حرب القوقاز حرب مصالح فوزي الأسمر أصبح واضحا الآن أن الحرب الدائرة في جورجيا (حرب القوقاز) هي حرب مصالح: اقتصادية وسياسية وأمنية ومناطق نفوذ، ومع ذلك تعيد إلى الأذهان الكثير من ذكريات الصراع بين المعسكرين وذكريات الحرب الباردة، والتي كان يستغلها كل معسكر لمصلحته لكسب عطف وتأييد الرأي العام المحلي والعالمي. ففي خطاب لسفير أمريكا لدى الأممالمتحدة زلماي خليل زاد أثناء مناقشة موضوع الحرب في جورجيا في المؤسسة الدولية، قال إنه غير مقبول إسقاط “أنظمة ديمقراطية أوروبية". وطبعاً أثارت كلمة “أوروبية" ردود فعل حتى داخل الرأي العام الأوروبي. هل الديمقراطية الأوروبية تختلف عن الديمقراطيات الأخرى؟ وهل من المسموح الإطاحة بأنظمة ديمقراطية غير أوروبية على غرار فنزويلا أو الهند أو البرازيل، وحتى الديمقراطية الفلسطينية التي تكللت في آخر انتخابات جرت في فلسطين ورفضتها وحاربتها الولاياتالمتحدة و"إسرائيل". ويمكن القياس على ذلك بدول العالم التي لا تعترف الولاياتالمتحدة بديمقراطيتها؟ طبعا هذا الموقف من جانب سفير أمريكا لدى المؤسسة الدولية يعكس المواقف المزدوجة للولايات المتحدة، فقد شهدنا خلال السنوات الماضية كيف قامت محاولات انقلاب على أنظمة ديمقراطية، آخرها محاولة الانقلاب الفاشل في فنزويلا ضدّ الرئيس المنتخب هوغو شافيز وكانت، حسب ما جاء في وسائل الإعلام، الولاياتالمتحدة المتهمة الأولى في هذه المحاولة. وفي حديث للرئيس الأمريكي، جورج بوش، حول موضوع الحرب في جورجيا (15/8/2008) قال إن العالم لن يقبل “التوحش والقوة" ولا أدري كم من الذين سمعوه علت على شفاههم ابتسامة بسبب قائلها. فجورج بوش يجب أن يكون آخر من يتحدث عن التوحش واستعمال القوة، فهو الذي كلل كل فترة حكمه بالحروب الوحشية في العراق وأفغانستان، ورمال أرض الرافدين المخضبة بدماء الأبرياء شاهدة على ذلك. ومن هو النظام الذي عمل جاهداً على تغيير أنظمة أخرى، أليس هو نظام جورج بوش؟ وكيف يمكن أن يقتنع أي إنسان بكلمات يتفوه بها المسؤولون في الإدارة الأمريكية الحالية وعلى رأسهم جورج بوش؟ ومن دون الدخول في عمق أسباب الحرب الدائرة في جورجيا، يمكن إثارة أسئلة حول المستفيدين من النظام القائم في جورجيا. فمعروف عن الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي أنه من أكبر المؤيدين للولايات المتحدة وأشارت وسائل الإعلام الأمريكية في أكثر من مناسبة كيف أنه مستعد لفتح بلاده أمام متطلبات أمريكا “الاقتصادية والأمنية" وهذا في الواقع ما أرادته أمريكا : إقامة قواعد صاروخية متقدمة على أراضي جورجيا وخط أنبوب النفط على أراضيها. ولإغلاق الحلقة، ضم الرئيس الجورجي “إسرائيليا" إلى حكومته، وهو من مواليد جورجيا يحمل الجنسية “الإسرائيلية"، وزيرا للمفاوضات مسؤولا عن مناطق جنوبية في جورجيا المختلف عليها مع روسيا، اسمه تيمور يعقوبشفيلي. وقد قامت “إسرائيل" بتزويد جورجيا بكميات كبيرة من الأسلحة، وخبراء عسكريين ومدربين للجيش الجورجي. وقال يعقوبشفيلي في مقابلة مع إذاعة الجيش “الإسرائيلي" (11/8/2008): “تستطيع “إسرائيل" أن تكون فخورة بالمدربين العسكريين والأمنيين الذين دربوا الجيش الجورجي، هؤلاء الجنود الذين ألحقوا بالجيش الروسي هزائم كبيرة". أما السلاح “الإسرائيلي" للجيش الجورجي فقد تحدث عنه نائب رئيس أركان الجيش الروسي أناتولي نغوفيتشين في مؤتمر صحافي عقده في موسكو ( 19/8/2008 ). وقال في هذا المؤتمر إن “إسرائيل" زودت الجيش في جورجيا بكميات كبيرة من الآليات العسكرية والمتفجرات والألغام الأرضية وغيرها. وقد علمنا الواقع أنه عندما يكون هناك تعاون أمريكي “إسرائيلي" مع نظام معين فمعنى ذلك أن هناك مؤامرة تُحاك. فالنظامان الأمريكي و"الإسرائيلي" فقدا الصدقية أمام الرأي العام العالمي، وبالتالي فكل ما يصدر عنهما يُشك في صدقيته. وخاب ظن سكان جورجيا، والذين كانوا يعتقدون أن الغرب والولاياتالمتحدة سيسارعون لحمايتهم والدفاع عنهم إذا ما تمادوا في تحدي روسيا، ولكن هذا لم يحدث، ورفع الموقف الأمريكي هذا علامات استفهام كثيرة في “إسرائيل" والتي ما زالت تهدد بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، معتقدة أنها ستجر الولاياتالمتحدة لخوض حرب إلى جانبها إذا ما قامت طهران بتوجيه ضربة عسكرية ل “إسرائيل"، ولكن تجربة جورجيا وضعت علامات سؤال كثيرة، آخذين بعين الاعتبار أن مصالح أمريكا مع جورجيا أهم من مصالحها مع “إسرائيل". روسيا تريد أن تعود إلى الساحة الدولية كقوة عظمى، فقد تحسن اقتصادها ولا تزال تملك مقدرة عسكرية كبيرة، وأمريكا طبعا لا تريد منافساً لها كقوة عظمى في العالم. ولكن العالم متشائم من أسلوب أمريكا في السيطرة على مقدراته، ويتذكر دائما مقولة بوش “إما معنا أو معهم" ويتذكر مئات الآلاف من القتلى والجرحى وما قام به، ولا يزال، الجيش الأمريكي ولهذا فإن الحاجة إلى قوة عظمى أخرى أصبحت مطلبا إنسانيا ملحا. نشر القواعد الصاروخية في الدول المحيطة بروسيا وزيادة عدد الدول التي تنضم إلى “حلف شمال الاطلسي" يثير قلق روسيا وبحق، ألم تثر محاولة الاتحاد السوفييتي نشر صواريخ في كوبا حفيظة الولاياتالمتحدة وكاد هذا التحرك يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة؟ وضدّ من هذه الصواريخ موجهة في دول أوروبا الشرقية؟ وما هي الحاجة إلى حلف عسكري على غرار “حلف شمال الأطلسي" الذي تسيطر عليه أمريكا في الوقت الذي انهار فيه حلف “وارسو" بعد انهيار الاتحاد السوفييتي؟ كل ذلك يثير الشكوك في أن في نية الولاياتالمتحدة فرض سيطرتها بالقوة على العالم، وهذا ما يخلق توترا لدى دول كثيرة بما فيها روسيا. عن صحيفة الخليج الاماراتية 23/8/2008