هل كانوا يحبون السادات؟ رجاء النقاش في كتابه «ستون عاما من الصراع في الشرق الأوسط» ألقى مؤلف الكتاب «أندريه فيرساي» سؤالا وجهه إلى الدكتور بطرس غالي وإلى شيمون بيريز معا، وفي هذا السؤال قدم فيرساى تعليقا على الاستقبال الشعبي الكبير الذي لقيه السادات في إسرائيل، أثناء زيارته المعروفة لها، والتي قام بها في 21 نوفمبر سنة 1977، فقال: كيف تفسر الاستقبال الذي لا يصدق للشعب الإسرائيلي؟ لقد تلقى السادات ترحيبا لم يحلم به أي رجل دولة آخر، حتى لو كان الأكثر شعبية في العالم؟ كان السؤال كما سبقت الاشارة إلى الدكتور بطرس غالي وإلى شيمون بيريز، رئيس دولة إسرائيل الآن، فماذا كانت إجابة الاثنين؟ لقد أجاب بطرس غالي قائلا: كان هذا الاستقبال الشعبي الكبير راجعا لأن الإسرائيليين كانوا يحلمون دائما بالسلام مع مصر، وفي اعتقادي فإن مصر تحتل مكانة خاصة في المخيلة الإسرائيلية، ومصر تلعب دورا كبيرا في التوراة، ولكن بالطبع هناك أسبابا عقلانية، ولا أريد أن أقلل من التلقائية الإسرائيلية، لكني أعتقد أن تحت هذا الحماس الكبير في استقبال السادات يكمن الأمل في أن إقامة السلام المنفصل مع مصر، سوف يجنب إسرائيل كل حرب في المستقبل، وهنا أتذكر كلمات كيسنجر: «دون سوريا، لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط، ولكن دون مصر لن تكون هناك حرب». تلك هي إجابة بطرس غالي، أما إجابة شيمون بيريز فقد قال فيها: إن الشعب الإسرائيلي في أغلبيته الساحقة كان يتطلع إلى السلام، وقد كان الحماس الشعبي الهائل في استقبال السادات له تفسير اضافي هو تأثير المفاجأة، فلم يتخيل أحد في إسرائيل مبادرة مماثلة من زعيم أول دولة عدو لإسرائيل، وهي دولة تعيش معها في حالة حرب منذ ثلاثين عاما وقد خضنا معها أربع حروب «48 و56 و67 و74»، وها هو عدونا اللدود يأتي إلينا ليعرض علينا السلام، لقد هز خبر زيارة السادات كل الإسرائيليين، وعندما ظهر السادات يوم 21 نوفمبر 1977 من باب الطائرة، وبدأت الفرقة الموسيقية الإسرائيلية تعزف السلام الوطني المصري، كتمت إسرائيل كلها أنفاسها، وكان من الصعب على العيون أن تحيد عن وجه الرئيس المصري، لم يكن من الممكن ان يصدق الإسرائيليون عيونهم: ماذا؟ إنه هو؟! حقيقة هو؟ هنا؟! في بلدنا؟!، حتى الصحافة الأكثر إمعانا في التحليلات فوجئت بالموقف. لم يكن هناك أي شخص بإمكانه النظر إلى الموقف من بعيد بحيث يستطيع أن يقوم بتحليل دقيق له، وقد قلنا إن السادات بمجيئه إلى القدس كسر كل المحرمات العربية، ولكنه أيضا وبشكل من الأشكال، قام بكسر المحرمات الإسرائيلية، وبالأخص فإنه برر الأحكام المسبقة والأكثر حدة. وقد عاد الصحفي الفرنسي «فيرساي» إلى توجيه سؤال آخر لشيمون بيريز يقول فيه: سمعنا أن البعض في إسرائيل كانوا يتخوفون من «عملية ملتوية»، فبدلا من الرئيس المصري والوفد المرافق له، ستحمل الطائرة التي ستهبط في تل أبيب فرقة كوماندوز انتحارية، مهمتها التخلص من النخبة السياسية الإسرائيلية التي ستكون موجودة في كامل هيئتها في المطار، وقد أجاب بيريز عن هذا السؤال قائلا: لقد ترددت هذه الأقاويل بالفعل، ولكن بصراحة، لا أعتقد أن عددا كبيرا شارك في الشعور بهذه المخاوف، لأن الجميع كان يعلم ان هذه المبادرة اتخذها السادات شخصيا وهو وحده ضد رأي كل الزعماء العرب وضد رأي موسكو». هذا ما جاء في كتاب «ستون عاما من الصراع في الشرق الأوسط».. ترجمة الزميلة الصحفية ليلى حافظ، ونستطيع ان نخرج من الكلام السابق عن الاستقبال الشعبي الكبير للسادات في إسرائيل، والذي يوصف بأنه لم يسبق له مثيل، بأنه دليل واضح على أن الشعب الإسرائيلي يحلم بالسلام ويتمناه ويتشوق إليه، وذلك لكي يحس بالاطمئنان ويتجنب ذلك الشعور الدائم بالخوف، فالإسرائيليون يشعرون أنهم يعيشون في معسكر وليس في دولة، ولاشك أن الإسرائيليين عندما قام السادات بزيارتهم قد أدركوا ان السلام والشعور بالأمان ممكنان، علما بأن سوء حظ الإسرائيليين الراغبين في السلام أن لديهم زعماء لا يرغبون إلا في الحرب والعدوان والتوسع وهم يرتكبون عامدين جميع الأخطاء التي تقتل السلام وتفتح الباب لحروب لا تنتهي. عن صحيفة الوطن القطرية 15/8/2007