جدال كبير دام لاكثر من ساعتين حول وجهتي نظر مختلفتين يقول الاول ان الشيخ عبد الحميد كشك – رحمة الله عليه – قال عن الاديب الراحل – رحمه الله - توفيق الحكيم عندما قال آدم عبيط : ((توفيق الحكيم حيث لا توفيق ولا حكمة ثم تنهد وقال هؤلاء أدباؤنا ) .
فقال الثاني له : " هل قرأت اي من أعمال توفيق الحكيم المسرحية " ؟
فرد الاول منفعلا : " لا ولن يشرفني قراءة اي عمل له او مسرحية !!" .
فتساءل الثاني: " وماذا تعرف عن توفيق الحكيم ؟؟ .
" فأجاب : " لا اعلم عنه اي شئ الا موقف الشيخ كشك منه وانا علي ثقة ان العالم الشيخ الجليل الذي توفي في سجوده علي حق ولن أتراجع عن موقفي من تجاهل اي عمل من اعمال الحكيم" .
فاستغرب الثاني وقال: " لا تعلم عن توفيق الحكيم اي شئ وتنتقده معتمدا علي ثقتك باحد مشاهير رجال الدين الإسلامي ، كيف ذلك يا صديقي المثل يقول ( اعرف عدوك ) وهذا عن الاعداء فما بالك بالاختلاف في وجهات النظر ..اذا أنت جاهل وتحتاج للقراءة أكثر واكثر "
واشتاط صاحبه غضبا : " انت تسخر من احد علماء الدين الإسلامي والذي لم يقل سوي الحق سأسخر منك أنت يا صاحب الفكر العلماني البغيض ".
أوضح الثاني مستدركا حديثه :" انا مسلم مثلي مثلك واحترم جميع اراء الشيخ كشك ولكنني اختلف معه في بعض الامور غير الدينية المتعمقة فتوفيق الحكيم احد أدباء عصره ويمكن ان يصيب ويخطئ فهو بشر وانا لا اعلم ما الموقف الذي قال فيه ان ادم عبيط .
وهل يقصد آدم النبي ابا البشر ام يقصد شخصية خيالية لادم في احدي مسرحياته ويصفه بالسذاجة لإتباعه حواء في الأكل من الشجرة المحرمة اذا تم افتراض ذلك ، كما انه من الضروري عدم التسليم بآراء الآخرين خاصة في النقاش الثقافي الا بعد القراءة وأعمال العقل " .
تمسك الأول برأيه متعصبا رافضا إكمال الجدال الذي أصبح كالشجار من ناحيته واعتبرها قضيته في الحياة التي لا يمكن ان يتنازل عنها ورفض القراءة لأعمال الحكيم واعتقد انه بذلك يدافع عن الإسلام وان الاخر مفتون وعاصي لأوامر الله تعالي .
تلك الصورة النمطية الرافضة للقراءة والمعرفة التي تستقي معلوماتها من فهم وإدراك نراها يوميا، في أشخاص يعيشون بيننا منهم أصدقاء وآخرون زملاء وهذه اخطر الصور المسيئة للإسلام الذي دعا الي حوار الثقافات واحترام الآخر وعدم استخدام السب واللعن في المجادلات الثقافية .
بدليل ان سورة الحجرات في الآية الثالثة عشر يقول الله تعالي ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) وجاء في اول سورة العلق ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) اي دعا الي المعرفة والقراءة والتعرف علي جميع الثقافات وتصحيح ما يستحق من اطلروحاتها والايمان بحق الاختلاف من منظور ( لكم دينكم ولي دين ) و (ادع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) .
فالمسلم لا ينبغي ان يكون جاهلا منغلقا وانما متفتح العقل يتميز بالثقافة العالية وهذا ما يقره النبي صلي الله عليه وسلم في حديثه حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تكونوا إمعة، تقولون،: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا ) [أخرجه الترمذي، انظر تحفة الأحوذي6/145،46 إن أسلوب الحياة الحديثة اعطي الفرصة لاي إنسان الاطلاع علي كل جديد عبر الانترنت والمكتبات المنتشرة في العديد من المناطق المحلية والعالمية فلا تبخل علي نفسك عزيزي القارئ من قراءة مستفيضة لموضوع معين ولك الحق أن توافق أو تخالف كاتبه .
وكن كما قال الإمام الشافعي أعرض عن الجاهل السفيه فكل ما قال فهو فيه ...ما ضر بحر الفرات يوماً إن خاض بعض الكلاب فيه ، اي أن الجهل يفقد الإنسان بشريته وإنسانيته.
ويأتي التحذير من الجهل في العالم العربي بسبب تراجع مستويات الإقبال علي القراءة حيث تكشف أحدث الإحصاءات التي أجريت عام 2008 أن الأوربي يقرأ بمعدل 35 كتاباً في السنة، والإسرائيلي 40 كتاباً في السنة، أما العربي فإنّ كل 80 شخصاً يقرءون كتاباً واحدا في السنة!
ومن المؤكد أن العقول التي لا تقرأ شيئا من السهل قيادة أصحابها نحو أي عمل يلحق الضرر بأصحابها ويجلب التخلف الحضاري لوطنهم ووتترسخ فيها قيم التعصب وعدم الالتزام بحق الاختلاف ويجعلنا نعود للعصور الوسطي الأوربية المظلمة التي كانت تعادي العلم والعلماء .