شروط تقليل الاغتراب لأبناء مطروح الناجحين فى الثانوية العامة    تصل ل10 آلاف جنيه.. الحكومة توافق على غرامة قيادة مركب دون ترخيص    محافظ مطروح يعتمد المرحلة الثالثة لتنسيق القبول بمدارس التعليم الثانوي الفني    محافظ شمال سيناء يوجه بتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين في قطاع المياه    خطة وزارة البيئة لمواجهة "السحابة السوداء"    112 ألف سلة غذائية تحملها قافلة «زاد العزة ال14» إلى قطاع غزة    أنباء تعيينه أثارت جدلا.. من هو «حليلة» المرشح لإدارة قطاع غزة في «اليوم التالي»؟    رئيس الوزراء يؤدي صلاة الجنازة على الدكتور علي المصيلحي بمسجد الشرطة بالسادس من أكتوبر    إذاعة جيش الاحتلال: تقليص عدد القوات المنتشرة في قطاع غزة إلى خمسة ألوية    «للصبر حدود».. مخاوف في الأهلي من ورقة عبد القادر الأخيرة    عارضة أزياء عن أسطورة ريال مدريد السابق: «لا يستحم».. ونجم كرة القدم: انتهازية (تفاصيل)    «غربلة وتغييرات».. إعلامي يكشف قرار ريبيرو المفاجئ تجاه هؤلاء في الأهلي    عقب تداول فيديو .. «الداخلية»: ضبط شاب يقود سيارة نصف نقل برعونة في الجيزة    فكك 6 شبكات تجسس.. قصة خداع «ثعلب المخابرات المصرية» سمير الإسكندراني للموساد الاسرائيلي    مصرع طفل غرقا أثناء مرافقة والدته لغسل الأواني في ترعة بالمنيا    «توقف مفاجئ في عضلة القلب».. تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة صنع الله إبراهيم    أكاديمية الفنون تكشف عن موعد انطلاق «مهرجان مسرح العرائس».. بالتفاصيل    ذوقهم حلو أوي.. ما هي الأبراج الأنيقة «الشيك»؟    أوقاف سوهاج تختتم فعاليات الأسبوع الثقافى بمسجد الحق    بشروط صارمة.. «الإدارة الروحية الإسلامية» بروسيا يُجيز استخدام حقن «البوتوكس»    بسبب «الجبنة».. عدوى بكتيرية في فرنسا تتسبب في وفاة شخصين وتُصيب 19 آخرين    رئيس التأمين الصحي يستعرض مؤشرات الأداء ويوجه بتعزيز كفاءة الخدمات الطبية بالفروع    قيمة انتقال لاعب ميلان إلى نيوكاسل يونايتد    أكاديمية الفنون تعلن انطلاق فعاليات مهرجان مسرح العرائس في أكتوبر    "قيد الإعداد".. الخارجية الأمريكية تقترب من تصنيف الاخوان منظمة إرهابية    وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2025    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    وزارة الزراعة: إجراء التلقيح الاصطناعي لأكثر من 47 ألف رأس ماشية    مفتى المجمع الوطنى والشؤون الإسلامية بجنوب أفريقيا: أعتز بانتمائى للأزهر    إنهاء إجراءات فتح حساب بنكى لطفلة مريضة بضمور النخاع الشوكى بعد تدخل المحافظ    جهاز تنمية المشروعات وبنك القاهرة يوقعان عقدين جديدين بقيمة 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر    سحب 810 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    «مدبولي»: مصر لن تغض الطرف عن تهديد وجودي لأمنها المائي    بعد تجاهل رسالته.. مصطفى كامل يتمنى الشفاء العاجل ل"أنغام"    نهضة العذراء بسخا.. الأنبا إرميا يتأمل في حياة القديس يوسف النجار    محافظ المنوفية يفاجئ مكتب صحة الباجور ويتخذ إجراءات فورية لتحسين الخدمات    آخرهم حسام البدري.. 5 مدربين مصريين حصدوا لقب الدوري الليبي عبر التاريخ    المشاط: العلاقات المصرية الأردنية تحظى بدعم مباشر من قيادتي البلدين لتحقيق التكامل الاقتصادي    اتصالان لوزير الخارجية مع نظيره الإيراني والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    الرئيس السيسى يهنئ رئيس جمهورية تشاد بذكرى العيد القومى    مدبولى يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    "الشناوي في حتة تانية".. تعليق ناري من الحضري على مشاركة شوبير أساسيا مع الأهلي    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    "قوية ورادعة".. وزارة الرياضة تعلق على عقوبات جماهير الزمالك    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    شجرة أَرز وموسيقى    وزير الري يتابع المشروعات التنموية في سيناء    قافلة المساعدات المصرية ال 14 تنطلق إلى قطاع غزة    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    مواعيد مباريات اليوم.. قمة باريس سان جيرمان ضد توتنهام بالسوبر الأوروبي    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    الشيخ رمضان عبد المعز: سيدنا إبراهيم قدوة في الرجاء وحسن الظن بالله    ما حكم الوضوء لمن يعاني عذرًا دائمًا؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تغييرات لرؤساء المراكز والمدن    الفائز بجائزة الدولة التشجيعية ل"البوابة نيوز": نحتاج إلى آليات دعم أوسع وأكثر استدامة خاصة لشباب الفنانين    حبس 5 متهمين اقتحموا العناية المركزة بمستشفى دكرنس واعتدوا على الأطباء    إخماد حريق نشب في محول كهرباء تابع لترام الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المواطن العربي بين القهر الاقتصادي والاحباط السياسي
نشر في محيط يوم 31 - 03 - 2008

المواطن العربي بين القهر الاقتصادي والاحباط السياسي

* زهير حمداني

نص الرسالة المواطن العربي بين القهر الاقتصادي والإحباط السياسي أوردت وسائل الإعلام العربية في الأيام الفارطة خبرا يحمل الكثير من الطرافة بقدر ما هو معبأ بالمرارة والألم والحسرة عن مواطنين مصريين يحضّرون قنابل"مولو توف" لاستعمالها في "حروب الرغيف" ضد أقرانهم وقد استشعروا أنها ستكون ضارية وموجعة وتتطلب تكتيكات وأسلحة مختلفة هذه المرة للفوز برغيف الخبز الذي أضحى صعب المنال،للغالبية من المواطنين العرب.

وقد ارتبطت بدايات العام في معظم أقطار الوطن العربي في العقود الأخيرة بهّبات شعبية احتجاجا على الزيادات في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية وغلاء المعيشة وتنفيسا عن الكثير من الكبت السياسي والقهر الاجتماعي والاقتصادي المتراكم الذي يعيشه المواطن العربي، أما في هذه السنة فقد خرجت الأنظمة من دائرة الصراع ولم تكن الهبّة موجهة ضد السلطة بل تطاحن الناس فيما بينهم للحصول على رغيف "العيش" ، وسقط الكثير من القتلى في موجات من التدافع والكر والفر والخصام والمعارك الضارية أمام المخابز وفي المتاجر والمحلات المعدة لبيع رغيف الخبز وتوزيعه، وصدرت لاحقا فتوى شرعية باعتبار القتلى شهداء تماما،كمن قتل في معارك الشرف وميادين البطولة وساحات الوغى دفاعا عن أرض وعرض ودين!

وبدت الأنظمة العربية مرتاحة لما يحصل بعيدا عن قلاعها ، وقد وجدت في استفحال ظاهرة الغلاء على الصعيد العالمي حلا سحريا لتمرير سياساتها الاقتصادية دون أن تتوقع موجة عاتية من الاحتجاج الشعبي الذي يمكن أن تشكل خطرا على وجودها أو أن تقود إلى اضطرابات واسعة كتلك التي حصلت في مصر سنة 1977 ،وتونس 1984والأردن سنة 1988ضمن ما عرف "بثورات الخبز" كما درج البعض على تسميتها وانتفاضة "الحرامية "كما أطلق عليها الرئيس السادات وتلقفتها وروجتها أبواق الدعاية .

أما ردود المسئولين عن أسباب الوضع المتردي والغلاء الفاحش فتعود دائما إلى عوامل موضوعية تتعلق بالصعود القياسي في أسعار النفط والمواد الأساسية على الصعيد العالمي وانخفاض سعر الدولار و الكوارث الطبيعية والاحتباس الحراري! دون أي إشارة توحي بوجود تقصير أو سوء إدارة أو اختلال في الموازنات التنموية أو خللا في هياكل الدولة مع تأكيد بعضها أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتين يحتمل هذه الزيادات دون تأثير كبير على المستوى المعيشي للغالبية بما يحول دون أي توتر أو نزوع الاحتجاج وأن السياسات الاقتصادية المتبعة لا تشوبها شائبة وتراعي مصالح الأغلبية. وتبدو بعض العوامل الخارجية للأزمة وجيهة ومقبولة لكنها بالتأكيد لا تفسر كل ما يحصل وما تعاني منه الأغلبية الساحقة من الشعب العربي .

إن العديد من النظم العربية حادت عن مصالح الأغلبية من البسطاء و لم تسع لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن واستعاضت عن ذلك بالبروباغندا السياسية والأرقام والإحصائيات المضللة،خاصة في ما يتعلق بحجم الدعم الذي تقدمه عن أسعار المواد الأساسية ونسبة العجز في الموازنة ، بل زادت الأعباء على كاهله من الغلاء الفاحش للأسعار والبطالة المتزايدة التي شملت خاصة أصحاب الشهادات العليا إلى التهميش السياسي من خلال النظام الرئاسوي الفردي و سياسة الحزب الواحد الفعلي المرتبط به والذي يعشش في مفاصل الدولة وهياكلها المختلفة ويمتد تحت مسام الجلد أو اعتمادا على التورية السياسية عبر تعددية حزبية صورية ،

وانتشرت تبعا لذلك مظاهر الإقصاء والطائفية السياسية الواضحة أو الخفية والتي تقود إلى مركزية شديدة للسلطة والتحكم في الموارد والمواد الأساسية واحتكارها من قبل المحيطين بالسلطة وأزلا مها وإجحاف كبير في توزيع ثروات الوطن وموارده ، فنمت مساحات الفقر واتسعت وتحولت المجتمعات العربية إلى أرخبيل من أصحاب المال والحضوة والنفوذ من الرأسمالية الطفيلية التي ترتبط بالنخب والأحزاب الحاكمة الساعية إلى المحافظة على الأوضاع القائمة والاستثمار في مجالات أكثر ربحية في المضاربات والعقارات والاحتكارات المختلفة ومحيط واسع من الفقراء والمعدمين والمهمشين وسحقت الفئات المتوسطة أو ماعت طبقيا وتحولت الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب إلى فريسة يطحنهم القهر السياسي والظلم الاقتصادي والاجتماعي لا يجدون رغيف الخبز أو يتقاتلون من أجله بشكل يومي،ولم تعد تحرّكهم قضاياهم الشخصية ولا الهم الوطني أو حتى القضايا القومية التي طالما هبوا لنصرتها بالملايين .

لقد أصبح من الصعوبة بمكان تخيل إمكانية حدوث تحرك شعبي عارم في الأقطار العربية ضد موجات الغلاء وتدني المستوى المعيشي أو الظلم أو التزوير كما كان يحصل في العقود الماضية بسب الثقافة السياسية السائدة وطبيعة التحولات المجتمعية وتفشي مظاهر القمع الاجتماعي والسياسي ومصادرة حقوق الغالبية التي بدأت تنزع إلى الصمت الممزوج بقلة الحيلة وهو ما ساعد الأنظمة إلى أن تتحول إلى ديكتاتوريات فردية تفتقر إلى الشرعية وتقوم أساسا على الفساد والمحسوبية والرشوة ، فأمعنت في إشاعة الفساد باعتباره عاملا من عوامل تواصلها واستمراريتها وأطنبت في الترويج لثقافة التهميش والسطحية والابتذال من خلال مؤسساتها الإعلامية والتربوية والثقافية كرديف لذلك ، وبالغت في التقتير على عامة الناس معتمدة شعار "جوع كلبك يتبعك" لشغل الناس في كفاحهم اليومي المضني من أجل سدّ الرمق كي لا يجدوا حتى وقتا مستقطعا للسؤال أو المساءلة أو الاحتجاج ،وحولت كل مظاهر والرفض والغضب والمعارضة التي تلقاها من الشعب،والكامنة في النفوس إلى كراهية متبادلة بين الأفراد تجلت في الأحداث الأخيرة أمام مخابز مصر، وخرجت السلطة نسبيا من دائرة الحنق والحقد .

وأدى كل ذلك إضافة إلى انتشار الفقر والبطالة وسوء توزيع الثروة وتدني مستوى العيش وقسوة الحياة في النهاية إلى تفكك البنى الاجتماعية وتدني الإحساس بالروابط الجماعية المحرضة على التغيير وعززت من سيطرة النزعات الفردية وقد ساهم كل ذلك في استهداف الطاقات الروحية والمعنوية لدى المواطن العربي واكتسحت كافة مفاهيم النزاهة والعفة والحلم الجماعي والعمل المشترك وهو ما يعتبر نتيجة طبيعية للاختلال في المتغيرات المادية والتبدل الموجع في القيم والمفاهيم الاجتماعية التي رسختها ثقافة اقتصاد السوق ونظام الخصخصة الذي تبنّته الأنظمة وطبقته كأنه قدر محتوم وتشريع الهي لامناص منه ولا راد له كما أفضت آليات القهر والتسلط والإجحاف الاقتصادي إلى ترسيخ قيم الإذعان والخنوع والتسليم بالأمر الواقع في وجدان الإنسان العربي ،

وشلّت حركته المضادة وتمكنت حالة التهديد المتواصل وعدم الاستقرار إلى جعله في موقف الحذر الشديد والتوجس الدائم والخوف المستمر من أي شيء يمت بصلة إلى السلطة ، فوجه غضبه إلى من يقف إلى جانبه في طوابير رغيف الخبز متصورا أنه ينازعه فيه وأن هذا الآخر الذي لا يجد مثله ما يقتات به هو الجحيم ذاته ، ومن جهة أخرى فان كل ما يتعرض له الإنسان العربي من عنف وقهر وتفقير خلقت مناخا من الخيبة والانكسار والهوان الفردي والجماعي مما كبله وأحبط في داخله أي إمكانية للتحرك لاسيما مع تراجع دور المؤسسات والأطر الحزبية والجمعياتية والنقابية التي استوعبتها السلطة وهمشت دورها واستقطبت نخبها التي سارت في ركابها وزينت لها غالبا فعائلها فتولد إحساس عام بالعجز عن تغيير الواقع وترك المجال واسعا للنخب الحاكمة دون أي رقابة حقيقية أو مساءلة وتحول الناس بفعل الأمر الواقع إلى أعداء لبعضهم البعض وتصور كل منهم أن الآخر هو سبب مأساته وفقره وظلمه وكل ما يعيشه من قهر وإحباط فدخلوا في حالة "حرب الكل ضد الكل" من أجل أن يحصّلوا لقمة العيش أو ينالوا دونها شرف الشهادة .

** كاتب صحفي من تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.