المجاهرة بالفطر في نهار رمضان دون عذر شرعي أسوأ مظاهر السلوك الاجتماعي بين المسلمين ، وتعتبر جريمة من الجرائم التي تحدث عنها فقهاء الشريعة، لان من يمارسون هذا السلوك إنما يرتكبون جريمة كبيرة اسمها "انتهاك حرمة نهار رمضان"، وهي جريمة تهاونا نحن اليوم فيمن يرتكبها، رغم أن المجتمع الإسلامي درج علي معاقبة فاعليها عبر العصور الإسلامية، بل ان هناك قوانين معاصرة في عدد من الدول العربية والإسلامية تجرمها وتفرض عقوبة علي الواقعين فيها.
فقد تصدي عدد كبير من الدول الإسلامية لمعاقبة هؤلاء المجاهرين بالفطر، مثل المملكة العربية السعودية التي فرضت عقابا رادعا لهؤلاء، وفي دولة كأفغانستان نجد أن من يجاهر بالفطر يتعرض لأشد أنواع الضرب والاهانة، وفي جزر القمر يتعرض المجاهر بالفطر لعقوبة السجن، وهناك قانون خاص بالجهر بالافطار طبق في العديد من الدول الاسلامية ويفرض أكثر من عقوبة للمجاهر كالغرامة والحبس والجلد.
وقد أحسنت بعض الدول الاسلامية الأخري صنعا حينما أصدرت قراراتها بإغلاق المطاعم ومحلات الطعام والشراب في نهار رمضان حتي لا يجد هؤلاء المجاهرون فرصة للجهر بإفطارهم وكذلك أصدرت دولة مثل السنغال قرارا بإغلاق الملاهي والكازينوهات طوال شهر رمضان للمحافظة علي حرمة هذا الشهر.
وفي مصر، بلد الأزهر وقلعة الاسلام، هناك منذ سنوات مشروع قانون مطروح علي مجلس الشعب لمعاقبة المجاهرين بالافطار، تقدم به الشيخ منصور الرفاعي عبيد يوم أن كان عضوا في مجلس الشعب ، وينص علي معاقبة كل من يجاهر بالافطار في نهار رمضان بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أيام، وغرامة لا تقل عن مائة جنيه، مع الحبس شهرا لمن يفتح مطعما أو يسهل تناول الطعام جهارا في نهار هذا الشهر ولكن المشروع لم يشاهد النور حتي الآن .
وقد أيد هذا المشروع عدد كبير من علماء الازهر منهم الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الازهر السابق ، والدكتور محمد سيد أحمد المسير، رحمه الله، والدكتور محمد سالم عجوة والذين اكدوا علي ضرورة هذا القانون حيث إن المجاهرة بالفطر في شهر رمضان تمثل أسوأ مظاهر السلوك الاجتماعي بين المسلمين ويجب أن يتم ردع هؤلاء حتي تنتهي هذه المناظر السيئة.
ولقد أكد العلماء أن المفطر عمدا من غير عذر مع اعترافه بأن الصوم فرض ، حكمه أن يحبس حتي يتوب ويظهر من آثار التوبة ما يعرف عنه أن توبته توبة نصوح. وقال الصفوري الشافعي: لو امتنع انسان عن الصوم لغير حاجة حبس ومنع من المفطرات.
وشدد البعض في العقوبة، حتي قالوا إن المصر علي ترك الصوم دون عذر يقتل، وقال الشرنبالي وهو من اتباع أبي حنيفة: إذا تعمد من لا عذر له الأكل جهارا يقتل به لأنه مستهزئ بالدين أو منكر لما ثبت منه بالضرورة، ولا خلاف في حل قتله والأمر به.
ولو رجعنا الي التاريخ الإسلامي نجد أن حرمة نهار رمضان والمحافظة علي مشاعر الصائمين كانت تراعي حتي من أصحاب الديانات الأخري والي وقت قريب فكانوا يوقرون شعور المسلمين فلا يأكلون ولا يشربون أمامهم في نهار رمضان. ويروي بعض المؤرخين أن أحد المجوس رأي ابنه يأكل في رمضان فضربه وقال له: هلا حفظت حرمة المسلمين في رمضان؟!
وبعض هؤلاء كان يصوم رمضان بالفعل مجاملة للمسلمين كالأديب العظيم أبي اسحاق الصابي. ولم يكن المسلمون الأوائل وعلي رأسهم الخلفاء الراشدون - رضوان الله عليهم - يسكتون عن مثل هذه الجرأة الصارخة علي انتهاك حرمة رمضان من المجاهرين بالفطر، فقد أتي عمر بن الخطاب برجل شرب الخمر في رمضان فعنفه علي فعلته وأمر بضربه ثمانين سوطا، ثم نفاه الي الشام.
وفي عهد الملك الكامل الايوبي كان يأمر في رمضان بإغلاق محلات الخمور في القاهرة وجميع انحاء البلاد واغلاق المطاعم والمقاهي نهارا، ويمسك البغايا والقيان، وكان يذيع هذا النداء: يا أهل مصر قد أظلكم شهر مبارك من لم يصمه بغير عذر شرعي فقد باء بغضب الله عليه واستحق أشد أنواع العقاب، واستهدف لغضبنا عليه وانزال أشد عقوبتنا به.
وكان عند ثبوت الرؤية ينزل بنفسه في أول يوم من رمضان لمباشرة الأسواق وتفقد أحوال الرعية فإذا صادف مفطرا وتبين أنه أفطر تهاونا بحرمة الشهر أمر بطرحه وضربه ضربا مبرحا. ومن هنا يتبين أن المحافظة علي حرمة شهر رمضان ومعاقبة المجاهرين بالفطر في نهاره كانت موضع اهتمام الخلفاء والولاة والحكام المسلمين علي مر العصور الإسلامية.