أسئلة القاهرة.. و"غش" في أوراق الإجابة!! هاني حبيب مرة ثانية، وربما خامسة، تدير القاهرة حوارات ثنائية مع الفصائل الفلسطينية المختلفة بشأن مواقفها ازاء الحوار الداخلي الفلسطيني، ورقة الاسئلة، كما ورقة الإجابة تم تمريرها عدة مرات من قبل الوسيط المصري للجانب الفلسطيني، قد تختلف الإجابات باختلاف الزمان والتداعيات، لكن الامر يبقى يدور في حلقة مفرغة. القاهرة، كما نعتقد تدرك بشكل جيد كافة عناصر الخلاف كما تحيط بكافة مستويات ومواقف الاطراف المختلفة، لكنها - اي القاهرة - وأمام العجز عن ادارة حوار فعلي وجاد، تدير حراكاً الى ان تتمكن من الإمساك بالحلقة الاساسية التي أعاقت حتى الآن ادارة هذا الحوار، كما تدرك القاهرة على ما نعتقد ان التطورات والتداعيات، تأتي لتزيد الامر تعقيداً، وتؤسس لمزيد من الخلافات والانقسامات وحتى الشروط. من هنا، فإن استمرار الحراك في اطار الاسئلة والاجوبة، يشير الى حقيقة ان الحوار الحقيقي بات اكثر ابتعاداً وهدفاً صعباً، على الرغم من الإيحاء الميكانيكي بأن هذا الحراك المتعلق بالأسئلة والأجوبة، خطوة على طريق الحوار. القاهرة، حسبما نعتقد، اخذت درساً من الوساطة السعودية التي بمقتضاها تم توافق فلسطيني باسم "اتفاق مكة" هذا الاتفاق الذي توج بقدسية مدينة مكة، والنفوذ السعودي الكبير، فشل في ايصال الفلسطينيين الى توافق داخلي حقيقي، إذ سرعان ما تم الانقلاب على الاتفاق، وأصبح عنواناً جديداً للانقسام، ولكن هذه المرة، الانقسام الاكثر خطراً على القضية الوطنية، وعوضاً عن الخلاف بتراشق الاتهامات، استخدمت الاسلحة للتراشق بالنار والرصاص، مع الوقت تبين ان "اتفاق مكة" لم يكن سوى استراحة للخلاف والفرقاء، استثمر اسوأ استثمار لإعداد العدة لانطلاق انقسام حقيقي بين ضفتي الوطن الفلسطيني الصغير، في الضفة والقطاع. القاهرة وهي تستدرك هذه التجربة إثر اتفاق مكة، ومن خلال متابعتها الاكيدة والتفصيلية لكافة المبادرات التي طرحت لمعالجة الازمة، ربما تتوقف، ولو قليلاً عند "وثيقة صنعاء" والتي تم استيلادها بصعوبة ودون توفر مقومات كافية للتنفيذ كالنوايا الحسنة والإرادة الحقيقية بالحوار، واستعادة هذه الوثيقة بين وقت وآخر، من قبل أطرافها، لا يعني توفر إرادة حقيقية او نوايا جادة، بقدر ما هي استعادة تكتيكية لإحراج الاطراف الاخرى، تبني المجموعة العربية من خلال الجامعة لهذه الوثيقة، يخفي عجز الجامعة العربية عن التقدم بمبادرة حقيقية تفرضها على الاطراف المتنازعة، وتجد في هذه الوثيقة بديلاً لدورها ولمبادرتها الخاصة، وبالتالي تشكل هذه المبادرة مبرر الخلاص من دور عاجز اكثر من تبن حقيقي وأداة فعلية من ادوات الجامعة العربية للتدخل الايجابي لصالح وضع حد للانقسام الكارثي للحالة الفلسطينية. تجاهل القاهرة لهذه الوثيقة يعكس عدم ايمانها بإمكانية ان تشكل ارضية حقيقية لحوار داخلي فلسطيني، والقاهرة هي اقل الاطراف المتدخلة التي تورد هذه الوثيقة في أدبياتها المتعلقة بالحل، خاصة انها لم تتخذ من هذه المبادرة الوثيقة، كانطلاقة للحوار القادم، وحصر مصر عملية الاستجواب من خلال الاسئلة والاجوبة، المتجددة، انما يشكل مصادرة من الناحية الواقعية لهذه الوثيقة التي لم تقنع احداً بإمكانية ان تشكل اساساً لمثل هذا الحل. الفصائل الفلسطينية، اليسار وحركة الجهاد، تحاول جاهدة، إشاعة اجواء من الامل بتقارب محتمل، وهي اذ تنشط على محور تهدئة بشأن "الاعتقال السياسي" بحيث تفرج حركة حماس عن المعتقلين لديها مقابل إفراج السلطة عما لديها من معتقلين سياسيين، انما تستهدف تهيئة الاجواء وترطيبها لانطلاقة محتملة لحوار داخلي فلسطيني. مع ذلك، فإن هذا الجهد لا يبدو انه يتكلل بالنجاح، اذ سرعان ما تجد اسباباً وتبريرات لإغلاق كل ابواب الامل، وتعود الامور كي تجدد نفسها، هنا وهناك، مضايقات وعوائق لا تمكن هذا الجهد من النجاح، الفصائل يبدو انها لا تكل او تمل من استمرار الجهد، رغم كل ذلك، رغم ادراك بعض قادتها - ونقول البعض - ان لا أمل حيث النوايا اكبر من ان كل جهد والابتسامات والتوافقات اللفظية، تعلو بلا هوادة، لكنها تخفي ارادة مبيتة. الجميع بات يدرك هذه اللعبة، ولكن ليس على الفصائل ان تستكين، وهي تجعل من هذا الحراك، بديلاً عن كل ما عداه، وبات على الارجح الشيء الوحيد المتبقي لها كي تثبت وجودها على الساحة. القاهرة، تستقبل العاهل السعودي، الملف الفلسطيني في دائرة الضوء، القاهرة والرياض تتطلعان الى عمان، العاصمة الاردنية، لم تعودا تهتمان كثيراً بالدور السوري، المستجدات في عمان، من توافق القصر مع حركة الإخوان المسلمين، والمباحثات الاردنية مع حركة حماس، ولو في إطار أمني، لا بد من أن تشكل عنصر اهتمام مستجداً بالنسبة الى العاصمتين، المصرية والسعودية، مزيد من التشابكات ربما يؤدي الى اختلاط ورق اللعب من جديد، ويزيد من تعقيد الحل، مراكز النفوذ والتأثير تتحرك باتجاهات مختلفة، ومفاجئة في كثير من الاحيان، يربك الوسطاء بقدر ما يربك المتحاورين، ولهذا فإن اوراق الاسئلة هي الوسيلة الامثل لانتظار معجزة من دون ان يهدأ الحراك غير المثمر، والمصحح المصري لورق الإجابة قد لا يصدم عندما يجد ان بعض الاجابات متماثلة. حركة حماس سبق وأن رفضت قوات عربية الى غزة، تبدو هذه إجابة عن أحد الاسئلة، فصائل اخرى، ربما ستضع نفس الاجابة على نفس السؤال، الامر قد يبدو شكلاً من اشكال الغش في الامتحان. واذا ما اعادت القاهرة تصحيح الاوراق، فإنها ستجد ان هذا الغش شمل اكثر من سؤال وإجابة، وربما تلجأ القاهرة، لاكتشاف الامر، الى الحوار المباشر للتعرف على الاسباب والذرائع لإجابة كل سؤال، وحينها ايضاً ستكتشف ان الغش تجاوز إجابة الاسئلة التحريرية، الى الخطاب السياسي، وسيكون من الصعب ان تفاجأ القاهرة بهذه النتيجة، وهي التي تعلم ان الساحة الفلسطينية مكشوفة الى درجة ان مثل هذا الغش لم يعد غشاً، بقدر ما هو تماهٍ وتوافق!!. عن صحيفة الايام الفلسطينية 20/8/2008