نشرت وسائل الإعلام أخيراً أن ثمة محاكمة في فرنسا لإحدي عضوات مجلس الشيوخ الفرنسي، بسبب معاداتها للسامية، ذلك أنه قد نسب إليها وآخرين أنهم في أحد التجمعات نادوا بعدم دخول البضائع الإسرائيلية إلي فرنسا نفاذاً لقرارات مقاطعتها عقب حربها علي غزةالفلسطينية.
وأنها أي هذه النائبة الفرنسية وتدعي حليمة بومدين عن حزب الخضر، ولأنها من أصول جزائرية فلم تتردد السلطات الفرنسية في محاكمتها نزولاً علي طلب اللوبي الصهيوني الذي يلاطفه رئيس الدولة ساركوزي.
وهو ما يعكس عدم صدق الشعارات التي تتغني بها فرنسا في حرية الإنسان وحقه في التعبير عن ذاته وعن مجتمعه، ومبدأ المساواة الذي هلكوا أسماعنا وعيوننا بترديده والمباهاة والإعجاب به سائد في فرنسا .
ومثل هذه المحاكمات لا تدل فقط علي هدم مبدأ الحرية والمساواة فحسب، وإنما تؤكد الانحياز غير العادي لطرف في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وهو هذا الطرف الأخير .
وهكذا تنحاز دول الغرب عموماً لإسرائيل ضد الفلسطينيين، وذلك بسبب سطوة اللوبي الإسرائيلي في دول الغرب عامة وخوف الحكومات الغربية من بطش هذا اللوبي وإقامة ألف حساب وحساب له علي غير صحة وبغير أدني منطق أو عقلانية .
فضلاً عن البعد الشديد عن العدالة كمبدأ أساسي تقرره الوثائق الدولية. فالغرب الذي يتباهي بالعقلانية والمنطق والعدل نجده في مواجهة اليهود والصهيونية يفقد تماماً عقله ومنطقه .
آية ذلك أن جميع الدول الأوروبية والأمريكية أيضاً تعترف أن معاداة السامية جريمة يعاقب مرتكبوها بالعقوبات المقررة في قانون العقوبات في كل هذه الدول وهي الحبس والغرامة - دون أن يفطن أحد من هؤلاء المواطنين أصحاب هذه الدول المتقدمة ما هي دلالة هذه الجريمة وماهيتها.
فلو أعملت هذه الدول وهذه الشعوب عقلها لعرفت أن معاداة السامية هي إحدي الخرافات التي أبدعها اليهود منذ زمن بعيد .
ذلك أن أصل هذه التهمة أو هذه المقولة هو كما تروي التوراة أن النبي نوح عليه السلام كان قد رزق بأبناء ثلاثة هم سام وحام ويافث وحدث أن تعاطي نوح شراباً مسكراً ففقد وعيه وخلع ملابسه وظهر عارياً، فما كان من ابنيه حام ويافث إلا أن تراقصا وصفقا لأبيهما، وهو علي هذه الحال.
وعندما دخل أخوهم سام فوجدهم جميعاً علي هذه الحال، فما كان منه إلا أن وجه اللوم لأخويه وتوجه بأبيه إلي ارتداء ملابسه - ولما عاد إليه وعيه أخبره سام بما حدث فدعي نوح لابنه سام بالبركة والنفوذ هو وأولاده من بعده.
وهذه القصة ليست سوي أكذوبة من أكاذيب التوراة وقصص التلمود - ذلك أن الواقعة ليس من دليل يؤكدها أو وثيقة تثبتها وأن دلالاتها لا تتفق مع نبي أو رسول اختاره الله لهداية قومه.
وليس في وسع شخص أن يثبت أنه من سلالة سام أو حام أو يافث بعد مرور ما يزيد علي خمسة آلاف سنة - فهي أكذوبة من ألفها إلي يائها، ويؤكد ذلك ويثبته أن الذي وجهه نوح لابنه سام قد سار الزمن ولم يتحقق لليهود الذين يزعمون أنهم من سلالته شيء من الخير والنعيم الذي دعا به نوح لابنه سام .
ذلك أن اليهود عاشوا طوال حياتهم داخل الأسر والاضطهاد ولم يعرفوا نعمة العيش إلا في أيام قليلة في أواخر القرن الأخير قبل الميلاد.
ومن بعده صار شتاتهم في أنحاء المعمورة أذلاء منبوذين حتي عادوا إلي فلسطين من أرض الشتات بدعم الغرب وإنشاء دولة إسرائيل لسنة 1948 فها هو وول ديورانت يتحدث في قصة الحضارة يقول" وكان اضطهاد اليهود بقوة في أوروبا أثناء العصور الوسطي ".
فقد جري الأباطرة البيزنطيون مائتي عام علي خطة العسف التي جري عليها جوستنيان ضد اليهود وطردهم هرقل من أورشليم عقاباً لهم علي ما قدموا للفرس من معونة - وبذل كل ما في وسعه لإبادتهم.
وعندما دعا البابا إربان الثاني إلي الحرب الصليبية الأولي عام 1095 ميلادية دعا بعض المسيحيين إلي الخلاص من اليهود في أوروبا قبل ذلك وقبل أن يخرجوا للقتال .
ولما تولي جد فري البويلوني قيادة الجيش وبداية الحملة الصليبية أعلن أنه سوف يثأر لدماء المسيح من اليهود ولم يترك واحداً منهم حياً وقتلوا منهم 1014 يهودياً ولم ينج منهم إلا من أعلن المسيحية ديناً له.
وأعلن مجلس طليطلة حرمان اليهود من التعيين في المناصب الرسمية - وأمر مجلس مدينة أورليان الفرنسية جميع اليهود ألا يخرجوا من بيوتهم طوال الأسبوع المقدس .
وندد المسيحيون باستخدام الأطباء اليهود وحرم علي اليهود والعاهرات لمس الخبز أو الفاكهة المعروضة للبيع. وهكذا عاش اليهود الذين يدعون أنهم من سلالة سام عصراً طويلاً من الاضطهاد والإيلام في أوروبا ولم يجدوا نعمة العيش إلا في بلاد الشرق، وكذلك في الدولة الإسلامية في الأندلس.
حيث أقر لهم الخلفاء بالمساواة والحق في شغل الوظائف المهمة وقد شغل بالفعل موسي بن ميمون أعلي الوظائف في الأندلس في ظل دولة الإسلام "الجزء 23 ص90 وما بعدها" من قصة الحضارة.
فهل بعد هذا الاضطهاد الذي واجهه اليهود أبناء سام كما يزعمون قد قبلت دعوة نوح لابنه سام وسلالته لما يحدث لهم ولم يقم الدليل علي الواقعة المنتجة لهذه الأسطورة.
ولكن عصر الشتات والذي امتد باليهود ما يقرب من ألفي عام، حيث واجهوا العذاب والاضطهاد الذي واجهوه في عصر الشتات لا يمكن أن يكون ثمرة لهذا النسب وهذا الدعاء الذي تلقاه سام أنه مجرد خيال واستعلاء مزعوم هذه الخيالات وهذه الروايات بقصد محاولة استرداد بعض الاعتبار لتاريخهم وحياتهم الحافلة بالعسف والاضطهاد.
ويكفي أن نعرف أن التلمود البابلي يشمل ستة آلاف ورقة وهو ما يدل علي التلفيق والحكي طوال فترة الشتات التي تصل إلي ألفي عام كما أشرنا.
بل إن التوراة تتضمن هي الأخري عجباً من التلفيق والاصطناع، حيث تقول إن من عمل منكم يوم السبت فاقتلوه ولا يمكن للرحمن الرحيم أن يطلب هذا الأمر ويجعله شريعة يحتكم إليها الناس .
أو كما تقول التوراة، كذلك إن الله تجسد في شكل آدمي إلي يعقوب الذي خلف أخاه عيسو وأعقبه في الولادة فسمي يعقوباً وأثناء سيره قال له الله: يا يعقوب هل تصارعني؟ فوافقه يعقوب وتمكن من تحقيق الغلبة ضد الإله فقال له الله عندئذ يا يعقوب سوف لا تسمي بعد اليوم يعقوباً إنما تسمي بعد ذلك إسرائيل أي غالب الإله.
باعتبار أن كلمة إيل في اللغة العبرية هي الإله وإسرا تعني الغالب.
وهذه الروايات وغيرها كثير بما يشي بأن التوراة ليست هي الألواح التي تلقاها موسي وحافظ عليها، حيث سلمها عند موته لأخيه هارون الذي حافظ عليها وسلمها قبل وفاته إلي من خلفه وهو شاؤول والذي حكم البلاد.
ثم بني داود خليفته بالحكم هيكلاً للعبادة فيه ولحفظ التوراة، ولكن حدث أن تولي سليمان بعد ذلك الحكم وعظم الهيكل وأعلي من شأنه، ولكن عندما مات سليمان أعقبه ولداه هما رحبعام ويربعام واختلفا سوياً وقسما إسرائيل إلي قسمين إسرائيل والسامرة.
واستولي الضعف عليها حتي غزاها البابليون وهدموا الهيكل وما فيه وضاعت ألواح موسي وليس لها وجود حقيقي بعد ذلك . وقد ألف الكهنة اليهود هذه الروايات في عصر الشتات .
وغيرها كثير وكلها لا وجه لصحتها وما قصة معاداة السامية إلا هذا اللون من ألوان التأليف والمباهاة والخداع الذي لا أصل له ولا حقيقة يستند إليها.
وخير دليل علي ما نقول هو أن نردد ما قاله العالم الأثري التاريخي شلومو ساند وهو يهودي وأستاذ بجامعة تل أبيب، حيث يقول إن التوراة مجموعة أساطير وليس كتاباً دينياً - ولا يوجد شيء اسمه الشعب اليهودي، واليهود لم يطردوا من فلسطين سنة 70 قبل الميلاد، كما يقال علي يد الرومان.
وإنما هم بحالهم علي ديانتهم اليهودية ثم اعتنق بعضهم المسيحية واعتنق بعض آخر الإسلام، وهو ما يؤكد أسطورة السامية وخلق معاداتها كجريمة تسلط علي كل من يقول قولاً صحيحاً ضد الصهيونية في محاولة السيطرة علي العالم والتحكم في مصائر الشعوب والجماعات والأفراد وعلي الجميع أن يفطن لهذه الحيل، وهذه الخرافات ولا يعتد بها ولا يلتفت إليها مادامت لا تطابق العقل السليم ولا تستند إلي منطق يقوي علي حملها وتبريرها.
كما أنه من ناحية أخري فإن نوح عندما أدركه الطوفان وفر إلي الجودي وهو جبل بالعراق، لم يكن وحده مع أبنائه بعد ذلك طوال هذه الآلاف المؤلفة من السنين.
حيث لم يكن لليهود وجود عندئذ - وأن بداية تاريخهم تبدأ من النبي إبراهيم الذي قدم من بلده أور بالعراق فاراً من قومه ولاذ بأرض كنعان وهي التي تعرف اليوم بفلسطين بسبب استيلاء حاكم كريتي يدعي فلستيا، وأطلق اسمه عليها، كما حدث في بلاد كثيرة، حيث سميت إيطاليا باسم قائدها وفاتحها ويدعي إطاليوس .
أو كما يقال إن مصر سميت كذلك باسم مصرايم أحد أحفاد آدم - مع أن الثابت أنها كانت تسمي باللغة المصرية القديمة ما سار أي حصن الإله، أو تسمي جيب بتاه وأطلق الاغريق عليها جيبتوس وهي باللغة المصرية القديمة تعني أرض الإله "أنظر - كتاب د. سيد كريم في مؤلفاته عن مصر القديمة خاصة كتاب لغز الحضارة المصرية القديمة".
ولم يعرف تاريخياً لليهود وجود قبل إبراهيم عليه السلام وهو أساس سلالة اليهود والعرب، حيث ابناه إسماعيل واسحق الذي أنجب هذا الأخير عيسو ويعقوب من تلقي الألواح بالوصايا العشر المعرورفة هو موسي من هذه السلالة دون هذه الروايات والحكايات والأكاذيب المفتراة طوال مدة الشتات.
وكان ذلك بعد نوح بثلاثة آلاف سنة أو يزيد وطوال هذه الفترة لم يعرف لليهود وجود ولم يكن لأي منهم تواجد أو حضور بهذه الصفة قبل إبراهيم عليه السلام وموسي أحد سلالته التي أقامت في مصر ما يزيد علي 450 عاماً.
ثم هاجر بهم موسي إلي أرض كنعان أو فلسطين بناء علي دعوة الإله لعبادتهم إياه في هذه الأرض، فكيف بعد ذلك يمكن لهم القول بأنهم من سلالة سام ولم يكن لهم وجود إلا بعد موته بثلاثة آلاف عام والأدني بهذا النسب هم العرب الذين وجدوا علي هذه الأرض قبلهم بآماد كثيرة.
وكيف يمكن الاعتقاد في صحة هذه الأسطورة التي لم يقم عليها دليل - بل ويكذبها الواقع والتاريخ أن يكون في مخالفتها جريمة يعاقب عليها القانون في الدول الغربية، رغم انطوائها علي إنكار لحرية الرأي والعقيدة.
ومرجع ذلك هو الانحياز الأعمي للصهيونية العالمية علي حساب أصحاب الحق في فلسطين الذين كانوا فيها قبل قدوم إبراهيم عليه السلام إليها هارباً من بلدة أور بالعراق.
وعندما عبر نهر الأردن أطلق عليه أصحاب الأرض الكنعانيون الفلسطينيون اسم العبرانيين بسبب عبورهم هذا النهر ووصولهم إلي أرض فلسطين - ومات إبراهيم بهذه الأرض وليس له فيها إلا قبره دون سواه.