طاهر العدوان في محاولة لمواجهة الحملة الشعبية ضده اعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس, ان قرار تأجيل التصويت على تقرير جولدستون جاء بطلب من الدول العربية, قد يكون هذا صحيحا, لكنه لا يعفيه من المسؤولية عن هذه السقطة الكبيرة التي ارتكبها, فالقرار اولا واخيرا, يتعلق بالقضية الفلسطينية, والمسؤولية لا يتحملها احد غيره.
بالمقابل, كشفت (هآرتس) الاسرائيلية امس »ان عباس هو من اتخذ قرار مطالبة مجلس حقوق الانسان في جنيف بتأجيل مناقشة تقرير جولدستون بشأن الحرب على غزة«, فيما هو قرر, تشكيل لجنة وطنية للتحقيق في هذا التأجيل!!.
على ان ما ينكره عباس, وما تحدثت عنه هآرتس, وما اعلنه رئيس منظمة الدول الاسلامية, الذي أكد بان التأجيل جاء بطلب فلسطيني, وما كشفته استقالة باسم خوري وزير الاقتصاد في حكومة سلام فياض التي تحمل طابعا احتجاجيا, يجعلنا امام كشف غير مسبوق عن جوهر السياسة المتبعة الآن, فلسطينيا وعربيا, في ادارة الصراع مع اسرائيل, وبما يفضح ماهية الارادات الرسمية الفلسطينية والعربية التي تقف خلفها.
المطلوب, ليس لجنة تحقيق فلسطينية يشكلها عباس لامتصاص النقمة عليه وتغطية سقوطه الكبير, الاخلاقي والسياسي والنضالي, انما المطلوب لجنة تحقيق شعبية, عربية ودولية, تضم نقابات المحامين والقضاة ولجان حقوق الانسان للتحقيق في قرار تأجيل التصويت على تقرير جولدستون, على ان تتخذ هذه اللجنة من (مؤتمر ديربان) العالمي لحقوق الانسان مظلة لتحركاتها وتقريرها.
فالوقائع والقرائن تؤكد بان من يقف وراء قرار التأجيل ليس عباس وحكومة فياض فقط, بل هناك صف طويل من ممارسي (العقلانية السياسية) في العواصم الرسمية العربية الذين يتعاملون مع القضية الفلسطينية كبوابة للحصول على رضا البيت الابيض ودول النفاق الاوروبية متجاهلين انها قضية مركزية للامة, تتعلق بالمصير والمستقبل والوجود العربي.
جريمة اسرائيل, او جرائمها ضد الانسانية في غزة لا تزال ماثلة على الارض وفي المشاهد اليومية لقطاع مدمر, واشخاص يندبون فقدان وابادة أسر بأكملها, بعضها, عندما ذبحت بدم بارد كانت ترفع الراية البيضاء للدلالة على انهم مدنيون.
وكان الاحرى, بالساسة جميعا, الذين ايدوا بالقول, او مارسوا الدبلوماسية بالفعل لتشجيع عباس على طلب تأجيل التصويت على تقرير جولدستون ان يتذكروا مأساة غزة, وان يتذكروا اكثر تقاعسهم وتقصيرهم في مد يد العون لشعب القطاع الاعزل المحاصر اثناء الحرب, عندما تحول الى ميدان تجارب للقنابل الفسفورية والحارقة والنابالم والاسلحة الكيماوية.
لقد كانت مناقشات جنيف فرصة لصحوة الضمير وغسل الخطايا, لكن ما حدث العكس, انه الامعان في تشجيع قادة العدو على الافلات من العقاب بل وحصد المكاسب والجوائز.
اليوم, وبعد مرور اكثر من 60 عاما على ما يسمى ب »المحرقة« النازية ضد اليهود, هناك قوانين في اوروبا تدين بالسجن من ينكرها.
ونحن كعرب وفلسطينيين, نعمل - ببساطة - على اسقاط مثل هذا الحق, في ملاحقة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا محرقة جرت بالبث الحي, بالصوت والصورة, محرقة حدثت فقط منذ 9 اشهر ولا يزال لحم ودماء الفلسطينيين ساخنا في حملة الرصاص المسكوب, ثم يريدون لهذا »السقوط الكبير في جنيف« ان يكون مجرد خبر عادي تحت النقاش. لا.. ما حدث يستحق موقفا مضادا بمضمون المحاكمة الادبية والقانونية والاخلاقية.
ما وقع في جنيف يحتاج الى توثيق بالادانة التاريخية, بتشكيل لجنة من منظمات المجتمع المدني بطابع دولي للتحقيق في السقوط الكبير في جنيف. وعلى الساحة الدولية.
هناك صف طويل من القادرين على القيام بهذه المهمة الانسانية من مناهضي سياسات العولمة المتوحشة, ومن جماعات حقوق الانسان الدولية ومن الانصار الاوروبيين والدوليين الذين لهم صوت قوي في مجال حقوق الانسان وادانة المجرمين والكشف عن المتواطئين, لان منظمات المجتمع المدني وليست الحكومات من بات يمثل صوت الضمير العالمي والعدالة والسلام الحقيقي.0