أمة هم النخبة، التي كلما ازدادت وعيا كلما دفعت الأمة في مسار التقدم، ولابد من إشاعة أفكار وقيم الديمقراطية والخلاف في الرأي، والبحث عن المواهب في كل مجال وتبنيها. كيف يمكن للكتاب تحقيق عائد اقتصادي واستثماري جيد؟ آن الأوان لنعيد النظر في آلية توزيع للكتاب المصري بالخارج، الذي تحتكره الشركة القومية للتوزيع، وأصبح هناك سطو من بعض دور النشر العربية علي أمهات الكتب المصرية، التي تصدر في مشروع القراءة للجميع، وتتم إعادة تصويرها وتغيير أغلفتها وبيعها بأسعار مرتفعة في الخارج، ولابد من وضع الضوابط التي تحفظ حقوق الملكية الفكرية لكتب المشروع، لضمان وصول هذه الكتب إلي مواطنينا في المهاجر العربية والأجنبية الذين يزيدون علي ثلاثين مليونا.