لقد مرت 16عاما على أغتيال الأستاذ المناضل عمار قندوزي، الذي أختطف من بيته ليلة العاشر الى الحادي عشر أفريل 1992،من طرف أشخاص مدججين بالسلاح مجهولي الإنتماء،ليقتل مساء 11أفريل في حدود الساعة الثامنة مساء حسب التقريرالطبي، ويرمى بجثته بجوار جامعة هواري بومدين بالجزائر العاصمة،فأحدث إغتياله فزعا وألما بين أصدقائه وافراد أسرته، والهيئات النقابية لقطاع التربية والتعليم.
واليوم من الصعب محو تلك الصورة من ذاكرتنا، وأصعب منه حصر مميزاته الشخصية، وقدراته العقلية والنضالية، ومواقفه الفعالة تجاه أوضاع الأمة ومجريات أحداثها، هو معلم مثالي ومناضل مستميت في الدفاع عن مبادئه،ومثقف لاتغرب إنارة فكره،غادرنا وترك بصماته المتواضعة الحجم العميقة الأثر،غادرنا والجزائر في حاجة إلى من يضئ ساحتها ويفضح جيوب التعفن السياسي وما تخفيه في ثناياها العاتمة،وساسة لا يفقهون من السياسة إلا نطقها ولا يريدون،إنها حقيقة .
16عاما تمر غلى فقدان الرجل وذاكرتنا تحتفظ بحرقة الفراق،وروعة الإندهاش لجريمة اغتياله،ومن حين لآخر يعودها التساؤل:من قتل قندوزي؟ من المستفيد من إغتياله؟ من..،ومن ..؟.لقد سجلت الذاكرة عشرات الآلاف من ضحايا المأساة الوطنية،لكن الذي أنفرد ت به جريمة إغتياله هي ما أكتنفها من غموض،فالرجل يكلف بملفات كبرى على غرار، الدكتور بوسبسي، ويوسف سبتي،وجلالي اليابس، ومحمود بوخبزه، وقبلهم الرئيس بو-الضياف، وبعدهم عبد الحق بن حمودة " رحمهم الله جميعا".
فعمار لم يكن يحمل الا الورقة والقلم،ولا يعرف السلاح ولم يمتلكه،ينبذ العنف ولا يجانب فاعله،نقول ذلك في الذكرى السادسة عشر لوفاته،لأننا نود ذكر الخيرين من أمثاله بالخير، ولأن تفانيه في فعل الخير وصوت التعبير عن قلقه نحو آلام الطبقة الشغيلة مازال يراود اسمعانا ويؤرق أعيننا.
وهل كان لديه من العيوب ،ما يكون مبررا لإغتياله ،إلا تلك الرؤية السليمة لمبدأ الديمقراطية،والإطناب في مطالبة المتنازعين بالتوقف عن الاقتتال،واللجوء إلى الحوار حقنا لدماء الجزائريين؟، هذه حقيقة ما زلنا نذكرها،والحق لايجوز الباسه بالباطل، فالرجل وطني حتى النخاع ،مناضل ملتزم بقيم الأمة متمسك بمبادئ جبهة التحرير الوطني التي تقدمت المشهد السياسي والتاريخي للجزائر المعاصرة، بفعل الثورة التحريرية التي نقلت الجزائر من عهد الاستعمار الى عهد الاستقلال.
وقد كان لهذا الفعل قوة إبداع الجزائر ذاتها وغطى على كل المكونات والجوانب التي لم تكن ظاهرة في الكيان الجزائري إبان الاحتلال الفرنسي . فسنوات الثورة ثم الاستقلال كانت كافية لكي تستأثر جبهة التحرير الوطني بالأداة "الحزب"- ثم بالمؤسسات "الدولة"،وبالكيان "الأمة"ومصالحها".
فقد كانت ثورة التحرير الوطني (1954-1962) ثورة مؤسسة وفاعلة تجاوبت مع مقتضيات العصر الجديد الذي جاء بعد الحرب العالمية الثانية النابذة للاستعمار والاحتلال والمتجهة الى تأسيس الدول على مقومات الأمة والمواطنة، واساليب الديمقراطية، ومن هنا استأهلت جبهة التحرير الوطني صفة صانعة المجد التاريخي للجزائر، وصارت على هذا الأساس المثال الذي يحتذى في العالم الثالث ، ولدى الشعوب المحبة للسلام .
ولم ينتهي إحتكار جبهة التحرير للمجال السياسي،حتى عام 1989،بعد أن نشط الليبراليون من أعضائها وتوسع مجال تدخلهم، ما نتج عنه ما عرف بأحداث 05أكتوبر 1988 ، وفي سياق الإصلاحات السياسية الدولية طبعا. جبهة التحرير الوطني الحزب السياسي المشروع الوحيد في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. منذ الاستقلال "1962" حيث مارس السلطة الشمولية على البلاد، ودعم كلا من مركزية التخطيط وتأميم القطاع الخاص.
وبعد التعديلات الدستورية في فبراير 1989، تمت إجازة تشكيل منظمات حرة وجمعيات سياسية أخرى ولكن تحت بعض الضوابط. أي ضمان حق إنشاء أحزاب سياسية؛ ولكن بشرط ألا يكون لها أية جذور دينية أو لغوية أو عرقية أو جنسية أو حتى إقليمية، و لا يجوز تبعيتها الى جهات خارجية.
هذه المراحل سايرها "قندوزي عمار"، شابا نشيطا في الحركة الشبابية، وأستاذا مواظبا على تعليم النشء، ونقابيا-أمين فدرالية عمال التربية والثقافة(78-82)، مدافعا عن الطبقة الشغيل ومحاربا لمظاهر الفساد في المؤسسات،مسئولا في هياكل الحزب مدافعا عن الديمقراطية والحريات ، من خلال لقاءاته وكتاباته في صحافة الحزب ( المجاهد- والثورة الإفريقية - الثورة والعمل لسان حال الإتحاد العام للعمال الجزائريين) والصحافة الوطنية كيوميتي المجاهد والشعب أحيانا ،وهوما جعل البعض يصفه " بيساري جبهة التحرير".
قال عنه عبد الحميد مهري الأمين العام للأفلان بعد عودته من مؤتمر روما في خريف 1994 :(إنه مناضل ملتزم نزيهيه و وطني مخلص) مذكرا بالمقال الذي نشره المرحوم أسبوع قبل وفاته باسبوعية المجاهد، و الذي اتهم فيه الطرفين المتطرفين (السلطة والإسلاميين) بإشعال نار الفتنة، وجاء فيه:"على السلطة أن تضع حدا للإغتيالات الإجرامية المنظمة أو تجلس للتفاوض مع الإسلاميين"هذا المقال كلفه حياته، يقول مهري. صحيح كتب ذلك وكان بصدد نشر مقالات ،احدها بحثا حول ما يروج عن إختراق الموساد للحركة الإسلامية في المغرب العربي، لكن ليس هذا مبررا لاغتياله ;محاولة تشويه أسرته أنظر (La madone de Bentalha)اليوم وبعد 16عاما مازالت الإغتيالات غير انها أخذت أبعادا أخرى بعد إنتهت عملية أغتيال الكوادر وعزلهم،وتمكنت جهات أخرى من الأستحواذ على مصدر الثروات، وفتحت أبواب تسللت منها المصالح الفرنسية والمخابرات الإسرائيلية لضرب استقرار الجزائر .
الجزائر إلى أين؟ سؤال سبق ان طرحه الرئيس الراحل محمد بو الضياف، وظل بلا إجابة إلى اليوم، فلسنا نعلم إلى أين تسير الجزائر في ظل الضبابية وأنشار الفساد في دواليب تسيير شؤون البلاد، والسواد الأعظم من الجزائريين يجهلون ابسط التفاصيل عن الآليات التي تسير دولتهم ،أو هن حقيقة الإرهاب الذي تعددت وجوهه، قلة قليلة تتحكم في ثروات الأمة، وتستأثر بالرأي وتصم أذانها عن سماع صوت المواطن.ومشاكل الجزائريين لا تعالج بالقدر اللازم من الجدية والشفافية، إنها الحقيقة،السلطة واشباه الساسة يتحدثون عن الارهاب لكن دون الكشف عن حقيقته، وهو ما جعل السيدة سعيدة بن حبيلس حريصة على أن يكون مؤتمر الحوار حول الإرهاب الذي نظمته الفدرالية الدولية لضحايا الإرهاب بتاريخ :26،27،28 جانفي عام2002،بالجزائر العاصمة، تحت شعار"وفاء وصمود وتضحية"خاليا من الرسميين والمتحزبين.
وهم اليوم يتحدثون عن تعديل الدستور وكأن الجزائريين سيتغذون أوراقه، ويستظلون بها من لهيب الإرهاب والأسعار، يذكرون عزمه لكن فوق أعين الشعب الذي صار أفراده وسيلة لملء صناديق التصويت بالأوراق المحسوبة ،والنتائج الحسومة، وبهرجة قاعات التصفيق، فميثاق السلم والمصالحة الجزائرية الذي صادق عليه الشعب الجزائري بأغلبية ساحقة في إنتخابات 29 سبتمبر 2005، إتخذ بعض التدابير والإجراءات لصالح الجماعات المسلحة، وعائلاتهم ، أعطاهم تعويضات مالية بكيفية فصلت فيها القوانين التطبيقية الصادرة في 04 مارس 2006، وأعطى أيضا بعض التعويضات المادية لعائلات المفقودين، يعتقد النظام أنها الحل الوحيد لطي هذا الملف الحساس ،ونحن لسنا بصدد التفصيل في محتويات هذا الميثاق أو انتقاده، لكن نريد أن نؤكد على أن المسعى حاول إحتواء بعض فصول الأزمة من خلال نظرة فوقية أحادية الجانب، أملتها عقلية الغالب على المغلوب على أمره، وهي كدر الرماد في العيون ،إذ الحديث عن جانب دون آخر يطرح ألف سؤال.
لوعاش قندوزي ومن صاحبوه الى الرفيق الأعلى إلى اليوم،و لو عاد الشهداء، لو عاد هؤلاء لأعلنوها ثورة على الفساد وحربهم الإنحراف وحتى خيانة الوطن،فالسؤال:من قتل قندوزي يظل بلا إجابة،وما كان بكرهه ظل باقيا وزادت موائده،.