الرجل الذي غض الطرف عن كل ما جري في موقعة الجمل من وحشية واعتداء علي الثوار في ميدان التحرير علي مدار أربع وعشرين ساعة ثم خرج علينا ليؤكد أنه لا يعلم، هو حتما لا ينتمي لهذا النظام. الرجل الذي أبي الاعتراف بالثورة ووصفها بأنها مجرد حركة أو احتجاج.. وعندما رشح نفسه للرئاسة لم يجد مفرا من التراجع وكانت حجته التي حاول إقناعنا بها أن ثورة 52 كان يطلق عليها حركة قبل أن تكتسب لقب ثورة بعد عامين من قيامها. كل الشواهد تجعلنا نصدق الرجل ويدعمها ابتسامته الواثقة الساخرة دوما من الثورة مهما حاول إظهار عكس ذلك.. هو بالفعل ليس جزءا من نظام مبارك وإلا من أين له بتلك الجرأة والثقة التي دفعته للترشح لمنصب الرئاسة بعد ثورة لم تقم إلا للإطاحة بكل رموز النظام السابق وكان هو أحدها. لكنه ليس رمزا ولا فلا من الفلول كما يحلو للبعض أن يصفه افتراء وكذبا لذلك »لم تهتز له شعرة« أمام كل من يوجه له هذا الاتهام.. فهو علي يقين من أنه »مرشح الأسرة المصرية« هكذا أكد في برنامج »دعوة مع الرئيس« للإعلامي والصحفي خيري رمضان. يتجاهل الفريق للأسف أنه لا يستطيع أن يخدع كل الناس كل الوقت.. وتكفي الساعات الثلاث للبرنامج لنكتشف حقيقته.. فكلماته وأداؤه وكل إجاباته وتعليقاته تؤكد ليس فقط أنه ابن النظام السائر علي دربه ونمط تفكيره وقناعاته وسياساته وإنما هو ابن بار لمبارك نفسه لدرجة أنه اكتفي بابتسامة مقتضبة عندما داعبه صلاح بأنه لا خوف من التوريث بعدما تبين أن شفيق لم ينجب سوي البنات.. ليبدو وكأنه رافض لهذه التلميحات وإن حاول تبرير ذلك بعدم رغبته في العودة للوراء!! لكن البلاغات والقضايا التي في انتظاره تأبي أن تتركه ينعم باللحظة وتطارده وتظهر مواجهته لها بالإنكار ووصفه لمن يثيرها »بالموتورين« عن نفس أداء رجالات النظام السابق في التعامل مع خصومهم وجرائمهم. الفريق لا يخرج عن النمط تطارده الشائعات فيرد عليها بهدوء يصل لدرجة البرود »أنا بالي طويل وحلمي كثير«.. هو بعينه بكلماته بتعليقاته بردود أفعاله، اللي يربي فعلا متنحاش.. الرجل السبعيني يتحدي الزمن والبلد والثورة ويرشح نفسه مؤكدا أن صحته »حديد«.. بينما يلفت نظر من تابعه أنه يبذل جهدا لسماع الأسئلة بالطبع سيبرره بصخب القاعة ولا يمكن أن يعترف أنه بفعل الزمن.. ألم أقل لكم هو بعينه بإصراره علي إنكار الزمن. ومع ذلك فإن هذه الملاحظات تبدو شكلية جدا عندما تقارن بموقف الرجل من قضايا أخطر منها مثلا ما يتعلق بمباحث أمن الدولة التي يري ضرورة إعادة عملها فليس هناك دولة محترمة بدون أمن دولة.. لا أعرف لماذا نسي الفريق أن الجهاز مازال يعمل وإن كان تحت مسمي آخر »الأمن الوطني«.. وبصماته مازالت واضحة فيما يجري حولنا من أحداث لكن يبدو أن الأداء المتواضع الآن عمدا لا يعجب الفريق وكأنه يريد العودة لنفس الأداء المتميز في انتهاك الكرامة وكبت أصوات المعارضة. هو لا يستطيع إذن الخروج من قالب تفكير النظام السابق.. بدا ذلك واضحا أيضا من سخريته من المرشح المنافس له الدكتور أبوالفتوح الذي وصفه بأنه بلا خبرة سياسية وأنه قضي عمره يوزع البطاطين علي المنكوبين وهذا العمل الإنساني بالطبع لا جدوي له ولا قيمة في نظر الفريق الذي لا يترك مناسبة إلا ويذكرنا فيها بأنه رجل محارب »قتل وانقتل«!! وكأن لا يحق لمدني التفكير في الترشح لمنصب الرئاسة وكأن المنصب حكر فقط علي »العسكر«.. ويبدو أن الهتاف الثوري المطالب »بسقوط حكم العسكر« لم يصل لمسامعه بعد.. ليس بفعل الزمن أو حتي دوي الطائرات التي من المؤكد أنها أثرت عليه وإنما لأنه ابن نظام تربي فيه علي ألا يسمع سوي الأصوات المؤيدة لفكره ولا يعبأ بالأصوات المعارضة فيتجاهلها عن عمد كأنها لم تكن.. للأسف لم يتعلم الرجل من الدرس الذي تلقاه رئيسه، أو ربما يكون قد تعلمه لكنه العناد وهي سمة أخري تبدو مشتركة بينه وبين المخلوع.. شفيق يرفض الاعتراف بالهزيمة.. يطرد من شباك اللجنة الرئاسية فينجح في فتح الباب ليدخل مرة أخري، أو بمعني أدق يساعده غيره علي الولوج مرة أخري من خلال متاهات قانونية وألغاز دستورية.. لا ندري حتي الآن إلام تنتهي.. بقبول أم برفض الفريق؟.. وإن كان من المؤكد أن ما يحدث يفتح باب الشكوك علي مصراعيه حول مدي دعم العسكر للفريق ليوقن البعض أن شفيق هو مرشح العسكر حتي وإن أكد المجلس العسكري مرارا أنه يقف علي مسافة واحدة من المرشحين.. عام ونصف من أداء المجلس يجعلنا نتشكك كثيرا في أن الأقوال تأتي مطابقة للأفعال.. فالواقع يدفعنا للظن، وسوء الظن من حسن الفطن. عموما وبعيدا عن التفاصيل التي يكمن دوما فيها الشياطين تبقي كلمات الفريق وآراؤه وأفكاره عصية علي قبول البعض.. لا تفلح معها الهتافات المفتعلة لأنصاره بل علي العسكر لا تزيد هؤلاء وأنا منهم إلا نفورا.. نشعر أمامها أن الرجل وأنصاره مصرون علي »الكتالوج القديم«.. تصفيق بلا ضابط ولا معني.. شعارات قديمة فقدت صلاحيتها أو مقتبسة بتبجح من الثورة.. ومع ذلك لا تصل للقلوب لا يبقي سوي أن يردد هؤلاء »المنحة ياريس« أو البونبون ياريس »بلغة الفريق«.. يغفل هؤلاء أن مثل هذه الألاعيب لم تعد تنطل علي أحد.. وقريباً سيدركون الحقيقة عندما تأتي نتائج الانتخابات بما لا تشتهي سفن الفلول.