أمس سوريا الروسية اليوم روسيا السورية سعد محيو تصريحات الرئيس الأسد في روسيا ستداعب مشاعر الغالبية العظمى من الروس، سواء أكانوا قوميين سلافيين، أو شيوعيين سوفييت، أو “قيصريين" أرثوذكس. فهو كان أول رئيس دولة أجنبية يؤكد ضرورة بقاء بلادهم “دولة عظمى" ويندد بمحاولات الغرب فرض الحصار عليها. وهو كان أول مسؤول بارز من منطقة الشرق الأوسط الحساسة، والتي تشكل مع القوقاز وآسيا الوسطى مثلث الصراع الرئيسي في قارة أوراسيا، ينحاز بقوة إلى جانب موسكو في هذه المجابهة. ثم إنه قد يكون أيضاً آخر زعيم عربي لا يزال يحتفظ لروسيا بعرفان جميل لوقوفها التاريخي إلى جانب القضايا العربية. كل هذا سيجعل الرئيس السوري نجماً محبوباً ومتألقاً في سماء موسكو. لكن هذا شيء وتحوّل رغبات الأسد (الأسلحة المتطورة، موازنة روسيا لأمريكا.. إلخ) إلى وقائع على الأرض قد يكون شيئاً آخر مغايراً تماماً. فروسيا، حتى لو أرادت لن تستطيع لا الآن ولا بعد 20 سنة أن تعود “دولة عظمى" كما كانت. وعلى الرغم من تعاطفها مع الأسد ومع تصريحاته ضد التورط “الإسرائيلي" في جورجيا، إلا أنها لن تكون في وارد قطع علاقاتها الجديدة مع الدولة العبرية (التي باتت ودية هذا العام حين تخلت تل أبيب عن صفقة لتزويد جورجيا بدبابات حديثة)، وأيضاً لأن معاداة “إسرائيل" ستعني قطع ما تبقى من جسور وحبال مع الولاياتالمتحدة والغرب. أجل. الأسد قد يحصل على بعض الأسلحة الروسية الجديدة. لكن هذه بالنسبة إلى موسكو ستكون صفقة تجارية في الدرجة الأولى ومناورة استراتيجية في الدرجة العاشرة. كما انها لن تكون حديثة كثيراً إلى الدرجة التي تغضب “إسرائيل" أو تثير استنفار الغرب. هل يعني كل ذلك أن الرئيس السوري كان متحمساً أكثر من اللازم، حين اعتقد بأنه يستطيع استخدام الشرخ الراهن بين روسيا والغرب لمصلحته؟ ربما. لكن هنا ثمة مفارقة تاريخية مدهشة. ففي أواسط خمسينات القرن العشرين، وحين قررت روسيا السوفييتية اقتحام الشرق الأوسط، اختارت سوريا (قبل مصر الناصرية) كجسر للانقضاض على المواقع الغربية. والآن سوريا في أوائل القرن الحادي والعشرين تذهب بنفسها إلى روسيا لحثها على العودة إلى الشرق الأوسط عبر النافذة السورية نفسها، حتى ولو تطلب الأمر إقامة قاعدة بحرية روسية جديدة في اللاذقية أو طرطوس. لكن، هل روسيا جاهزة لهذه الخطوة؟ كلا. أو على الأقل ليس بعد. صحيح أن العلاقات الروسية الغربية تقترب من الحضيض، وصحيح أن موسكو قد توقف قريباً تعاونها العسكري مع حلف شمال الأطلسي رداً على نشر منظومة الدفاع الأمريكية ضد الصواريخ في بولندا، إلا أن الأمور لم تنحدر بعد من حافة الهاوية إلى الهاوية، أو من “التنافس التعاوني" الساخن إلى الحرب الباردة. لا تزال ثمة مسافات عدة يجب أن يقطعها الطرفان قبل الوصول إلى هذه النقطة. ومع ذلك، لم يكن الأسد مخطئاً حين قرر زج سوريا في أتون المواجهات الراهنة، إذ هو كروسيا غريق في لعبة الحصار نفسها، فلماذا عليه الخوف من البلل؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 23/8/2008