لبنان .. وحكومة الوحدة الوطنية...؟ د. فيصل الرفوع وأخيرا، وبعد مخاض عسير استمر ستة أسابيع منذ اتفاق الدوحة الذي وقع بين الفصائل اللبنانية في 11 أيار- مايو 2008، شهدت سماء الأمة العربية ميلاد حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية، على أساس مبدأ: لا غالب ولا مغلوب، حيث حصلت الموالاة على ست عشرة حقيبة والمعارضة على إحدى عشرة حقيبة في حين كانت هنالك ثلاث حقائب من نصيب رئيس الجمهورية. وبذلك استطاعت المعارضة الحصول على الفيتو في مجلس الوزراء المكون من ثلاثين حقيبة وزارية، وبالرغم من ذلك، فان أهمية هذا الإنفاق وانعكاساته على حاضر ومستقبل لبنان، أهم بكثير من عدد الحقائب التي حصل عليها هذا الطرف أو ذاك. وأي متابع للأحداث المؤسفة التي مر بها القطر اللبناني منذ سنتين تقريبا وحتى اليوم، خاصة خلال الفترة من8 إلى 13 مايو- أيار 2008، حيث شهدت اعنف خرق للسلم الأهلي والاجتماعي اللبناني منذ انتهاء الحرب الأهلية وتفاهمات الطائف عام 1989، يرى بأن البشرى بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية، جاءت في اللحظة التي ينتظرها أبناء الأمة وتواقين لسماعها، وهي العودة باللبنانيين إلى صميم التراث اللبناني المبني على التوازن والحوار والعيش المشترك لكافة طوائفه. ويبدو أن الحكمة العربية واللبنانية أصابت كبد الحقيقة هذه المرة، لأن البديل هو التدويل ونزف مزيد من الدماء اللبنانية، والتي لن يستفيد منها سوى أعداء الأمة ومبغضيها. لقد أدرك اللبنانيون، قبل غيرهم، بان إشهار السلاح في وجوه بعضهم البعض سيقود إلى دوامة عنف لن يسلم منها أي لبناني. فالمعارضة وعلى رأسها حزب الله الذي يملك القوه منفردا في لبنان، تعلم جيدا بان إلغاء الآخر، لن يكون في صالحها وسيقود في المحصلة النهائية لتطبيق القرار الاممي رقم 1559 ، القاضي بنزع سلاح حزب الله، هذا السلاح الذي شكل في يوم ما أمل الأمة العربية بملايينها أل 350 مليون نسمة، للوقوف بوجه الغطرسة الصهيونية. كما تدرك المعارضة بأن المجد الذي حققته المقاومة اللبنانية في الشارع العربي جاء من لدن العرب دون النظر للطائفة أو المذهب ، وللإنصاف فان حزب الله لم يبدأ حزبا طائفيا، بل حركة تحرير قومية. كما أدركت المعارضة بان اللوبي الصهيوني في الإدارة الأمريكية ما زالت تحكمه تداعيات هزيمة إسرائيل الحزيرانية عام 2006 على يد المقاومة اللبنانية، وبالتالي فان عقدة الانتقام ما زالت قائمة وتحدد سلوكه من اجل الإيقاع بين أخوة العقيدة والدم، الشيعة والسنة في لبنان، والتي قد تمتد شرارة شرها، لا قدر الله، إلى شرخ بين المسلمين والمسيحيين. وبالمقابل فان كلا من الحكومة والموالاة، أبدتا قدرا من المسؤولية للمصلحة اللبنانية العليا، وبالتالي أدركتا، ومن اجل لبنان وتفويت الفرصة على المتربصين به وسلمه الوطني، بأنه لا بد أولا، من التراجع عن قراريها المتعلقين بشبكة اتصالات حزب الله وتغيير مسؤول امن مطار الشهيد رفيق الحريري في بيروت، وثانياً، ومن اجل الوصول إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، تنازلت للمعارضة عن الثلث الضامن، الذي ما فتئت الأخيرة تطالب به طوال فترة الاحتقان الماضية . إن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية، تمثل الخطوة الأولى لحماية لبنان بشكل خاص و النظام العربي بشكل عام، وجعله في منأى عن الأجندات الأجنبية، التي تحاول تصفية حساباتها على حساب مصلحة لبنان والأمة العربية. عن صحيفة الرأي الاردنية 14/7/2008