ما دامت الشوارع مفتوحة لسائقين يقودون تحت تأثير المخدر، فانتظر أن تتحول الطرق إلى ساحات موت، والسيارات إلى نعوش متحركة. حين يُمسك البعض بالمقود وذهنه غارق في غيبوبة حشيش أو ترامادول، يصبح الطريق مثل ساحة معركة لا يُعرف فيها من القاتل ومن المقتول. حادث الدائري الإقليمي صباح الجمعة 27 يونيو 2025 قرع ناقوس خطر: إلى متى نظل ندفن ضحايا بلا حساب، ونترك المقود فى يد من لا عقل له ولا وعي؟ اصطدمت شاحنة تسير عكس الاتجاه بميكروباص يحمل 22 فتاةً من قرية كفر السنابسة، كانت وجوههن متجهة نحو يوم عمل شريف، 19 زهرة فى عمر الورد ذبلن فى لحظة، لا لذنب ارتكبنه، بل لأن سائقًا قرر أن يُكمل طريقه عكس الاتجاه، وربما عكس الحياة نفسها، بلا إدراك، بلا وعي، وربما تحت تأثير سمٍ يُباع على الأرصفة بلا رادع ولا قانون! هكذا تتحول الطرق إلى فخاخ، والمركبات إلى أدوات قتل، لا فرق فيها بين جريمة مقصودة وتهور مُسكر.. نطرق من خلال هذا التحقيق باب الأسئلة المغلقة: كم من سائق يقود تحت تأثير المخدر؟ وأين الرقابة على الطرق؟ وكيف يمكن أن نمنع تكرار مشاهد تبكينا ثم ننساها؟ إنها ليست مجرد حوادث، بل جروح فى جسد الوطن لا تُشفى بالصمت، بل بالحقائق والمحاسبة والردع. ◄ دراسة: 30% من سائقي النقل يتعاطون المخدرات.. والترامادول الأكثر شيوعًا ◄ مطلوب تعديلات جذرية لزيادة العقوبات على المتعاطين ◄ خبراء: أهمية توفير دعم نفسي واجتماعي لقائدي المركبات تشير الدراسات الأخيرة إلى أن نسبة تعاطى المخدرات بين السائقين في مصر بلغت مستويات خطيرة، واحدًا من كل خمسة سائقين تحت تأثير المخدرات أثناء القيادة، وبالرغم من الجهود الحكومية المتزايدة لإجراء الفحوصات العشوائية على السائقين، إلا أن هذه الفحوصات لم تغطِ بعد كل الفئات، ما يشكل خطرًا حقيقيًا على الطرقات. وبحسب دراسة أجرتها وزارة النقل بالتعاون مع وزارة الداخلية، يتسبب النقل الثقيل فى 60% من حوادث الطرق بمصر، وتمثل المقطورة وحدها 13% من هذه الحوادث، كما كشفت أن 30% من سائقى النقل يتعاطون المخدرات. في دراسة أجريت فى محافظة المنيا، أظهرت النتائج أن 14.2% من السائقين الذين تم اختبارهم كانوا يتعاطون المخدرات، حيث كان الترامادول هو الأكثر شيوعًا بنسبة 7.2%، يليه الحشيش بنسبة 3.6%. ووفقًا لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى (FDCTA)، أظهرت نتائج حملات الكشف على السائقين على الطرق السريعة أن نسبة تعاطى المخدرات بين السائقين انخفضت من 12% فى 2017 إلى حوالى 1.8% فى 2020، نتيجة للحملات المتواصلة لاختبار السائقين عشوائيًا، فيما يساهم تعاطى المخدرات إلى ضعف التركيز وزيادة سرعة ردود الفعل غير المنضبطة. وتأتي هذه الأرقام فى إطار جهود السلطات المصرية لمواجهة الأزمة المتنامية عبر التشريعات والفحص الدوري، ولكن الحاجة لا تزال ملحة لمزيد من التوعية والفحص المستمر لتحجيم هذه الظاهرة.. وبين هذا وذاك يتساءل الكثيرون، هل الفحص الدورى وتحاليل المخدرات يجب أن تكون إلزامية لكل سائق؟ وهل هناك قدرة على تنفيذ ذلك بشكل فعال؟ التعاطى لا يشكل تهديدًا على حياة المتعاطى فحسب، بل يمتد ليكون خطرًا على المجتمع ككل، ومع توالى الحوادث المرتبطة بتعاطى المخدرات، يتساءل القانونيون عن مدى فعالية القوانين الحالية فى مواجهة هذه الظاهرة. ◄ اقرأ أيضًا | الديهي ينتقد مشهد تقديم محافظ المنوفية للعزاء في ضحايا حادث الطريق الإقليمي ◄ المحاسبة بالقانون يقول أشرف الجبالى المحامى والخبير القانونى أنه فى حالة ثبوت تعاطى السائق المخدرات أثناء القيادة يعاقب على تهمتين هما حيازة مواد مخدرة والتعاطى وتكون العقوبة من ثلاث سنوات لخمس سنوات، أما إذا وقع ضحايا بسبب القيادة تحت تأثير المخدر فإن الأمر يتحول إلى جناية وتنظر فيها المحكمة حسب ملابسات القضية وتكون عقوبتها من خلال قانون العقوبات الجنائى ولا تقل عن 10 سنوات. بينما قال د. كمال الحلوانى أستاذ القانون بجامعة عين شمس أكد أن تعاطى المخدرات وفقاً لقانون المرور الجديد يحرم السائق من الحصول على الرخصة، ونفس الأمر ينطبق على سائق حافلات المدارس وأصحاب الرخص المهنية، والجديد فى الأمر أننا ألزمنا سائقى حافلات المدارس بساعات عمل معينة لمنع الإرهاق للسائق، مما يعرض حياة التلاميذ للخطر، وذلك من خلال جهاز يوضع فى السيارة، فالقانون حريص على المواطن والوقوف بجواره، ومن ثم ألزم الدولة بالعديد من الالتزامات وتم تخفيف بعض العقوبات، فعلى سبيل المثال تم تعطيل عقوبة الحبس فى السير عكس الاتجاه، وهناك توافق بين العقوبة والجريمة. والقانون الجديد حارب متعاطى المواد المخدرة أثناء القيادة والسرعات الجنونية، التى يقودون بها، ويكون منهم سائقو النقل، ووضع لهم مادة تندرج تحت الشريحة الخامسة، ويتم خصم 5 نقاط من السائق، فى حالة ارتكاب مخالفة مرورية على الطريق وتوقيع غرامة مالية على قائد السيارة، من 4 آلاف إلى 8 آلاف جنيه، والحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر أو توقيع إحدى العقوبتين، كما ألزمهم بالحصول تراخيص القيادة، باجتياز دورة تأهيلية قبل الحصول على الرخصة، مع ضرورة توافر شروط اللياقة الصحية التى ستحددها اللائحة التنفيذية. كما أجاز القانون لضباط المرور فحص حالات قائدى السيارات التجارية والنقل الثقيل، بذات الوسائل الفنية للكشف عن متعاطى المواد المخدرة والمسكرات، فإذا لم يمتثل لها لو كان قائد السيارة يسير بغير الرخص أو برخصة منتهية، أو لا تجيز قيادتها وجب على ضباط المرور دون الإخلال بتوقيع العقوبة عليه، وعرضه على النيابة المختصة لاتخاذ إجراءات التحقيق والفحص الفنى، التى تستلزمها ضرورة التحقيق، ويتم توقيع عقوبة عليه، لمنع تكرار تلك الأفعال للحد من الحوادث. وأكد د. كمال الحلوانى أن قانون المرور وضع عقوبات مختلفة على قائدى السيارات، حال ثبوت تعاطيهم مواد مخدرة، أو قيادة سيارتهم تحت تأثير «السكر»، وتختلف العقوبة وفقا للتهمة الموجهة لقائد السيارة، وفى السطور التالية نتعرف على العقوبات التى تواجه الشخص الذى يقود سيارته من متعاطى المواد المخدرة. ووفقا لنص المادة 76 من قانون المرور الحالى فإنه «يعاقب كل من قاد مركبة وهو تحت تأثير مخدر أو مسكر أو السير عكس الاتجاه فى الطريق العام داخل المدن أو خارجها بالحبس مدة لا تقل عن سنة» كما أنه إذا ترتب على القيادة تحت تأثير مخدر أو المسكر أو السير عكس الاتجاه إصابة شخص أو أكثر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه. وحال ترتب على ذلك وفاة شخص أو أكثر أو إصابته بعجز كلى يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 7 سنوات وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه. كما أقر القانون، أنه يجب سحب رخصة القيادة عند ضبط قائد المركبة لأول مرة يقودها تحت تأثير خمر أو مخدر وعند امتناع قائد المركبة عن الفحص الطبى أو لجوئه إلى الهرب عند تقرير فحصه طبيا أو إحالته للفحص الطبى للاشتباه فى وقوعه تحت تأثير خمر أو مخدر وفقا للمادة 66 من القانون تسحب لمدة 90 يوما. ◄ مراقبة صارمة ويلتقط منه طرف الحديث اللواء فاروق المقرحى عضو مجلس الشيوخ مؤكدا أن التشريعات تحتاج إلى تعديلات جذرية لرفع العقوبات المفروضة على السائقين المتعاطين، وضمان مراقبة صارمة على الطرق. ويؤكد أن البرلمان يناقش بالفعل مشاريع قوانين جديدة تهدف إلى تعزيز العقوبات وتحسين آليات الفحص الدوري، وشدد المقرحى على ضرورة عمل تحاليل دورية على الطرق وفى الشوارع وعلى السائقين. ويوضح اللواء سعيد طعيمة، رئيس لجنة النقل والمواصلات الأسبق بمجلس النواب، أن الحل يبدأ بتوفير وسائل أمان ومراقبة صارمة وحديثة لكافة الطرق على مستوى الجمهورية، تكون متصلة بعضها البعض، يتم إنشاؤها عن طريق شركة عالمية تدخل كشريك يوفر كافة هذه المستلزمات. ◄ تكثيف الرقابة ويرى الخبير الأمنى اللواء محمد نورالدين مساعد وزير الداخيلة الأسبق أن تعاطى سائقى الحافلات الخاصة بالمدارس والجامعات للمخدرات يعرض حياة الطلاب للخطر حيث يؤثر على قدرتهم على القيادة ويزيد من مخاطر الحوادث. وأشار محمد نور أن جميع سائقى النقل والحافلات يتعرضون للجان مرورية مفاجئة على الطرق السريعة لكشف على المخدرات وتظهر نتيجة التحليل فى الحال. وأضاف نور أن الرخصة لسائقى الدرجة الأولى تجدد كل 7 سنوات وكل سنة لسائقى حافلات طلاب المدارس والجامعات والمعاهد العليا الخاصة موضحا أهمية تكثيف الرقابة والفحوصات الدورية للسائقين وأن يكون هناك تحليل مخدرات من جانب إدارة الجامعات والمدارس وشركات الخاصة بصفة دورية لا تقل عن 6 شهور . ◄ مفتاح الحل الأزمات النفسية والاجتماعية تعد من الأسباب الرئيسية التى تدفع الأفراد إلى تعاطى المخدرات، د. سامية خضر استاذ علم الاجتماع أشارت إلى أن هناك ضرورة لتوفير دعم نفسى واجتماعى للسائقين، بما فى ذلك برامج إعادة تأهيل مكثفة، خاصة أن السائقين يواجهون ضغوطات نفسية هائلة بسبب طبيعة عملهم. وأضافت لدينا الإعلام له تأثير كبير جدا على الجمهور سواء مرئيًا أو مسموعًا أو ورقيًا، بداية من البرامج التى توضح خطورة المدمن على المجتمع وأيضا تأثيراتها على الصحة النفسية والاجتماعية، مطالبة أن يكون هناك خطة لنشر الوعى والتوعية بحروب المخدرات والتغييب وذلك عن طريق القوى الناعمة كالأفلام والمسلسلات ووضع المتعاطى فى دور منبوذ اجتماعي. ◄ قنوات للحوار أما د. وليد هندي استشارى الطب النفسى فيرى أن التوعية بآثار المخدرات النفسية والجسدية أصبحت أمرًا لا غنى عنه، إلى جانب تكثيف جهود الدولة والمجتمع المدنى فى توفير مراكز علاجية مجانية وفتح قنوات للحوار مع المدمنين، وأضاف هندى ان تعاطى المخدرات يؤدى أيضًا إلى انعدام الشهية، وضعف عام فى الجسم، فقدان الوزن، وإهمال المظهر الشخصي، المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، فتعاطى المخدرات يزيد من السلوك العدوانى وعدم التركيز، وهو ما يظهر في الحوادث على الطرق السريعة، حيث يفقدون السيطرة على أنفسهم، مما يؤدى إلى حوادث خطيرة، مثل حالات الشباب الذين يموتون فى حوادث سير نتيجة تعاطى السائقين للمواد المخدرة. كما ينصح هندي بالكشف المبكر عن المخدرات فى الطرق السريعة وهو خطوة أساسية لحماية أرواح الناس من هذه المخاطر، وتوفير مستقبل مهنى آمن لهم، وأشار الى ان القرار لا يسهم فقط فى بناء مجتمع سليم معافي، لكنه يساهم أيضًا فى خلق مواطنين سليمين قادرين على الانخراط فى المجتمع بشكل فعال،حيث ان القرار يتناغم مع رؤية مصر الجديدة فى تحسين المجتمع ومكافحة كل أشكال العشوائية، سواء فى السلوك أو فى المباني، مما يخلق مواطنين يتماشون مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. ◄ إجراءات فعالة سامي مختار، رئيس الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم، أكد أن هناك عدة عوامل وأسباب تشارك المخدرات فى زيادة أزمات حوادث الطرق، ويشير إلى أن هذه العوامل تنقسم إلى ثلاثة أجزاء، وهي: أولاً، السيارة؛ وثانيًا، الطريق؛ وثالثًا، العامل البشري. ويوضح أن المخدرات تصنف كعنصر من عناصر العامل البشري، والذى يمثل 80% من أسباب حوادث الطرق، يضاف إلى ذلك السيارات، التى يمكن أن تصنف هى الأخرى كجزء من العامل البشري، وذلك لأن الإنسان هو المتحكم فيها، ونتيجة لعدم الفحص الدورى لها والتأكد من معايير السلامة، يكون غياب إجراءات السلامة سببًا رئيسيًا فى حوادث الطرق. ويضيف أن الطرق وإن كانت من ضمن العوامل، إلا أنها الآن شريك بنسبة ضئيلة جدًا نتيجة النقلة النوعية التى تمت فى الطرق داخل الدولة المصرية، والتى وفرت لنا طرقًا عالمية بجودة رائعة. ولكن مع هذا، فهناك بعض الطرق التى قد تسبب عوائق تؤدى لحوادث نتيجة بعض الأخطاء بها. ويوضح مختار أن حوادث الطرق قلت بنسبة بلغت أكثر من 40%، إلا أن الأمر يحتاج مع هذا لمراجعة شاملة تبدأ أولاً بتأهيل العنصر البشرى وتدريبه على قواعد المرور وآدابه، خاصة أن الغالبية العظمى تفتقر لهذا الأمر، لذا يجب تدريب وتأهيل العنصر البشرى وتوعيته بهذه الآداب، والأهم من ذلك إفهامهم مدى خطورة المخدرات وتأثيرها المدمر فى زيادة حوادث الطرق، وفى نفس الوقت يتم الفحص الدورى على السائقين للتأكد من خلوهم من أى مواد مخدرة. ويضيف أن التوعية والتدريب بقواعد المرور وآدابه يجب أن تشمل المواطن العادي، فهناك الكثير من المواطنين نتيجة غياب هذه الثقافة يتسببون بأزمات لا حصر لها، مثال على ذلك أن يعبر أحدهم طريقًا سريعًا دون التأكد من التوقيت المناسب أو استخدام كبارى المشاة، فهذا الأمر يتسبب فى حوادث لا حصر لها. ويشير إلى أنه يجب علينا أيضًا التوعية بخطورة التلوث فى زيادة حوادث الطرق، فهو من أهم العوامل، مثال على ذلك أن البعض قد يقوم بحرق شيء ما قد يتسبب بصنع شبورة، وبالتالى هذا الأمر قد يصنع ضبابية للسائق تسبب حوادث طرق. ويختتم سامي مختار حديثه قائلاً: أن التوعية بالإسعافات الأولية لحوادث الطرق خطوة يجب أن يتدرب عليها كافة السائقين، والتدرب عليها سيساهم بنسبة كبيرة فى الحد من تفاقم إصابات حوادث الطرق وزيادة أخطارها..علاوة على أهمية إطلاق حملات وطنية لتوعية المواطنين بمخاطر المخدرات على الطرق، وأهمية الفحص الدوري.