تعرف علي أبرز الأماكن والقرارات في جولة وزير التموين ومحافظ الدقهلية لتفقد عدد من المشروعات    البورصة المصرية تغلق على صعود جماعي ومؤشر EGX30 يرتفع بنسبة طفيفة    الرئيس السيسى يحذر من أزمة ديون عالمية جديدة تعصف باقتصادات الدول النامية    أبو الغيط يستقبل وفدًا برلمانيًا هنديًا رفيع المستوى متعدد الأحزاب    استعدادا لقيادة الهلال.. إنتر ميلان يعلن رحيل إنزاجي رسميًا    "قدم جهدًا وساهم في تطوير القطاع".. الأهلي يوجه الشكر لبدر رجب    "ولاء.. إصابات.. عودة تاريخية".. رامي ربيعة يطوي صفحة المجد مع الأهلي    الجباس: الحديث عن تواجدي في بيراميدز بسبب علاقتي مع ممدوح عيد "عبث"    رسميا.. إنتر يعلن رحيل إنزاجي قبل كأس العالم للأندية    وزارة الحج والعمرة تستعرض حلولها التقنية في خدمة ضيوف الرحمن خلال ملتقى إعلام الحج    تكريم الامهات المثاليات الفائزات بمسابقتي التنمية المحلية والتضامن والعربي ببني سويف    الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تنعي الفنانة القديرة سميحة أيوب    تشييع جنازة الفنانة القديرة سميحة أيوب بحضور نجوم الفن    جامعة سوهاج تطلق قافلة طبية توعوية مجانية بقرية الشواولة بالتعاون مع "حياة كريمة"    تجهيز 550 ساحة لأداء صلاة عيد الأضحى في الدقهلية    سعر الذهب مساء اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025    حملات تفتيشية لمتابعة انضباط سيارات السرفيس والتاكسي بنطاق مدينة الفيوم.. صور    ارتفاع حاد في مخزونات النفط العالمية مع تسارع إمدادات "أوبك+"    أمانة التنظيم المركزي ب"الجبهة الوطنية": نسعى لتأهيل الكوادر والحشد السياسي والعمل المؤسسي    "الحاج الخفي".. تجربة واقعية لرصد جودة الخدمات في موسم الحج    الأعلى للإعلام يجري تعديلات على مواعيد بث البرامج الرياضية.. اعرف التفاصيل    الرسالة الأخيرة لمنفذ الهجوم على مسيرة مؤيدة للاحتلال بمدينة كولورادو بأمريكا    منظمة التحرير الفلسطينية: غزة تتعرض لإبادة برعاية أمريكية وصمت دولي شريك    الطريق إلى عرفات| أحب البقاع إلى الله.. فضل المسجد الحرام والصلاة فيه    حكم أخذ المُضَحِّي من شَعْره وظُفُره من أول ذي الحجة    ما حكم الأكل بعد فجر أول أيام عيد الأضحى حتى الصلاة؟ عالم أزهرى يجيب    استشاري: الاتحاد الأوروبي بدأ التلويح للمعاملة بالمثل بعدما ضاعف ترامب الرسوم الجمركية    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد جاهزية مستشفى نخل المركزي لاستقبال عيد الأضحى    بيطري القليوبية: ضبط 25.5 طن لحوم ودواجن غير صالحة للاستهلاك خلال شهر    إدجار مويو رئيسًا للدورة 112 لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    بعد اتصال السيسي وماكرون.. إشادة برلمانية بجهود مصر لإنهاء حرب غزة    المشدد 10 سنوات لعاطل لاتجاره في المخدرات بشبرا الخيمة    منظمة التحرير الفلسطينية: غزة تتعرض لإبادة برعاية أمريكية وصمت دولى    تشيلسي يفشل في الإبقاء على سانشو    فيفي عبده تنعي الفنانة سميحة أيوب    استعدادات مبكرة بجامعة القاهرة لاستقبال مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد    وزير المالية: 50% من مستحقات الشركات في برنامج دعم الصادرات سيتم تسويتها من الضرائب أو الكهرباء    Alpha وAirbus يدمجان الذكاء المسير في قلب العمليات الجوية العسكرية    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو قيام شخص بالتعدى على ابنته بالجيزة    تطهير وتعقيم ونظافة الأماكن المعدة لصلاة عيد الأضحي المبارك بالقاهرة    الخارجية: يجب الالتزام بالقوانين المنظمة للسفر والهجرة والإقامة بكل دول العالم    الاتحاد السكندري: عبدالعاطي استقال على «الفيسبوك».. والمغادرة غير مقبولة    السبكي: الشراكة المصرية الألمانية في الصحة نموذج للتحول الرقمي والتميّز الطبي    رسالة دكتوراه تناقش تقييم جدوى تقنية الحقن الأسمنتي كعلاج فعال لكسور هشاشة العظام    أخبار سارة على صعيد العمل.. توقعات برج الجدي في يونيو 2025    قبل نهائي الكأس.. أرقام الحكم محمود بسيوني مع الزمالك وبيراميدز هذا الموسم؟    ضبط أصحاب شركة المقاولات المتورطة في التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر    "المطاعم السياحية": بحث ضرائب الملاهي الليلة وإطلاق شعار موحد للمنشأت    المركز القومي للمسرح ناعيا سميحة أيوب: أفنت عمرها في تشكيل ملامح تاريخ الفن    مهرجان إيزيس الدولي ينعى سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    موعد ومكان جنازة الفنانة سميحة أيوب    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ رئيس الجمهورية وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى    من الصفائح التكتونية إلى الكوارث.. كيف تحدث الزلازل ؟    هيئة الأرصاد: أجواء ربيعية ممتعة اليوم والعظمى بالقاهرة الكبرى 31 درجة    مستشار الرئيس للشئون الصحية: مصر تشهد معدلات مرتفعة في استهلاك الأدوية    الحج 2025 .. ماذا يقال عند نية الإحرام ؟    قرار عاجل من التعليم بشأن المدارس الرسمية الدولية lPS (مستند)    «هاجي في يوم وهقتله».. يورتشيتش يمازح مصطفى فتحي بسبب عصبية الشيبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المواطن العربي بين القهر الاقتصادي والاحباط السياسي
نشر في محيط يوم 31 - 03 - 2008

المواطن العربي بين القهر الاقتصادي والاحباط السياسي

* زهير حمداني

نص الرسالة المواطن العربي بين القهر الاقتصادي والإحباط السياسي أوردت وسائل الإعلام العربية في الأيام الفارطة خبرا يحمل الكثير من الطرافة بقدر ما هو معبأ بالمرارة والألم والحسرة عن مواطنين مصريين يحضّرون قنابل"مولو توف" لاستعمالها في "حروب الرغيف" ضد أقرانهم وقد استشعروا أنها ستكون ضارية وموجعة وتتطلب تكتيكات وأسلحة مختلفة هذه المرة للفوز برغيف الخبز الذي أضحى صعب المنال،للغالبية من المواطنين العرب.

وقد ارتبطت بدايات العام في معظم أقطار الوطن العربي في العقود الأخيرة بهّبات شعبية احتجاجا على الزيادات في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية وغلاء المعيشة وتنفيسا عن الكثير من الكبت السياسي والقهر الاجتماعي والاقتصادي المتراكم الذي يعيشه المواطن العربي، أما في هذه السنة فقد خرجت الأنظمة من دائرة الصراع ولم تكن الهبّة موجهة ضد السلطة بل تطاحن الناس فيما بينهم للحصول على رغيف "العيش" ، وسقط الكثير من القتلى في موجات من التدافع والكر والفر والخصام والمعارك الضارية أمام المخابز وفي المتاجر والمحلات المعدة لبيع رغيف الخبز وتوزيعه، وصدرت لاحقا فتوى شرعية باعتبار القتلى شهداء تماما،كمن قتل في معارك الشرف وميادين البطولة وساحات الوغى دفاعا عن أرض وعرض ودين!

وبدت الأنظمة العربية مرتاحة لما يحصل بعيدا عن قلاعها ، وقد وجدت في استفحال ظاهرة الغلاء على الصعيد العالمي حلا سحريا لتمرير سياساتها الاقتصادية دون أن تتوقع موجة عاتية من الاحتجاج الشعبي الذي يمكن أن تشكل خطرا على وجودها أو أن تقود إلى اضطرابات واسعة كتلك التي حصلت في مصر سنة 1977 ،وتونس 1984والأردن سنة 1988ضمن ما عرف "بثورات الخبز" كما درج البعض على تسميتها وانتفاضة "الحرامية "كما أطلق عليها الرئيس السادات وتلقفتها وروجتها أبواق الدعاية .

أما ردود المسئولين عن أسباب الوضع المتردي والغلاء الفاحش فتعود دائما إلى عوامل موضوعية تتعلق بالصعود القياسي في أسعار النفط والمواد الأساسية على الصعيد العالمي وانخفاض سعر الدولار و الكوارث الطبيعية والاحتباس الحراري! دون أي إشارة توحي بوجود تقصير أو سوء إدارة أو اختلال في الموازنات التنموية أو خللا في هياكل الدولة مع تأكيد بعضها أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتين يحتمل هذه الزيادات دون تأثير كبير على المستوى المعيشي للغالبية بما يحول دون أي توتر أو نزوع الاحتجاج وأن السياسات الاقتصادية المتبعة لا تشوبها شائبة وتراعي مصالح الأغلبية. وتبدو بعض العوامل الخارجية للأزمة وجيهة ومقبولة لكنها بالتأكيد لا تفسر كل ما يحصل وما تعاني منه الأغلبية الساحقة من الشعب العربي .

إن العديد من النظم العربية حادت عن مصالح الأغلبية من البسطاء و لم تسع لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن واستعاضت عن ذلك بالبروباغندا السياسية والأرقام والإحصائيات المضللة،خاصة في ما يتعلق بحجم الدعم الذي تقدمه عن أسعار المواد الأساسية ونسبة العجز في الموازنة ، بل زادت الأعباء على كاهله من الغلاء الفاحش للأسعار والبطالة المتزايدة التي شملت خاصة أصحاب الشهادات العليا إلى التهميش السياسي من خلال النظام الرئاسوي الفردي و سياسة الحزب الواحد الفعلي المرتبط به والذي يعشش في مفاصل الدولة وهياكلها المختلفة ويمتد تحت مسام الجلد أو اعتمادا على التورية السياسية عبر تعددية حزبية صورية ،

وانتشرت تبعا لذلك مظاهر الإقصاء والطائفية السياسية الواضحة أو الخفية والتي تقود إلى مركزية شديدة للسلطة والتحكم في الموارد والمواد الأساسية واحتكارها من قبل المحيطين بالسلطة وأزلا مها وإجحاف كبير في توزيع ثروات الوطن وموارده ، فنمت مساحات الفقر واتسعت وتحولت المجتمعات العربية إلى أرخبيل من أصحاب المال والحضوة والنفوذ من الرأسمالية الطفيلية التي ترتبط بالنخب والأحزاب الحاكمة الساعية إلى المحافظة على الأوضاع القائمة والاستثمار في مجالات أكثر ربحية في المضاربات والعقارات والاحتكارات المختلفة ومحيط واسع من الفقراء والمعدمين والمهمشين وسحقت الفئات المتوسطة أو ماعت طبقيا وتحولت الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب إلى فريسة يطحنهم القهر السياسي والظلم الاقتصادي والاجتماعي لا يجدون رغيف الخبز أو يتقاتلون من أجله بشكل يومي،ولم تعد تحرّكهم قضاياهم الشخصية ولا الهم الوطني أو حتى القضايا القومية التي طالما هبوا لنصرتها بالملايين .

لقد أصبح من الصعوبة بمكان تخيل إمكانية حدوث تحرك شعبي عارم في الأقطار العربية ضد موجات الغلاء وتدني المستوى المعيشي أو الظلم أو التزوير كما كان يحصل في العقود الماضية بسب الثقافة السياسية السائدة وطبيعة التحولات المجتمعية وتفشي مظاهر القمع الاجتماعي والسياسي ومصادرة حقوق الغالبية التي بدأت تنزع إلى الصمت الممزوج بقلة الحيلة وهو ما ساعد الأنظمة إلى أن تتحول إلى ديكتاتوريات فردية تفتقر إلى الشرعية وتقوم أساسا على الفساد والمحسوبية والرشوة ، فأمعنت في إشاعة الفساد باعتباره عاملا من عوامل تواصلها واستمراريتها وأطنبت في الترويج لثقافة التهميش والسطحية والابتذال من خلال مؤسساتها الإعلامية والتربوية والثقافية كرديف لذلك ، وبالغت في التقتير على عامة الناس معتمدة شعار "جوع كلبك يتبعك" لشغل الناس في كفاحهم اليومي المضني من أجل سدّ الرمق كي لا يجدوا حتى وقتا مستقطعا للسؤال أو المساءلة أو الاحتجاج ،وحولت كل مظاهر والرفض والغضب والمعارضة التي تلقاها من الشعب،والكامنة في النفوس إلى كراهية متبادلة بين الأفراد تجلت في الأحداث الأخيرة أمام مخابز مصر، وخرجت السلطة نسبيا من دائرة الحنق والحقد .

وأدى كل ذلك إضافة إلى انتشار الفقر والبطالة وسوء توزيع الثروة وتدني مستوى العيش وقسوة الحياة في النهاية إلى تفكك البنى الاجتماعية وتدني الإحساس بالروابط الجماعية المحرضة على التغيير وعززت من سيطرة النزعات الفردية وقد ساهم كل ذلك في استهداف الطاقات الروحية والمعنوية لدى المواطن العربي واكتسحت كافة مفاهيم النزاهة والعفة والحلم الجماعي والعمل المشترك وهو ما يعتبر نتيجة طبيعية للاختلال في المتغيرات المادية والتبدل الموجع في القيم والمفاهيم الاجتماعية التي رسختها ثقافة اقتصاد السوق ونظام الخصخصة الذي تبنّته الأنظمة وطبقته كأنه قدر محتوم وتشريع الهي لامناص منه ولا راد له كما أفضت آليات القهر والتسلط والإجحاف الاقتصادي إلى ترسيخ قيم الإذعان والخنوع والتسليم بالأمر الواقع في وجدان الإنسان العربي ،

وشلّت حركته المضادة وتمكنت حالة التهديد المتواصل وعدم الاستقرار إلى جعله في موقف الحذر الشديد والتوجس الدائم والخوف المستمر من أي شيء يمت بصلة إلى السلطة ، فوجه غضبه إلى من يقف إلى جانبه في طوابير رغيف الخبز متصورا أنه ينازعه فيه وأن هذا الآخر الذي لا يجد مثله ما يقتات به هو الجحيم ذاته ، ومن جهة أخرى فان كل ما يتعرض له الإنسان العربي من عنف وقهر وتفقير خلقت مناخا من الخيبة والانكسار والهوان الفردي والجماعي مما كبله وأحبط في داخله أي إمكانية للتحرك لاسيما مع تراجع دور المؤسسات والأطر الحزبية والجمعياتية والنقابية التي استوعبتها السلطة وهمشت دورها واستقطبت نخبها التي سارت في ركابها وزينت لها غالبا فعائلها فتولد إحساس عام بالعجز عن تغيير الواقع وترك المجال واسعا للنخب الحاكمة دون أي رقابة حقيقية أو مساءلة وتحول الناس بفعل الأمر الواقع إلى أعداء لبعضهم البعض وتصور كل منهم أن الآخر هو سبب مأساته وفقره وظلمه وكل ما يعيشه من قهر وإحباط فدخلوا في حالة "حرب الكل ضد الكل" من أجل أن يحصّلوا لقمة العيش أو ينالوا دونها شرف الشهادة .

** كاتب صحفي من تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.