هل تكون سوريا ضحية حرب الجنرالات في "إسرائيل"؟ أحمد المرشد لعلها مفاجأة غير سارة ل"الإسرائيليين" الذين قرأوا في صحفهم الأسبوع الماضي أن الجيش “الإسرائيلي" رفع حالة التأهب القصوى على الحدود مع سوريا إلى أعلى مستوياتها بعد رؤية سرب من الطيور المهاجرة في منطقة الحدود. فقد بلغ حد القلق في الأوساط العسكرية “الإسرائيلية" على تصور الموقف على انه هجوم جوي سوري، استدعى إقلاع طائرات حربية لمواجهة هذا السرب. ولنا أن نتخيل نحن العرب كيف أن سربا من الطيور المهاجرة أثار مثل هذه البلبلة في سلاح الجو “الإسرائيلي" الذي أرسل مقاتلاته لمطاردتها. ويعكس الحادث ارتفاع منسوب القلق لدى “إسرائيل"، التي رفعت فعلا حالة التأهب على طول الحدود السورية إلى أقصى درجاتها بذريعة خطر تسلل أو تنفيذ عملية. وبرر رئيس أركان الجيش “الإسرائيلي" جابي اشكنازي، قرار رفع حالة التأهب، بالحرص على تجنب تكرار مفاجأة حرب 1973 التي شنتها مصر وسوريا في يوم “عيد الغفران". وبغض النظر عن هذه الواقعة التي تبين لنا كعرب هشاشة المعنويات “الإسرائيلية" سواء على المستوى العسكري أو الشعبي، يبدو أن الولاياتالمتحدة و"إسرائيل" تعدان العدة لمواجهة عسكرية ضد سوريا كتجربة عملية في حال اتخاذ قرار مشترك بضرب إيران. فالدولتان بدأتا تمرير معلومات سواء اتفقنا على صحتها أو زيفها تؤشر في محتواها إلى أن دمشق ستكون أمام ضربة مزدوجة في الأفق المنظور. ويذكرنا هذا الوضع بالفترة المضطربة التي سبقت الحرب الأمريكية على العراق، وخصوصا مسألة أسلحة الدمار الشامل التي ثبت عدم صحتها في وقت لاحق وأن الرئيس الأمريكي جورج بوش ومعه توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق اتخذاها ذريعة لاحتلال العراق. بداية نقول إن “إسرائيل" تركت مهمة تسريب المعلومات إلى جهات إعلامية أجنبية حتى تنأى بنفسها عن مواجهة مباشرة مع سوريا في ظل تصريحات رسمية تخرج من تل أبيب تؤكد عدم نية قادتها شن حرب ضد دمشق وأنه لا سبب في الأفق يدعو لاندلاع حرب مسلحة مع سوريا. بيد أن هذا يتناقض مع الواقع العملي في ضوء شن غارة جوية “إسرائيلية" على أحد المواقع السورية وهو الأمر المؤكد حتى الآن، وربما أيضا تسعى “إسرائيل" إلى التمهيد إعلاميا لتبرير توجيه أي ضربة ضد سوريا وتطلق عليها اسم “ضربة وقائية" على غرار ما فعلته الولاياتالمتحدة في أفغانستان. المعلومات المزيفة أو الحقيقية كان لها أكثر من مصدر مثل: ما ذكره تقرير مجلة “جينز ديفنس ويكلي" المتخصصة في شؤون الدفاع، من أن مهندسين إيرانيين كانوا في عداد القتلى الذين سقطوا في منشأة عسكرية قرب مدينة حلب في يوليو/تموز الماضي، وأن هذه المنشأة هي معسكر خاص للأسلحة الكيميائية ويديره خبراء إيرانيون. مضمون كلام المجلة يصب في الاتجاه الذي نتحدث عنه، وأن سوريا وإيران تتعاونان لإنتاج صواريخ مزودة برؤوس ناقلة لمواد سامة محظورة، مثلما الحال بين التعاون بين دمشق وبيونج يانج. وحاولت المجلة في تقريرها الإشارة إلى أن الانفجار أجهض برنامج السلاح الكيميائي لإيران وسوريا، لا سيما أنه أي الانفجار، حدث خلال إجراء تجارب لتجهيز صاروخ (سكود سي) الذي يبلغ مداه 500 كيلومتر، بغاز الخردل المحظور بموجب القانون الدولي. المعلومات التي بثتها صحيفة “صانداي تايمز" البريطانية تشير إلى أن قوة خاصة “إسرائيلية" قامت بعملية إنزال برية قبل شن الغارة الجوية على الموقع السوري في السادس من سبتمبر/ايلول الماضي. وقالت الصحيفة إن الهدف منها كان الحصول على عينة من معدات نووية كدليل على وجود علاقات نووية بين بيونج يانج ودمشق، الأمر الذي منح الغارة “الإسرائيلية" على الموقع السوري مباركة واشنطن التي كانت وبحسب المصدر نفسه تعارض شنها في البداية. وهذا يؤكد لنا أن “إسرائيل" بدأت فصلا جديدا في المواجهة المتصاعدة مع سوريا، خاصة في ضوء انتهاء العملية العسكرية المذكورة بمصادرة مواد تبين بعد إخضاعها للتحليل وفقاً للمزاعم أنها كورية شمالية. وزاد من أهمية الخبر الذي سربته الصحيفة البريطانية، أن العملية العسكرية “الإسرائيلية" اشرف على قيادتها وزير الدفاع إيهود باراك شخصيا كونه كان دوما - يشعر بقلق عميق- حيال نشاطات هذا الموقع العسكري السوري السري. الغريب في الأمر أن “إسرائيل" لم تعلن عن هذه العملية، بيد أن المعلومات التي سربتها للخارج أكدت نجاحها ومصادرة الكوماندوس “الإسرائيلي" عينة من المواد النووية ونقلها إلى تل أبيب لفحصها من جانب خبراء، وأن النتائج المعملية تؤكد أن المواد التي صودرت أصلها كوري شمالي.. ما دفع واشنطن إلى الموافقة على شن الغارة الجوية في بداية سبتمبر. إذاً، العملية تظهر وبوضوح جلي عمق التعاون بين “إسرائيل" والولاياتالمتحدة حول القضايا الأمنية ذات العلاقة بالمسائل النووية في الشرق الأوسط. ويبدو الهجوم على ما يسميه “الإسرائيليون" (المشروع الكوري الشمالي) جزءا من حرب سرية وعلنية واسعة النطاق ضد الطموحات السورية والكورية الشمالية لحيازة أسلحة غير تقليدية. هذه المعطيات تضعنا أمام مجموعة من الأسئلة حول نوع المواد التي صودرت وطبيعتها وطبيعة النيات السورية وكيفية الرد: هل إن سوريا تخبئ منشآت نووية كورية شمالية، في حين أن بيونج يانج تستعد لمفاوضات سداسية لحل معضلة برنامجها النووي؟ أم أن دمشق تريد أن تزود صواريخ سكود التي تمتلكها برؤوس نووية؟ أم أن هذه المواد كانت مهيأة أصلا لإيران كما قال جون بولتون السفير الأمريكي السابق لدى الأممالمتحدة، وإلى أي حد يصل التعاون الكوري الشمالي السوري في المجال النووي؟ أمام هذه المعلومات التي تبثها “إسرائيل" لإثبات استمرار قدرتها الردعية، نرى أن تل أبيب تحاول من جهة أخرى التقليل من إمكانية سوريا عسكريا، ف"إسرائيل" أعلنت في وقت سابق أن راداراتها رصدت طائرة سورية مقاتلة من طراز “ميج 21" تحوم في الأجواء السورية فوق هضبة الجولان قبل أن تختفي فجأة. وأن هذه الطائرة تحطمت بمجرد انطلاق الطائرات المقاتلة “الإسرائيلية" لملاحقتها. كل هذا لا يمنعنا من القول بأن الجنرالات “الإسرائيليين" يفرضون إرادتهم على القيادات السياسية منذ نشأة الكيان، واعتاد السياسيون على الرضوخ أمام العسكريين، ومن ثم ينال الجيش حصة الأسد من الميزانية العامة، ويضمن قادته استمرار امتيازاتهم حتى لو لم تكن المعارك ضرورية. عن صحيفة الخليج الاماراتية 29/9/2007