الله أكبر..فلله ما أخذ وما أعطى.. فما المال والأهلون إلا ودائع. ولابد يوماً أن تُرد الودائع..!!. تتحجر العبرَات في مآقينا التعوبة،ونحن نرى خيرة علمائنا ومفكرينا ينسحبون بشخوصهم بيننا،الواحد تلو الآخر،في وقتٍ ؛الأمة الثكلى أحوج ماتكون إليهم،وإلى علمهم وفكرهم ويقظتهم... بالأمس القريب فقدنا علماً شامخاً من أعلام الأمة الفطاحل الذين استهلكوا حياتهم في خدمة اللغة العربية و استماتوا دفاعا عن بقاياها التي يكاد العجز والتآمر يجهزان على أنفاسها..
الأستاذ الدكتور شاكر الفحام- طيب الله ثراه-...فلم نكد نلملم مزق أنفاسنا المرزوءة من هول المصاب،حتى عاجلتنا الأقدار بنعي قامة باذخة أخرى في سماء الفكر والعلم والثقافة،فهوت عرصة أخرى من عَرَصَات الأمة النادرة،المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري-طيب الله ثراه وجزاه عنا وعن الأمة خيرا ومثوبة-.. إنها غصتان انحبستا في حلوقنا،ما أظن صهيدَ حرارتهما سيُخفف في القريب العاجل على كر الغداة ومر العشي..!!!.
إن الذي فقدناه في الأستاذ المسيري- وكذا صاحبه الكبير-ليس هو الشخص والجسد،فهذان وُسدا التراب وأًُطبق عليهما الثرى،وعادا إلى أصلهما الكريم،إنما الذي فقدناه فيه،هو الألمعية الفكرية النبيهة،والموسوعية الشاملة بأخطر تحديات الأمة الإسلامية الراهنة،والإلمام الراسخ بذلك "الورم السرطاني"الذي انزرع في أوصالنا منذ عقود؛الصهيونية(عقيدةً وفكراً وتكتيكاً وأهدافاُ)..فما أعتقد وجودَ باحث معاصر أراد إماطة اللثام بالدراسة والتمحيص عن الفكر اليهودي وعن الجانب الخفي فيه،الذي بالكاد يُرى للعيان إلا وهو يستنير-بشكل ما-بفكر الأستاذ المسيري..ورأي الأستاذ المسيري..وما تقرر عند الأستاذ المسيري في الموضوع...
إن الأستاذ المسيري هو الذي علمنا،بالعلم والاستقراء والاستدلال وفق نواميس الله التي لاتتغير أن"زوالَ إسرائيل حتميةٌ قرآنيةٌ"..!!!!.
إننا إذ نعزي ذوي الأستاذ الكبير وأهله في هذا المصاب الجلل،فإنما في الحقيقة نعزي أنفسنا وأهلنا وأوطاننا وأمتنا،فنحن نعلم أن هذا الجيل الذي انتمى إليه الأستاذ الراحل،جيلٌ يصعب تكراره مرة أخرى،أو يسهل إنتاج نظرائه بالبساطة التي يظنها بعض السذج..!!!.
إنه جيل عرف كيف ولماذا يعيش،حتى إذاجاء الأجل-وما منه بد-ذهب إلى ربه وقد أدى الرسالة التي أًنيط بها.. ذهب إلى ربه ولم يورث للأمة درهما ولا دينارا-وتلك تركة الدهماء..!!! -إنما ورث هذا العلم النافع والفكر الواسع الأصيل،وهذا هو العوض الحقيقي الثمين الذي نرى فيه العزاء والسلوى،وإلا فما أكثر في أمتنا من يظهر في هذه الحياة كفقاعة الرغوة العابرة،يملؤها"بالزيطة والزمبليطة"الفارغة،ويعيش لأجل الأهداف الجوفاء، حتى إذا حصده سيف الموت،نفق كما تُنفق السوائم البكماء،وانتهى تحت التراب غير مأسوف عليه..!!!!
مااستفادت منه الأمة المنهَكة لا في العير ولا في النفير(؟!!)يصدق فيه قول الشاعر الحكيم: اللهم لاشمات بميت ولكن زوال القحط بشرى للورى!!. أما العظماء الذين لاتنصلح بهم الأمم،ولا تستقيم رفعة الحياة إلا بوجودهم،فهم طراز آخر غير ما ذكرنا... إن الموت ليس حسما لوجودهم،وليس انقطاعا لأثرهم. إنهم-مرة أخرى-سيحيون في تراثهم الزاخر الذي خلفوه،وماداموا في عقل الأمة وضميرها،فقطعا هم أحياء..!!!ولناأن نردد مع أبي الطيب قوله الخالد؛ وتركك في الدنيا دوياً كأنما تداول سمعَ المرءأنملهُ العشر..!!.
أوقول شوقي رحمه الله؛ فارفع لنفسك بعد موتك ذكرهَا فالذكرللإنسان عمرٌ ثان..!!!. رحم الله الأستاذ المسيري،وألهم ذويه الصبر وجميل السلوان،وعوضنا في فقده خيراً،"العين تدمع،والقلب يحزن، ولا نقول ما يسخط الرب" وإنا لله وإنا إليه راجعون،والله المستعان.