من نتائج الحصار الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية وتحديداً على قطاع غزة، توقف أنواع كثيرة من الحياة هنا، خصوصاً شح كبير وملحوظ في الأدوية، كان سبباً في معاناة الآلاف من المرضى من كلا الأعمار، بالتوازي مع نسبة الفقر التي بلغت فوق ال 80%، وشلل كبير في الإقتصاد الوطني الفلسطيني
الطفلة سحر محمد أبو السعود، رأيناها تقف على عتبة بيتها في أحد مخيمات محافظة رفح تستنشق بعض من الهواء، دون أن تعلم تلك الطفلة التي تبلغ من العمر 9 أعوام أن هذا الهواء أصبح ملوثاً بفعل مادة "السيرج" المخلوطة ببعض من السولار لسائقي سيارات الأجرة في قطاع غزة، بسبب منع أو تقنين إدخال المحروقات لسيارات غزة، مما إضطر آلاف السيارات التي تجوب مدن القطاع لهذا الخلط المضر.
ولكون الطفلة فقدت بصرها نتيجة سرطان في دماغها، فإن حواسها المختلفة أخذت في التلاشي شيئاً فشيئاً، حتى أصبحت وكأنها تعد الأيام والساعات لمفارقة الحياة، فيما يعجز والدها محمد أبو السعود عن مساعدتها، فهو لدية 9 أطفال بالإضافة لسحر، ويعجز عن إطعامهم في كثير من الأيام لكونه عاطل عن العمل، بعد أن منعت إسرائيل عشرات الآلاف من العمال الغزيين من العمل داخل المدن الإسرائيلية منذ بدء إنتفاضة الأقصى عام 2000م، وأصبح محمد كما غيره، يعيش على عاتق الجمعيات المختلفة التي توفر كيساً من الدقيق وبعض البقوليات والسكر والأرز شهرياً لتلك الشريحة.
وإن كان حمادة محمد يوسف الأخرس إبن ال 6 أعوام، أكثر حظاً من سحر، لكون السرطان أصابه في عينه فقط، فإن والده لم يبقي باباً إلا وطرقه، بعد أن توقف راتبه منذ 9 شهور، عله يجد من يرجع له هذا الراتب.
هذا الرجل في عينيه قصة قضية ومعاناة أكثر من 5 آلاف موظف فقدوا رواتبهم، وتوقفت حياة أسرهم، وزادت هموماً فوق الهموم التي يعانوها، في ظل الإنقسام التي إفتعله حركة حماس في غزة وأرست فكرته فريق من رام الله أوقف رواتب هذا العدد من الموظفين، وأصبحت هؤلاء الناس في مهب الريح.
والحقيقة التي لا تغيب عن أي مواطن يسكن قطاع غزة، هو أن أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني من كافة الفصائل في قطاع غزة، عدا النائب أشرف جمعة، جميعهم يغلق مكاتبه في وجه المحتاجين وذوي الإحتياجات الخاصة، إلا بعضاً منهم بمكتبه مفتوح لعناصر حزبه.
فداخل مكتب النائب جمعة الذي يعمل كخلية نحل، تراك تدخل باب المكتب بصعوبة.. فالناس في رفح أو خان يونس وحتى المعسكرات الوسطى تعج المكان، وبالكاد تستطيع أن تبتسم.. ولا شيء يفرح أو يثير الإبتسامة هنا. الكل حزين وكئيب.. عواجيز يطلبون مساعدة لأطفالهم، وطالبات تقدم أسمائهم في إنتظار مساعدة مالية، بعد أن هُدرت أموال والدهن على تعليمهن، على أمل أن يساعدن أبوهن في ضنك الحياة.. لكن ما يحصل في غزة الآن، كل شيء متوقف.
أما طاقم أشرف جمعة فمن أسامة الطويل إلى يوسف موسي مروراً بأكثر من عشرة شباب تطوعوا للعمل داخل المكتب، كونهم يدركون أن مساعدة هؤلاء الناس هو واجب حتمي على الجميع.. هؤلاء الجنود المجهولون يتمنون كما مديرهم أن يساعدوا كل من طرق باب مكتب جمعة، ويأملون أن يجدوا قلوباً رحيمة تقف بجانب هؤلاء الأطفال.
أن تكون غزة بأكملها عاجزةً عن توفير "ووكر" لطفلة، هنا المصيبة الكبرى، فالطفلة سمر عيد حمدان سويعد إبنة ال 9 أعوام والمصابة بشلل دماغي، يعجز والدها كما تعجز عشرات الجمعيات عن توفير آلة المشي المساعدة "ووكر" لسمر.
هنا في غزة تعجز عشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية عن توفير لقمة العيش لأطفالها في ظل تفاهم الوضع الإقتصادي وإغلاق مئات المصانع، فضلاً عن الحصار الإسرائيلي الخانق على غزة.. ويبقى مليون ونصف المليون فلسطيني، معظمهم من الفقراء، تحت رحمة ال "كابونة" التي توفرها الجمعيات وتتجمل عليهم بها، وكأنها أتت من جيوبهم وليست من فاعلي الخير في الدول العربية والجاليات الإسلامية المختلفة.