أولمرت واعتراف اللحظة الأخيرة نصوح المجالي ما قاله أولمرت في اللحظات الأخيرة من حياته السياسية، أشبه بالاعتراف الذي يدلي به من يواجه الموت، قول الحقيقة ولو متأخرة، فالرجل خارج حتماً من المسرح السياسي ومستقبله السياسي وراءه ولن يتأثر إذا قال الحقيقة، لكنه كان يكابر ابان حكمه، ويناور على أوسع رقعة ممكنة من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل . وعلى أقل نسبة من الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وفي عهد أولمرت، خاضت إسرائيل حرباً فاشلة في لبنان ارادتها واشنطن كمقدمة لتغيير الأوضاع للشرق الأوسط، انطلاقاً من لبنان وسورية، وفي زمنه لم تحدث انسحابات أو تنازلات مهمة، والانسحاب الوحيد الذي تم في عهد سلفه شارون، كان تطبيقاً عملياً للخروج من وهم نظرية إسرائيل الكبرى، إلى إسرائيل الصغرى الأكثر أمناً والمحاطة بالجدران والمستوطنات والمناطق العسكرية، والمعززة بنظرية أمن غير إنسانية تقوم على مواصلة الضغط والتضييق على الفلسطينيين في الأرض المحتلة لفرض الأمر الواقع بالإذلال، ولتهيئة الظروف لهجرة طوعية أوسع من الأراضي المحتلة. بالتأكيد عهد شارون وأتباعه من حزب كاديما يعتبر خطا سياسيا فاصلا بين الليكود والتطرف الذي يطالب بضم جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة والتمسك بها ما دام ذلك ممكناً حتى لو كان الثمن اغلاق باب السلام مع العرب. وهو خط سياسي قائم على ان دافع العرب للتسوية السياسية مرده الضعف وعدم القدرة، وان الضعف يجب أن لا يكافأ، الا بفرض التنازلات عليه. اما الخط السياسي الذي تبناه شارون، فهو التخلص من الحمولة الزائدة التي تربك الاحتلال، واعادة هندسة اوضاع اسرائيل في الأراضي المحتلة باجراءات تنفذ على الأرض بدون استشارة الطرف الآخر، أي تقرير منظومة الأمر الواقع التي بدأت بضم القدس، ثم تدرجت بضم كل ما تراه اسرائيل ضروريا لوجودها وامنها، ولهذا تم التخلص من غزة، وتحديد الأراضي التي تراها إسرائيل ضرورية لأمنها، وعزلها بالجدران والمستوطنات. اما الوجه الآخر لهذه السياسة، فهو الاستمرار في طرح بالونات سياسية، توهم برغبة إسرائيل في التفاوض على تسوية سياسية، كالدولة المؤقتة، وتبادل الأراضي وتبادل السكان والدولة اليهودية واتفاقية الرف، والقبول بوجود فلسطيني رمزي في أحد أحياء القدسالشرقية، واتفاقية الاطار المشروطة باستعادة السلطة سيطرتها على غزة، وغيرها الكثير. وهذا هو خط المناورة، الذي يشغل العرب ويثير الانقسام في صفوف الفلسطينيين ويوهم العالم أن إسرائيل جادة في مسعى السلام. أولمرت كان صريحاً عندما قال إن الثمن الذي تدفعه إسرائيل بالاتفاق اليوم على شروط الدولة الفلسطينية سيكون أقل كلفة من الثمن الباهظ الذي ستدفعه إسرائيل في المستقبل. لأن منطق تغيير منطقة الشرق الأوسط، بالقوة وتجاهل إرادة شعوبها قد سقط وتراخى بعد اخفاقها في حرب لبنان، والاخفاقات الأميركية في العراق والشرق الأوسط والعالم. وبعد بروز تحدي إيراني من لون جديد يحمل معه تهديداً نووياً وتعبوياً يقلق إسرائيل والمنطقة، كما أن احتمالات التغيير في المنطقة العربية تحت وقع اليأس من السلام قد تأتي بخطر أكبر، الأمر الذي بدأت بوادره في التعبئة الدينية التي تشحذها جرائم إسرائيل وتعنتها في قضية السلام. وقد يأتي وقت، تقتضي مصالح الولاياتالمتحدة الحقيقية في الشرق الأوسط، ممارسة سياسة ترشد غلواء إسرائيل حرصاً على سلامتها، مما قد يفرض على اسرائيل تقديم تنازلات حقيقية من أجل السلام، سواء في فلسطين، أو سورية ولبنان. فحلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة، خذلوا، ولم يتلقوا أي عون حقيقي من إدارة الرئيس بوش لتغيير الموقف الإسرائيلي المعرقل للسلام، بينما كسب خصوم الولاياتالمتحدة مصداقية أكبر مع تراجع جهود السلام، وتراجع الموقف الأميركي في العالم، وبخاصة في الشرق الأوسط. غزو العراق، كان أحد تجليات التمهيد لاسرائيل الكبرى في الشرق الأوسط، فوضع العراق بتصرف واشنطن يعني ازاحة ثقل العراق من أمام إسرائيل، وفتح الباب لإسرائيل وحلفائها لاختراق العمق الاستراتيجي العربي وتدميره، لتكون الطريق سالكة لإسرائيل وواشنطن للسيطرة والتغلغل في شؤون منطقة النفط العربي في العراق والخليج ولم يشتت هذه الرؤية، إلاّ أمرين المقاومة العراقية من جهة والتي اغرقت السياسة الأميركية والاحتلال في تناقضات العراق. وكذلك تتشابك قضية انهيار العراق وأوضاعه مع طموحات إيران السياسية والمذهبية في العراق والمنطقة مما عظم المخاطر التي تواجهها واشنطن وإسرائيل، وما جرى في لبنان محور من محاوره، وما جرى في غزة أيضاً من تجلياته. بعد أن انكسر زخم المشروع الأميركي ؟ الإسرائيلي في الشرق الأوسط، لم تعد الدعوة لشرق أوسط جديد تقوده إسرائيل ممكناً ولم تعد الدعوة لطمس هوية العراق العربي ممكنة، كما أن تجاهل قصة السلام مع الفلسطينيين لم تعد أيضاً ممكنة. ولهذا، فالحديث عن إسرائيل الكبرى، واستعادة تراث اليهود في بابل، أو مصر أو من النيل الى الفرات، ليست سوى أوهام أسطورية فالعد التنازلي باتجاه إسرائيل الصغرى، بدأ بعيد حرب رمضان عام 1973، ووصل ذروته في حرب لبنان عام 2006. كما ان حلم السيطرة الاحادية على العالم دفع به المحافظون الجدد اخذ ينكسر على أبواب المنطقة، في العراق وافغانستان ولبنان وايران وصولا الى جورجيا على ابواب روسيا. فمدرسة كاديما قرأت الوضع بشكل واقعي، دون ان تتخلى عن حلم السيطرة على اكبر قدر ممكن من ارض فلسطين، وفتح الباب لحكم ذاتي فلسطيني محدود على رقعة من الارض تحت عنوان الدولة الفلسطينية، لا يقوى على الاستمرار بذاته طويلا مما يضطر الفلسطينيين لطلب الاندماج مع الاردن في صبغة اتحادية ودستورية تضمن لهم افضل مما قدمته التسوية مع اسرائيل ويكون مدخلا لحل مسألة الحدود واللاجئين والسيادة وايجاد حل جزئي وشكلي لقضية القدس، وبأقل ما يمكن من التنازلات الإسرائيلية. عن صحيفة الرأي الاردنية 23/9/2008