تحت هذا العنوان نشر الكاتب المصري محمد سيف الدولة الكتالوج الذي وضعته أمريكا لحكم مصر منذ سنة 1972 علي يد الصهيوني العجوز هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا عندئذ بعد إشرافه علي فك الاشتباك المصري الإسرائيلي في أعقاب حرب سنة 1973 وبعد استدراجه للسادات إلي صلح منفرد تم سنة 1979 علي يد الرئيس الأمريكي كارتر.
وعندما نستعرض ما تم ويتم علي الأرض حالياً نجد أن الكتالوج الأمريكي ينفذ بحرفيته دون أي حاجة لدليل أو وثائق تؤيده.
كان الهدف الرئيسي للكتالوج ومازال هو تفكيك مصر واستبدالها بمصر أخري غير راغبة في مواجهة إسرائيل وغير قادرة علي ذلك حتي لو رغبت، فأمن إسرائيل هو الغاية التي من أجلها تم تصنيع مصر الجديدة المصنوعة في أمريكا.
ولهذا الكتالوج خمسة أبواب هي التالية:
الباب الأول:
إبقاء سيناء رهينة بحيث يمكن لإسرائيل إعادة احتلالها عندما تشاء امريكا، فيبقي النظام المصري تحت تهديد وضغط مستمر يجعله يفكر ألف مرة قبل الإقدام علي أي خطوة تغضب أمريكا أو إسرائيل.
فمن خلال الترتيبات الأمنية القائمة في سيناء بموجب اتفاقية السلام تم تقسيم سيناء الي شرائح طولية موازية لقناة السويس سموها من الغرب الي الشرق أ، ب، ج، وسمح لمصر بوضع قوات مسلحة في المنطقة أ فقط لا تزيد علي 22 ألف جندي.
والمنطقة ب لا يزيد عدد القوات بها علي 4 آلاف من حرس الحدود مسلحين بأسلحة خفيفة، والمنطقة ج بوليس مصري فقط، وتراقب مصر علي أراضيها قوات أجنبية موجودة في سيناء في قاعدتين عسكريتين في شرم الشيخ والجورة بالإضافة الي 31 نقطة تفتيش اخري.
وهذه القوات لا تخضع للأمم المتحدة وتسمي قوات متعددة الجنسية وإن كانت في حقيقتها 40? أمريكية والباقي من حلف الناتو وأمريكا اللاتينية، وبقيادة أمريكية دائما.
وهذا الوضع بمثابة مسدس موجه لرأس مصر، وهو مسدس مستتر لا يراه الشعب وينكر نظام الحكم وجوده ولكنه يعمل له ألف حساب.
الباب الثاني:
يهدف هذا الباب الي تجريد مصر من القدرة علي دعم أي مجهود حربي جديد علي الوجه الذي حدث قبل وأثناء حرب سنة 1973 التي كانت وراءها قوة اقتصادية صلبة هي القطاع العام المصري الذي استطاع تمويل الحرب فقرروا تصفيته.
لم يكن بيع القطاع العام الذي سموه الخصخصة والذي مارسه النظام الديكتاتوري الحاكم بنشاط منذ سنة 1974 والمستمر للآن، لم يكن الأمر انحيازاً إلي القطاع الخاص أو الفكر الرأسمالي فأقطاب اشتراكية الستينيات هم أنفسهم من قاموا بالخصخصة ليس نزولاً علي قرار سيادي مصري وإنما قرار أمريكي استخدم في إصداره البنك الدولي الذي تسيطر عليه أمريكا وهيئة المعونة الأمريكية.
واستبدل دور القطاع العام المصري في دعم المجهود الحربي بمعونة عسكرية امريكية لمصر حجمها 1.3 مليار سنويا مقابل 2.4 مليار لإسرائيل مع فارق هائل في نوعية السلاح للطرفين بما يضمن تفوق إسرائيل الدائم علي مصر التي تستمر السيطرة عليها من خلال السيطرة علي سلاحها وقطع غياره.
الباب الثالث:
وهو المنظم للحياة السياسية في مصر، ترسم بموجبه الخطوط الحمراء وتحدد معايير الشرعية، ويحدد من يسمح له بالعمل السياسي والمشاركة في النظام من الحكومة والمعارضة، فتم وضع الشرط الامريكي الاساسي لحق أي مصري في ممارسة العمل السياسي وهو شرط الاعتراف بإسرائيل وحقها في الوجود والقبول بالسلام والتعايش معها.
فأي حزب أو جماعة ترفض الاعتراف بإسرائيل يحظر عليها العمل السياسي، وتم تشكيل نظام حزبي صوري من عدد من الأحزاب المحاصرة داخل مقارها وممنوعة من النزول للجمهور مع انفراد حزب واحد بالسلطة دائما بشرط استمرار التزامه بالسلام مع إسرائيل مهما فعلت وعربدت في المنطقة وانفردت بملكية السلاح النووي.
فالاسم الامريكي الحركي للسلام هو أمن اسرائيل، لقد وضع الأمريكيون هذا الباب خوفاً من ان يأتي خليفة للسادات ينقلب علي السلام مع إسرائيل، كما انقلب السادات علي سياسة عبد الناصر بسهولة فائقة.
وبلغت الدقة الأمريكية في تفكيك مصر القديمة المعادية لإسرائيل ان تقرر منع العمل السياسي في الجامعات والمدارس المصرية.
فبعد ان رصدت امريكا دور الحركة الطلابية أعوام 1971، و1972، و1973 في الضغط علي السادات للتعجيل بقرار الحرب وفي إعداد وتربية اجيال جديدة معادية لأمريكا وإسرائيل قررت إغلاق "المصنع السياسي" الوحيد الباقي في تمسكه بالوطنية المصرية والواعي بحقائق السياسة.
ولذلك لم يكن من باب المصادفة صدور اللائحة الطلابية الجديدة التي تمنع العمل السياسي في الجامعات سنة 1979 عقب توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل في كامب دافيد.
الباب الرابع:
هدف هذا الباب تصنيع طبقة من رجال الأعمال المصريين موالية وتابعة لأمريكا وصديقة لاسرائيل، طبقة تتبني المشروع الامريكي وتدافع عن النظام الجديد ضد باقي طبقات الشعب، طبقة تدافع عن السلام مع اسرائيل والتبعية لامريكا وترتبط مصالحها بهما بروابط التوكيلات والتجارة والبيزنس.
وقد تم تصنيع هذه الطبقة بأموال المعونة الامريكية البالغة 800 مليون دولار سنويا منذ سنة 1975 ولم تتقلص الا في السنوات الاخيرة.
فقد تعاقدت هيئة المعونة الامريكية مع مئات من الافراد والشركات علي مئات المشروعات بتسهيلات هائلة وصلت لدرجة اقراض بعضهم بفوائد مؤجلة بلغت 1.5? أي عُشر سعر الفائدة في البنوك المصرية، وقد تمت المهمة بنجاح وأصبحت هذه الطبقة تملك مصر الآن .
فهي التي تعقد اتفاقية البترول والكويز، وهي التي أدخلت الشتلات الزراعية الإسرائيلية لمصر، وهي التي صدرت الأسمنت والحديد المصري لاسرائيل لبناء مستعمراتها فوق الارض الفلسطينية وجدارها العازل، وما خفي كان أعظم.
وهي التي تملك عشرات الصحف والقنوات الفضائية وتسيطر علي التشريعات البرلمانية، وتشكل كل عام بعثات طرق الأبواب التي تحج الي أمريكا.
الباب الخامس:
هذا الباب الأخير يتناول كل خطط عزل مصر عن الأمة العربية والإسلامية وضرب أي جماعة أو فكرة تعادي المشروع الأمريكي الصهيوني، فقد وضع أساس هذا الباب في المادة السادسة من معاهدة السلام التي تنص صراحة علي أولوية هذه المعاهدة علي أي اتفاقات مصرية سابقة عليها، وبالذات اتفاقية الدفاع المشترك العربية.
والتزمت مصر بعدم الدخول في أي التزامات جديدة تناقض معاهدة السلام مع إسرائيل، وكانت الخطوة التالية تشكيل جيش من الكتاب والمفكرين والصحفيين والإعلاميين مهمته تشويه وتجريح كل ما هو عربي أو إسلامي او وطني او تقدمي.
جيش مهمته تجريد مصر من هويتها التاريخية والحضارية بصفتها جزءا من مشروع عربي اسلامي في مواجهة مشروع استعماري امريكي صهيوني.
كان هدف هذا الباب هو تغيير وتلويث وعي الشعب ومعتقداته باعتبارهما خط الدفاع الأخير والأصلب والترويج لوقوف مصر علي الحياد بين العرب واسرائيل وتوكيد فرعونية مصر واعتبار عروبتها غزوا ثقافيا.
كان هذا باختصار هو الكتالوج الأمريكي الذي نجح في حكم مصر مرحلياً، وما مشروعات توريث الحكم والفساد والاستبداد والطوارئ إلا سطور في هذا الكتالوج.
، وللشعب الذي واجه موجات الاستعمار علي مدار تاريخه أن يحدد متي يواجه الموجة الجديدة وأذنابها المحلية التي تنفذ الكتالوج الجديد.