ها هو الزمان يعود كهيئته الأولى في وعورة درب التمسك بدعوة الحق، وهاهم الغرباء يخطون بدمائهم عضهم على جمرتي الدين والوطن " بدأ الدين غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء"، طوبى للذين يتصدون لكل مكر المجرمين في الأرض، سواء أكان هؤلاء المجرمون صهاينة وصليبيين، أم عملاء ومنافقين.
طوبى للذين يصرخون في وسط دياجير الظلام وتحت وطأة الصخر وفي قيظ الشمس أو زمهرير الشتاء- أحدٌ .. أحدٌ، فهم يبعثون لمؤذن نبي الهدى في قرننا الحادي والعشرين أن الطريق هي الطريق، وأن البيعة هي البيعة، والعقبة الكأداء حتماً سيتجاوزها الأحرار.
سلسلة طويلة من إعدام المجاهدين، وقتلهم في أقبية التحقيق ومسالخ التعذيب، ومحاولة ثنيهم عن الإيمان الذي تشربته أفئدتهم، ولكن هيهات للظالمين، فلئن وقعت الأجساد في أسرهم فلن يملكوا قلوبنا بإذن الله، وحفظ الله شيخنا وأستاذنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي عندما سطَّر قصيدته أثناء الاعتقال:
ضع في يدي ّ القيد ألهب أضلعي
بالسوط ضع عنقي على السكّين
لن تستطيع حصار فكري ساعةً
أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يديْ ربّي
وربّي ناصري ومعيني
سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي
وأموت مبتسماً ليحيا ديني
إنجاز لليهود مضطرون للاعتراف به!!
كل هذه المعاناة كان يمكن للمرء أن يباهي الدنيا بصلابته في تحديها لو كان الجلاد صهيونياً، أما أن يكون المجرم أبو وطن ويقتل.. ويقتل من؟ العلماء والدعاة وبهذه الصورة الفظيعة، بحيث يتم شبح الشيخ مجد البرغوثي لأيام وليال، وهو يئن تحت وطأة التعذيب، ويعلَّق وهو مربوط من يديه خلف ظهره، ويُشَد إلى النافذة الحديدية لأعلى وهو يستغيث الله، فالمصيبة مصائب!!
يا الله كم قست قلوب الظالمين.. يا الله .. إمام وداعية ومجاهد وأسير محرر يُفعل به هكذا، في أي حظائر تربى هؤلاء المجرمون؟!، وأي مافيا تلك التي صاغت أدمغتهم الممتلئة حقداً وعفناً؟؟!، إن كان من إنجاز للمحتل نشهد له بنجاحه فيه، والأسى يعتصر قلوبنا فهو نجاحه في تربية أعوان له يزيدون إجراماً على إجرام سادتهم شامير وشارون وأولمرت.
انقلابٌ على الانتخابات .. ثم اعتقالٌ .. تعذيبٌ .. قطعٌ للرواتب ... استدعاءٌ النساء للتحقيق..اقتحامٌ للمساجد والجامعات.. ملاحقةٌ المجاهدين .. ومصادرةُ السلاح ثم القتلُ وأي قتل؛ قتلٌ تحت التعذيب، وبصورة وحشية تطيش العقول عند التفكير بها، ثم يسألون لماذا قامت حماس بالحسم العسكري في غزة؟! إن مقتل الشيخ مجد يجيب على كل من كان في أذنيه صمم، ويوضح الرؤيا لمن غبشت قزحيته، ويدلل بالبرهان لكل من طالت حيرته.
كنتُ عضواً في لجنة المصالحة في خانيونس بعد الأحداث المؤلمة التي ألمت بالقطاع من فتنة الاقتتال، وكانت هذه اللجنة هي أول لجنة للمصالحة على مستوى قطاع غزة، وأذكرُ يومها ترحيب الحركة وثناءها على الخطوة الرائعة التي قامت بها خانيونس، حتى دعت القيادة كافة المحافظات للإقتداء بخانيونس. ويعلم الله أننا بذلنا جهوداً مضنية في إيجاد جو يسمح لنا بالعمل، وكنا نعض على جراحنا بصورة تفتقت فيها عن الجراح جراح!، ولكن كان الهدف الأهم أمامنا إنهاء الاقتتال الداخلي بكل ثمن، وساعدنا في ذلك قرار أبي العبد بتحمل الحكومة كافة النفقات المادية اللازمة لتحقيق المصالحة على الأرض.
وعندما نتحدث عن خانيونس نذكر أن أول حالة اقتتال بدأت كانت حلقاتها في شرق المحافظة وبالتحديد "عبسان الجديدة"، وذلك أثناء محاولة اغتيال الأخ خالد أبو عنزة وهو من كوادر القسام المعروفين، والذي نجا من المحاولة بعد إصابته المباشرة في موضع قتل، وكانت مشيئة الله أن استطاع الشباب تحديد السيارة ومن كان بداخلها، وهي للأمن الوقائي وبالتحديد لفرقة الموت وقتها، ولم تكن قبل هذه الحادثة أي مشكلة على مستوى القطاع بين حماس وفتح، فكانت هذه الحادثة موضوع رئيسي على جدول الأعمال لتحديد من الذي بدأ في إراقة الدم؟!، وبعد ترحيبنا بالإخوة في فتح، واتفاقنا على اعتبار هذه المشكلة شرارة الفتنة، كان لا بد من وضع حد للمجرمين الذين أساؤوا لشعبنا، وقمنا وقتها بتحديدهم، وكان طلبنا طلباً بسيطاً وهو تقديم الجناة للنيابة العامة ليأخذ القانون مجراه، خاصة في وجود الأدلة، وأهمها السيارة وصاحبها وهو أحد المجرمين، وخراطيش الرصاص الفارغ، وغيرها من الأدلة. فطلبت فتح منا إعطاءها فرصة من الوقت للتباحث حول هذه القضية، ورددت كلمة كانت مدونة في ميثاق المصالحة "سنرفع الغطاء التنظيمي عن أي مجرم ولن نسمح بالفوضى". لم تعقد وقتها لا جلسة ثانية ولا ثالثة إلا بعد ثلاثة شهور تقريباً. لكن المهم في الموضوع أنه وفي اليوم التالي وضعت حراسة مشددة على المجرمين، وأقفل المدخل المؤدي لبيوتهم، ومارسوا عربدة على المواطنين بصورة تدلل على حرص فتح على المصالحة! وعندما أجرينا بعض الاتصالات على بعض أعضاء فريق فتح في المصالحة أخبرونا بالحرف الواحد - وهي شهادة أمام الله والتاريخ – شباب الوقائي قالوا لنا: "إذا تم تسليم واحد من الشباب سنقوم بطخكم واللي يصير يصير".
وبالرغم من صبر حماس وضغطها على شبابها، إلا أن المجرمين ازدادوا دموية في وسائلهم، ووصل بهم الأمر لاقتحام المساجد (أبو شنب، النور، الهداية، العباس .. إلخ)، وقتلوا العلماء، وأهرقوا الدماء في كل حي وشارع، فكان قرار حماس كطوق نجاة للشعب الفلسطيني، وهي مرغمة عليه، لا مجتهدة إليه.
شيخنا مجد ... مجرمو سلطة دايتون ومغتصبو فتح في الضفة سيكونون كما لو لم يكونوا.
ليس لأننا سَنُعِدُ كتائب القسام ونحضرهم للدخول لمعركة في الضفة ونهزم بها الانقلابيين، ولكن لأنه الظلم الذي تصنعونه، لأنه الباطل الذي تنشرونه! لقد ظننتم كما ظن كثير من المنهزمين أنه طالما أمريكا موجودة فلا يهمكم أحد، ونسيتم أو تناسيتم ماذا فعلتم بشعبكم في السنوات الخوالي؟!، وكم مجاهد كنتم أداة لتعذيبه؟! وكم مجاهد كنتم عيون العدو عليه فوقع في الأسر؟! وكم يتيم أغلقتم جمعية كانت تَكْفله؟! وكم بريء سلختم جلده؟! وكم داعية غرغرت روحه في مسالخكم؟! فكان درساً بسيطاً لكم في الانتخابات التشريعية أنَ فلسطين بشعبها قد قالت لكم: "غوروا عن وجهي، قبح الله أبناءاً عقوقين مثلكم!" لو كان لكم عقل لاعتبرتم، ولو كانت لديكم بصيرة لاستبصرتم، ولكن ماذا تفعل الذكرى مع من ختم الله على قلبه؟! فازددتم غياً على غي، حتى كان يوم لفظكم من غزة العزة، بالرغم من جيشكم الذي كان يغطي عين الشمس كما قال صاحب الغلوات!!
هل عرفتم لماذا اندحرتم، ثقوا تماماً ليس لأن حماس قوية بالرغم من أنها كذلك بفضل الله، أو أنها خططت في أي لحظة لما وقع، ولو كانت تخطط لذلك ما انتظرت كل شلال الدم في شعبها وشبابها، ولكن كل ذلك لأنكم كنتم المثال السيئ في التاريخ لمن أدار ظهره لشعبه، وتنكر لمجاهديه الحقيقيين، واستقوى بعدوه، وظلم بفعله أولياء الله.
أما سمعتم بقول ربنا في الحديث القدسي: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب".
إذاً يا شيخ مجد أنت وكل أولياء الله الذين حاربتكم قوى الظلم والطغيان، قد آذن الله بحرب قاتليك، وأنت أكثر من اطمئن لذلك الآن، فمتى يقدِّر الله بإنهاء المعركة فنتيجتها معروفة سلفاً، وهي هزيمة الدايتونيين والمنبطحين، ولن يطول زوال الظلم بإذن الله!
يا شباب الضفة الأحرار
صبراً يا سدنة الدين العظيم، ويا رواد الفجر، وأمل الأمة، واعلموا أن الله لن يجعل للمنافقين عليكم سبيلاً، ولكنه تمحيص الله للذين آمنوا" وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين"، واعلموا أن المنافقين لن تطول لهم عاقبة الزوال والخزي، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الشام: أن منافقيها لا يغلبوا أمر مؤمنيها. كما رواه أحمد في المسند.
فيا أهل الضفة الأحرار: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".