عرضنا في المقال السابق الجزء الأول من ملخص كتاب "لو كررت ذلك علي مسامعي فلن أصدقه" للصحفي الفرنسي جان كلود موريس الذي يسرد فيه أخطر أسرار المحادثات بين مجرم الحرب بوش والرئيس الفرنسي السابق شيراك عندما كان بوش يحاول تحريض شيراك علي الانضمام لحرب بوش العدوانية علي العراق في بداية 2003.
علي أساس أن بوش كان يتلقي وحياً من الله بأن يأجوج ومأجوج ظهر في الشرق الأوسط وأن الله أمر بوش بمطاردتهما وقتلهما.
وعرض المؤلف مدي ذهول شيراك من هذا الهوس الشرير الذي يدفع بوش إلي تلك الحرب العدوانية بناء علي تلك الخزعبلات، ومحاولات شيراك الحصول علي مصادر هذه التفسيرات المجنونة للنصوص الدينية في التوراة والإنجيل.
واكتشافه أن مجانين البنتاجون الأمريكي كانوا يستنبطون سيناريوهات حروبهم العدوانية من تفسير فريق كامل من السحرة والمشعوذين للنصوص الدينية.
وأن معركة هرمجدون المنصوص عليها في سفر الرؤيا هي النبوءة الكاملة لغزو بوش المنتظر للعراق وتدمير الشرق الأوسط.
وفي هذا المقال الثاني والأخير يستكمل موريس عرض كتابه، يقول موريس: بصرف النظر عن مدلول كلمة هرماجدون فإنها ترمز إلي الحرب العدائية التي تخطط لها أمريكا وزبانيتها.
وهي عقيدة فكرية شاذة ولدت من ترهات الأساطير الغابرة وانبعثت من رماد النبوءات الضالة.
فهي عقيدة خطرة ومعدية تغلغلت في قلب أكثر من 1200 كنيسة إنجليكانية. وهي أكذوبة كبري رسخها أعداء الإسلام في وجدان الأمة الأمريكية حتي أصبح من المألوف جداً سماع هذه الكلمة تتردد في تصريحات القادة في القارتين الأوروبية والأمريكية.
فقد قال الرئيس الأسبق ريجان 1980: "إننا قد نكون الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون". وصرح خمس مرات باعتقاده بقرب حلول المعركة.
وصرح جيمي سواجرت: "كنت أتمني أننا سنحصل علي السلام. ولكنني أؤمن بأن هرمجدون قادمة وسيخاض غمارها في وادي ماجدون أو في بابل. إنهم يستطيعون التوقيع علي اتفاقيات السلام. ولكن ذلك لن يجدي فهناك أيام سوداء تلوح علي الأفق".
وقال زعيم الأصوليين المسيحيين جيري فالويل: "الهرمجدون حقيقة مركبة، ونشكر الرب أنها ستكون المنازلة النهائية". وقال القس المسيحي الأصولي كين بوج: "المليارات سيموتون في هرماجدون. والمسيحيون المخلصون يجب أن يرحبوا بها فبمجرد أن تبدأ المعركة فإن المسيح سيرفعهم فوق السحاب ولن يصابوا بأي ضرر".
وقالت الكاتبة الأمريكية جريس هالسل في كتابها "النبوءة والسياسة" الذي نشرته لها مؤسسة "سن لنسن" 1985: علي لسان واحد من المحافظين الجدد
"إننا نؤمن تماماً بأن تاريخ الإنسانية سوف ينتهي بمعركة تدعي هرماجدون. إن 61 مليون أمريكي يستمعون بانتظام إلي مذيعين يبشرون علي شاشات التليفزيون بقرب وقوع المعركة، وبأنها ستكون نووية وفاصلة".
ويقدم الكاهن جاك فان إيمب برنامجاً أسبوعياً تبثه 90 قناة تليفزيونية و43 محطة إذاعية عن المعركة المنتظرة. أما شبكة CBN التي يديرها الكاهن المتعصب بات روبرتسون فهي الأوسع نفوذاً وتأثيراً في أمريكا.
وقد جندت المنظمات الشيطانية الظلامية ثمانين ألف داعية وعشرين ألف مدرسة ومائتي كلية لاهوت ومئات المحطات التليفزيونية لنشر عقيدة الهرماجدون. واقناع الناس وتلاميذ المدارس بحتمية وقوع المنازلة الكبري في الشرق الأوسط.
ومما يثير الفزع أن تلك القوي الشيطانية تملك السلطة والنفوذ وصناعة القرار في أمريكا. ولها القدرة علي فرض سيطرتها علي الحكومتين البريطانية والأسترالية.
وقد حذرت مجلة "نوفيل أبسرفاتور" الفرنسية من تنامي هذه العقيدة المتطرفة الشاذة وذكرت أن مجرم الحرب بوش اتصل بالرئيس الفرنسي شيراك ليخبره بأنه أخذ علي عاتقه تخليص العالم من الدول المارقة والشريرة ويدعوه لمؤازرته في غزو العراق.
ويقول الزعيم الليبي معمر القذافي: "إذا كان من حسن حظ الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان أن يموت قبل محاكمته بسبب قصف ليبيا 1986 فإن من سوء حظه أن يفارق الحياة قبل وقوع معركة هرماجدون التي كان يتمني أن يفجرها بنفسه لتعجيل ظهور نبوءات التوارة".
فالرجل كان شديد التأثر بالمعتقدات التوراتية المتطرفة وتفسيراتها. خصوصاً تلك التي تتعلق بالشرق الأوسط. وازداد إيمانه والتزامه بالأفكار الدينية التي تؤمن بها الحركة المسيحية - الصهيونية بعد انتخابه رئيساً لأمريكا 1980 وبعد تجدد رئاسته1948
وقد نشرت صحيفة "سانديجو" 1985 تصريحاً لجيمس ميلز رئيس مجلس الشيوخ، يقول فيه: " كنت أجلس مع ريجان في حفل فسألني سؤالاً لم أتوقعه: هل قرأت الفصلين 38 و39 من سفر حزقيال؟ فأخبرته بأنني ترعرعت في أسرة متدينة.
وعندئذ شرع ريجان يكرر مقاطع الفصلين، ويقول إن المقصود بهما هو ضرورة توجيه ضربة إلي روسيا التي يختبئ بها يأجوج ومأجوج. وإن حزقيال رأي في العهد القديم المذبحة التي ستدمر عصرنا.
ثم تحدث ريجان عن ليبيا وكيف تحولت لدولة شيوعية. وأصر علي أن في ذلك إشارة إلي أن يوم هرمجدون أصبح وشيكاً.
لقد كانت أمنية ريجان أن يضغط علي الزر النووي لتفجير معركة هرماجدون التي يعتبر انفجارها شرطاً مسبقاً لتحقق نبوءات التوراة". ومات ريجان قبل أن يحقق رغبته الشيطانية.
ويختم المؤلف كتابه قائلاً إنه " من المؤسف أن نري كوكب الأرض في الألفية الثالثة تتحكم فيه الكاهنات والساحرات وتتلاعب بمصيره التعاليم الوثنية المنبعثة من أوكار المجانين وعبدة الشيطان والمتخلفين عقلياً".
إن هناك حاجة ماسة لمراجعة تاريخ أمريكا التوراتي ومناقشة مدي تأثره بالخرافات الصهيونية الشيطانية. وتعصبها لها أكثر من اليهود أنفسهم.
وأصبح من الضروري أن يعرف المخلصون حقيقة تلك العلاقة الدينية والتاريخية بين اليهود وأمريكا التوراتية. ويدركوا أن كل هذه الحروب العدوانية التي تخوضها أمريكا ضد المسلمين والمؤامرات التي تحاك لتدمير بلادهم ونهب مواردها وتمزيق نسيجها الاجتماعي بإثارة النعرات الطائفية المسيسة وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط إن أمكن تتم من أجل تأمين وجود الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي.
ومن جانبنا نقول في ختام عرض ملخص لهذا الكتاب المخيف إن ما يدور علي سبيل المثال في فلسطين من إلغاء الصفة العربية تماماً عن القدس وإفراغها من المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين يتم علي يد أكثر حكومات الكيان الصهيوني تطرفاً.
وبقيادة رجال يعترفون بأنهم ملحدون ولكن تفسير الأساطير الدينية بالطريقة التي تمكنهم من إشعال الهوس الديني وسط اليهود هو الوسيلة لتنفيذ المخططات الشريرة.
والمذهل أن الحكومات العربية العميلة والكيانات التابعة لها في المنطقة مازالت تتشدق بالسلام الذي لن تناله أبداً من "الجار" الإسرائيلي.
ومازالت تتقيأ العبارات التي تشيد بتحالفها الاستراتيجي مع "الشريك" الأمريكي.
فهل آن للشعوب الغافلة أن تصحو من نومة أهل الكهف أم أنها قد استراحت في نومتها ومسيرتها الجنائزية إلي مزبلة التاريخ؟
*عضو الهيئة العليا لحزب الوفد جريدة الوفد 30/7/2010