الانتصار بين التوكيد والتبديد! فايز رشيد لعل من أبلغ أجوبة الاسرائيليين في التعاطي مع اخفاق دولتهم في عدوانها على لبنان العام الماضي، والتي مرت ذكراه منذ أيام، ما جاء على لسان وزير الدفاع الاسرائيلي الأسبق حين سُئل عن تقييمه لما قاله سماحة السيد حسن نصر الله في الذكرى الاولى لانتصار المقاومة الوطنية اللبنانية، حين وعد اسرائيل اذا ما شنت حربا جديدة على لبنان، فان المقاومة ستفاجئها بما سيغير وجه المنطقة وطبيعة الحرب مع اسرائيل... أجاب بن اليعاز: نعم نصدقه، لأنه لم يكذب يوما. الغريب، انه وبرغم الدلائل اليومية الكبيرة التي تدلل على انتصار المقاومة الوطنية اللبنانية على اسرائيل، وبرغم الهزة التي أحدثها هذه الانتصار في الداخل الاسرائيلي، والتي تمثلت في استقالات عديدة لمسؤولين كبار من سياسيين وعسكريين، فان الكثير من القوى والاحزاب اللبنانية والعربية اضافة الى بعض الدول، ما زالت تحول هذا الانتصار الى هزيمة، وما زالت تتهم حزب الله بانه السبب المباشر في قيام اسرائيل بحربها، بعيدا عن عدوانية هذه الدولة منذ تأسيسها وحتى اللحظة، وفي قراءة مغلوطة لطبيعة هذا العدو، ولبرامجه وأيديولوجيته الصهيونية، وايضا لطبيعة سياسات حليفه الاستراتيجي: الولاياتالمتحدة، وبعيدا عما كشفه سيمور حيرش عن الاعداد الاسرا اميركي المسبق لاقتراف هذا العدوان! وبعيدا عن معطيات ومؤشرات كثيرة لا يمكن ايرادها في مقالة صحفية. وللتقليل من شأن هذا الانتصار الوطني، اللبناني، العربي، الانساني، فان أصواتا كثيرة تتهم الحزب، بأنه يخوض حربا بالنيابة عن ايران وسوريا وعلى حساب لبنان ودماء اللبنانيين! وكأن الحزب ألعوبة بأيدي هاتين الدولتين! وايضا في سبيل تحطيم هذا الانتصار وتحويله الى هزيمة مرة، يجري اتهام الحزب، بانه يريد اعلاء وضع الطائفة الشيعية لتتسيد على السنة في تأويل خبيث لمعركة وطنية وتحويل اتجاهها الى صراع مذهبي وطائفي كريه! واذا كانت الكثير من هذه الترهات الساذجة والمقيدة لا تستحق عناء الرد، فمن الضروري بين الفينة والاخرى تذكير اصحاب هذه الاصوات (ومنها من تمنى هزيمة المقاومة وانتصار اسرائيل علانية، تماما مثلما تمنى أحدهم، والذي تبوأ مناصب دينية كثيرة في حياته، وحمد الله وصلى لأجل هزيمة عبد الناصر في حرب اسرائيل العدوانية عام ,1967 وانتصار اسرائيل لانها خلّصت مصر من طاغوت.. على حد تعبيره! وتماما مثلما أفتى صاحب اكبر منصب ديني اسلامي، للرئيس السادات بجواز الصلح مع اسرائيل في كمب ديفيد، من خلال تحريف معنى الآية القرآنية الكريمة وان جنحوا للسلم فاجنح لها)! ببعض الحقائق، ولعل أبرزها: ان اسرائيل ليست بحاجة الى مبررات لاقتراف عدوانها وحروبها على العرب، وواهم كل عربي أيا كانت ديانته وبلده، ان اسرائيل ستوقف عدوانها عليه، حتى لو وقع الفلسطينيون وكل الأقطار العربية معاهدات سلام معها، فهذه الدولة تلتحم عضويا بالعدوان واقتراف المجازر والتعدي على (الأغيار) ولذلك فان الابتزاز سيظل إحدى وسائلها في ممارستها للحرب وللسياسة. من زاوية اخرى، فان معارك التحرر الوطني، والرد على العدوان وامتلاك الوسائل اللازمة لتحطيم اهدافه واجباره على الانكفاء، لم ترتبط يوما بالديانة او الطائفة او المذهب او الاثنية، فهي معارك وطنية يشارك فيها الجميع من أجل الرد على العدوان الخارجي، الذي يطالهم جميعا، دون التفرقة بين مسيحي ومسلم، وبين سُني وشيعي ويزيدي، وبين ارثوذكسي وماروني، ولا بين كردي وعربي. الوطنية السياسية لم تكن ولن تكون مرتبطة يوما. بمذهب دون آخر، ولا بطائفة دون اخرى، فالحكم على ما يمارسه هذا الحزب او تلك القوة او الجماعة مرهون بما يحمله او تحمله من أفكار، وما تمارسه على أرض الواقع من فعل، وما تنتهجه ايضا من سياسات. أما المتساوقون مع الأعداء ومع مخططاتهم وسياساتهم، قصدا او عن غير قصد، سرا أم علنا، فهم يتوزعون على كل الأديان والمذاهب والدول، بعيدا عن أي انتماء عقيدي او مذهبي او قطري... ثم ان الفصل بين سياسة الحزب او القوة في المجالين الداخلي والخارجي مسألة مشروعة، ذلك ان الحزب قد يخطئ في بعض جوانب أحد المجالين (وما من أحد معصوم عن الخطأ، ما دام بشرا) ويصيب تماما في المجال الآخر، وهو معركة الدفاع عن الوطن امام العدوان الخارجي. كان من المنتظر ان يمسك كل العرب: مسيحيوهم ومسلموهم، شعوبهم ودولهم، بالانتصار الذي حققته المقاومة الوطنية اللبنانية من اجل مجابهة العدوان والابتزازات الاسرائيلية، أيا كانت وجهات نظرهم في اسرائيل وحليفتها الرئيسية، واللتين رفضتا (مبادرة السلام العربية) التي أطلقت عناصرها قمة بيروت في عام .2002 وأكدتها قمة الرياض في عام ,2007 وقد فهمت الدولتان من هذه المبادرة للقيام بتطبيع عربي مع اسرائيل بعيدا عن استعدادها لمطلق تنازل او حتى أبسط استعداد للاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية او العربية، ومما يؤشر بالفعل الى حقيقة النظرة الاسرائيلية الى مفهوم (الاعتدال الدولتي العربي) ومما يشي ايضا بحقيقة النظرة الاميركية الى من تسميهم بحلفائها او اصدقائها في المنطقة. رفض الاعتراف بالنصر الاستراتيجي التاريخي للمقاومة الوطنية اللبنانية، او تقزيمه وتحويله الى هزيمة ينم عن ثلاث حالات لا رابع لهما: إما الامتلاء الداخلي بالهزيمة والاحباط، الذي يطغى على النصر او أي امكانية لاحرازه نتيجة (عشعشة) الشعور بالهزيمة الداخلية في وعي ولا وعي الفرد/ الجماعة، او انه التساوق قصدا او عن قصد مع المخططات والأهداف الاسرائيلية الاميركية للمنطقة! او انه محاولة تبرير ذاتي للاستعانة بالعوامل الخارجية لتحقيق المصالح الضيقة الأفق للفرد/ الجماعة... بعيدا عن الحسابات الوطنية! عن صحيفة السفير اللبنانية 10/9/2007