وماذا بعد الشائعات؟! د. محمود السقا لقد شغل موضوع »مرض الرئيس« - بين إثباته أو نفيه - الرأي العام قاطبة.. وترجم هذا الموضوع من قبل أهل الرأي بأنها »مجرد شائعة«، والشائعة كما هو معروف عنها، تبدأ صادرة من »مصدر مجهول« في »ظروف معينة«، وفي مولدها تحتمل الجدل والجدال، وتحتمل الصدق أو الكذب: فهي ما بين التصديق أو التكذيب وكل اتجاه في الرأي يدعم الإثبات »بشواهد معينة تزكيه وتناصره«، أو العكس بتقديم ما يثبت عدم صدقها، ولكل فريق رأيه الذى يؤكده ويناصره.. ثم تبدأ الشائعة تتبلور يوماً بعد يوم.. إلي أن تنتهي إما »يثبت صدقها« أو العكس هو الصحيح. والشائعات أصناف وأنواع، وهي لا تقتصر علي حقل واحد، بل تمتد إلي كثير من شعاب الحياة.. وهي إما تتعلق بخبر من الأخبار، أو مناسبة من المناسبات، أو وظيفة من الوظائف.. وكلها »شائعات موقوتة« سرعان ما تنتهي مع »مولد الحقيقة«. وهذه الشائعات تقع تحت الأمثلة الشعبية المتعددة، خاصة الشائعات الأسرية أو الاجتماعية، ويقول قائل بعدم إعلانها أو أنها سر من الأسرار بقالة: »لا تقل شيئاً مما أفضى به إليك: والسر في بئر«.. أو »يا شاري الخبر بفلوس، بكره تشتريه ببلاش«.. إن الشائعة الاجتماعية في هذا المنطق هي سر من الأسرار، وسرعان ما يسقط عنها »الحجاب« وتظهر الحقيقة كما نشاهدها في كثير من المناسبات الاجتماعية أو الوظائفية، مثلاً: شائعة »التعديلات الوزارية« وما يعانقها من طرح أسماء أو استبعاد أسماء.. وعند هذه النقطة بالذات نقرر أن أبشع أنواع الشائعات تلك التي تدور في فلك »عالم السياسة« وبالذات عن »الحكام والحكومة«.. وهنا نقول إن الشائعة التي سرت »مسري النار في الهشيم« في بلدنا عن »مرض الرئىس«، سرعان ما تردد صداها في »الخلق أجمعين«. وبعيداً عما قيل عن »تكييف هذه الشائعة« وهل هي حقاً وصدقاً تكشف عن »مرض الرئيس« أم أنها غير ذلك.. ولقد ناقش هذا الأمر كل الكتاب ولم يتركوا شيئاً أو تحليلاً لهذه الشائعة »الجديدة والغريبة وفي اعتقادنا - شبه المؤكدة« لقد تقدم أصحاب »صحة المرض« بكثير من الشواهد المنطقية، وعلي قائمتها: اجتماع طلاب وشباب الجامعة الذى انعقد بمدينة الإسكندرية، وكان الرئيس قريباً منه - حسب رغم أصحاب الرأي الآخر في »برج العرب« وكلها خطوات ويلتقى بأبنائه شباب الأمة يجدد معهم - كدأبه وعادته - لقاءً أبوياً مفتوحاً تناقش فيه قضايا الشباب ومعها أهم قضايا الأمة.. لماذا لم يحضر الرئيس؟ ولماذا لم يعتذر؟ ولماذا ظهر ابنه جمال - وليس رئيس الوزراء أو وزير التعليم أو أين الحزب الوطني بديلاً عنه؟ - وهي »قرينة قاطعة الدلالة علي صحة الشائعة«، ومعها قرينة أخرى، هذه المرة بالبلد الحبيب علي قلب الرئيس »شرم الشيخ«، وعندها يحلو له كل اللقاءات، وكان مؤتمر الشباب العالمى، وهنا أيضاً ظهرت »حرم الرئيس« بديلاً عنه. تشاء الأقدار أن تأتي هاتان الواقعتان مرتبطتين بواقعة »تبادل الحديث وليست الشائعة إذن - عن مرض الرئيس«. وماذا بعد هذه الشائعة التي رددها القاصى والدانى، وهي شبه مؤكدة، ولا يستطيع أى إنسان في الدنيا أن ينكر »المرض« أو يخفيه أو يتنصل منه فهو قدر البشر جميعاً.. ولا تجدي فيه المسكنات من القول أو طمس الحقائق، تماماً مثل ذلك الجريح الذى يناجي طبيبه: »عجيب يا طبيب أري جريحاً وليس بى أثر الجراح«!! أو حين تطمس الحقائق المؤكدة، أو تخبأ نور الشمس في وضح النهار نقول - بعد ظهور الحقائق - بلغة الصوفيين: يا خافي السر، إن السر قد ظهرا ولا أطيق حياة بعدما اشتهرا إن هذه الشائعة »ذات الأجنحة التي تساعدها علي الطيران والانتشار« كشفت عن »حقيقة مؤكدة« لاخلاف لأهل الرأي فيها: أن الحزب الوطني وهو يعيد تشكيلاته قد فوجئ بهذا النبأ غير السار فبدأ منذ الآن يعد للأمر عدته.. فبدأ ما يسمونه بالحرس القديم يعيد الظهور علي مسرح الوقائع وعندها ماتزال كل خيوط اللعبة، وبدأ الحرس الجديد يقلب أوراقه.. ويلعب علي »الورقة الرابحة« بإعداد العدة، و»تلميع« - معذرة للتعبير - ابن الرئيس ليحل هكذا مباشرة وبلا فلسفة - محل أبيه.. هذا هو الظاهر.. وقد كشف ما كان بالأمس غائباً. كل محاولات الحكومة الحاكمة ومعها الحزب الحاكم، ومعها مباركة الرئيس وأىضاً السيدة حرمه.. تصب لصالح الابن النجيب »الفتي مهران« أو »جمال مبارك«. إن فائدة الشائعة - إن كانت لها في دنيا السياسة وعالم الشائعات أو الرجم بالغيب - من فائدة فقد جاءت لتزكى وتمهد الطريق »لحديث المدينة« من أن الابن أصبح جاهزاً ليأخذ عرش أبيه، والحكمة تقول: »إذ طلع الصباح فاطفئوا القنديلا«. هذا عن فائدة الشائعة للحزب الحاكم، حزب الرئيس المريض.. وأما ما بعد ما قلناه وكررناه.. ما رأي الأمة فيما إذا انتهت الشائعة وأصبحت حقيقة؟ ثم ما رأي أحزاب مصر جميعاً.. هل ينتظرون إلي أن تنتهي »المسرحية السياسية إلي هذه النهاية«.. أم أن لهم رأياً آخر: منه مثلاً: حتمية اختيار أو تعيين نائب للرئيس الآن وليس غداً؟! وهذا النائب تختاره الأمة وليس الرئيس أو أعضاء حزبه.. هنا يطمئن وجدان الأمة.. ويرتاح بالها.. في صبح جديد وجميل. عن صحيفة الوفد المصرية 5/9/2007