■ كتب: أحمد سيد تتمتع السينما بمكانة فريدة بين الفنون، فهى ليست مجرد أداة للترفيه أو وسيلة لسرد القصص، بل نافذة حية تطل على لحظات إنسانية وتاريخية فارقة، تمنحها الحياة من جديد وتؤطرها فى ذاكرة جماعية لا تنطفئ. وبخاصة فى السياق الواقعى، تتحول السينما إلى وسيلة لتوثيق الروح العامة، مشاعر الناس، تفاصيل الحياة، وتقاطعات السياسة والاجتماع، لتُصبح حافظة بصرية للزمن ومنبهًا دائمًا لما لا يجب نسيانه. على هذا الأساس، تبدو ثورة 30 يونيو 2013 واحدة من المحطات المفصلية التى كان ينتظر من السينما المصرية أن تخلدها وأن تستحضرها فى أعمالها بروح الباحث والمبدع. الثورة التى مثلت لحظة تحول كبيرة فى المسار السياسى المصري، لا تزال تثير الجدل حتى الآن، ويبدو أن السينما قد ترددت كثيرًا فى الاقتراب منها مباشرة، فهل فشلت فى أداء دورها التوثيقي؟ أم أن أدوات التعبير السينمائى اتخذت أشكالًا أخرى أكثر دهاءً؟ ◄ غياب درامي لا يليق بحجم الحدث رغم الأهمية القصوى لثورة يونيو، وما أحدثته من هزة سياسية واجتماعية عميقة، فإن الحضور الروائى للحدث كان باهتًا إلى حد كبير. فمنذ 2013، لم تنتج السينما المصرية عددًا يذكر من الأفلام التى تناولت الحدث بشكل مباشر، وغابت المعالجة الصريحة، لتحل محلها إشارات وتلميحات، أو تناول للحالة العامة دون الدخول فى تفاصيل الثورة نفسها.. هذا الغياب اللافت ربما يعزى إلى عدة أسباب، منها القيود الرقابية، وتخوف صناع السينما من الدخول فى مناطق حساسة سياسيًا، وكذلك التحديات الإنتاجية التى تواجه الأعمال ذات الطابع السياسى، خاصة إذا كانت تتطلب ميزانيات كبيرة وإعدادات دقيقة. ◄ اقرأ أيضًا | المحافظات تكسب الرهان| الصناعة تعيد الروح لأسوان.. وبريق السياحة يزداد في البحر الأحمر ◄ فيلم اشتباك من بين الأعمال القليلة التى اقتربت من المشهد المصرى بعد الثورة كان فيلم «اشتباك» (2016) للمخرج محمد دياب. الفيلم لا يتناول الثورة بشكل مباشر، بل يستعرض حالة الاستقطاب السياسى التى عصفت بالمجتمع المصرى عقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان. وتدور أحداث الفيلم كاملة داخل عربة ترحيلات تضم شخصيات مختلفة الانتماءات، بما يعكس التمزق السياسى والاجتماعى. «اشتباك» اختار أن يعرض الأزمة من زاوية إنسانية ونفسية، دون إصدار أحكام حادة أو الانحياز الصريح لطرف، وهذا ما منحه مساحة واسعة من التقدير النقدي، خصوصًا على المستوى الدولي، لكن رغم تميزه، يبقى استثناءً لا يعكس توجهًا عامًا للسينما تجاه الحدث. ◄ اقرأ أيضًا | قادم بقوة.. إشادت دولية بنجاح الاقتصاد المصري وتوقعات إيجابية للنمو والتضخم ◄ الدراما بين السخرية والتلميح شهدت السنوات التالية أيضًا بعض المحاولات السينمائية التى تناولت بشكل غير مباشر الفترات التى سبقت ثورة يونيو أو عالجت ظواهر الإرهاب والتطرف التى ارتبطت بتلك المرحلة، ولكن من زاوية درامية ترفيهية أو أكشن، ومنها فيلم «المشخصاتى 2» (2016) للمخرج محمد أبو سيف تناول بأسلوب ساخر شخصيات محسوبة على جماعة الإخوان، وقدم تجسيدًا لشخصية محمد مرسى عبر الفنان تامر عبد المنعم، ما أثار موجة من الجدل، وأما فيلم «جواب اعتقال» (2017) لمحمد سامي، فقد تناول شخصية متطرف دينى ينتمى لتنظيم إرهابي، وسلط الضوء على مسارات التحول النفسى التى تقود الأفراد إلى العنف، بينما ركز فيلم «الخلية» (2017) للمخرج طارق العريان على الجانب الأمنى من المواجهة مع الإرهاب، من خلال قصة ضابط يتصدى لعمليات تفجير ويلاحق خلية إرهابية. هذه الأفلام وإن كانت تشير إلى نتائج ما بعد يونيو، إلا أنها لم تضع الثورة ذاتها فى بؤرة السرد، بل جاءت كرد فعل على الحالة، لا تفسيرًا لها أو تمثيلًا بصريًا مباشرًا لتفاصيلها. فى المقابل، شهدت الأفلام الوثائقية حضورًا أقوى وأكثر مباشرة فى تناول ثورة 30 يونيو، حيث اتخذت من الأرشيف، والمقابلات، والمشاهد الحية، وسيلة لرواية الحدث، وقد لعبت المؤسسات الإعلامية والرسمية الدور الأبرز فى إنتاج هذه النوعية من الأفلام، واضعة الثورة فى سياق «تصحيح المسار»، معتبرة إياها امتدادًا لثورة يناير لا خروجًا عليها.. من بين أبرز تلك الأعمال: «30 يونيو: حتمية الثورة» (2017) وثق مرحلة حكم الإخوان وصولًا إلى لحظة الثورة، بينما فيلم «القرار» (2021) قدم كختام للجزء الثالث من مسلسل «الاختيار»، وسرد أحداث ما قبل وخلال 30 يونيو، وأما «إرادة وطن» (2022): من إنتاج إدارة الشؤون المعنوية، يحكى عن مصر من نكسة 67 وحتى ثورة يونيو، فى مسعى لربط الأحداث الوطنية الكبرى. كما تم إنتاج فيلم «وطن للجميع» الذى يتحدث عن فترة حكم الإخوان أيضًا حتى قيام ثورة الثلاثين من يونيو، وكانت آخر تلك الأفلام السلسلة التى عرضتها القناة الوثائقية تحت عنوان «حتى لا تكون آفة حارتنا النسيان»، والتى استعرضت فيها أحداث يونيو 2013. بكل ما ارتكبه الإخوان أثناء حكمهم وموقف الجيش المصرى. بينما فيلم «الشهيد» عمل إنسانى يخلد بطولات رجال الجيش والشرطة بعد الثورة، وفيلم «ثورة إنقاذ مصر» مجموعة كبيرة من المشاهد الحية لأبرز جرائم التنظيم الإرهابى ورجاله الذى بدأها بالصدام مع الدولة بعد أيام من وصولهم لسدة الحكم، وصولا إلى الصدام المسلح والمباشر مع أفراد الشعب المصرى فى الشوارع والميادين كانت معها مصر على شفا حرب أهلية، وشمل الفيلم الذى تصل مدته إلى 50 دقيقة، شهادات عديدة لرجال السياسة والفكر بالإضافة إلى الكتاب الصحفيين وعدد من المسؤولين الذين كانوا شاهدين على تلك الفترة، من بينهم محمد عبدالعزيز أحد مؤسسى حركة «تمرد»، والكاتبة سكينة فؤاد، والدكتور محمود مسلم، رئيس لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام بمجلس الشيوخ، والمستشار ماهر سامى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقًا، والدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة السابقة والتى كانت تشغل منصب رئيس دار الأوبرا المصرية فى ذلك الوقت ودخلت فى صدام من وزير الثقافة الإخوانى ما أشعل فتيل اعتصام المثقفين الذى كان بداية للثورة على التنظيم الإرهابية. رصد الفيلم تلك اللحظه التى استجابت فيها القوات المسلحة لنداء الشعب المصرى لبتر حكم جماعة الإخوان التى استبدت وحلت بنفسها دولة داخل الدولة، وسعت بالبلاد فى طريق الخراب والاغتراب، تلك الثورة التى كشفت عمق الترابط بين القوات المسلحة، وأبناء شعبنا العظيم.