جاءت حصيلة جهود الجامعة العربية لتقريب وجهات النظر مخيبة للآمال ولتكشف اصرار فريق السلطة على الاستمرار في سياسة التفرد والهيمنة ووضع العراقيل امام اقامة حكومة وحدة وطنية، وفق ما ينص عليه الدستور، فيما شكل الهجوم، الذي تعرضت له قوات اليونيفيل في سهل الخيام، في الجنوب مؤشرا جديداً على الاستهداف المتواصل للامن والاستقرار ومحاولة لتعميم الاضطراب وعدم الاستقرار الامني في كل مناطق لبنان. وقد طرحت هذه التصورات الكثير من الأسئلة حول اسباب تعطيل الحلول السياسية، والاهداف المراد بلوغها من وراء استهداف اليونيفيل، وقبلها اطلاق صواريخ الكاتيوشا من الجنوب باتجاه المستعمرات الصهيونية في شمال فلسطين، والجهات المستفيدة من ذلك.
بعد اقرار المحكمة الدولية في مجلس الامن تحت الفصل السابع، ومن خارج الاطر الدستورية اللبنانية، يبدو ان الاستهداف الثاني في اطار الاجندة الاميركية، يكمن في السعي إلى تدويل الامن في لبنان، عبر تعديل القرار 1701 بما يسمح بتوسيع مهمة اليونيفيل وزيادة عددها إلى 25 ألف جندي.
وتقضي الخطة حسب المعلومات بنشر خمسة آلاف جندي على طول الحدود اللبنانية - السورية، ووضع خمسة آلاف آخرين بتصرف حكومة فؤاد السنيورة، وابقاء 15 ألفا في الجنوب.
وفي حال تم تحقيق ذلك فإنه يعني انتشار القوات الدولية في كل الاراضي اللبنانية وتحكمها بالامن الداخلي والغاء الامن الوطني، بذريعة حماية وجودها وطرق امدادها وتنقلاتها، التي تشمل كل الأراضي اللبنانية، بعد ان تكون قد انتشرت إلى جانب انتشارها في الجنوب، على طول الحدود مع سوريا من البقاع إلى الشمال، مرورا بالجبل وبيروت، بالاضافة لوجودها على طول الشاطئ اللبناني. ويوفر مثل هذا الانتشار، مع توسيع مهمة القوات الدولية لتصبح تحت الفصل السابع، الفرصة لفريق السلطة، ومن ورائه الولاياتالمتحدة لمحاصرة وتضييق الخناق على حركة المقاومة وتنقلاتها ونقل الذخائر والاسلحة من منطقة إلى أخرى، خصوصاً في حالة حصول عدوان اسرائيلي جديد على لبنان، حيث يؤدي مثل هذا الانتشار إلى السيطرة على مفاصل الطرق الرئيسية ومراقبة مناطق وجود المقاومة والتجسس عليها.
ويخطط من وراء هذا الحضور الكثيف للقوات الدولية، على مساحة صغيرة مثل لبنان، من اجل استخدامها قوة ضاربة من قبل الحكومة اللبنانية برئاسة السنيورة، بديلا عن الجيش اللبناني، الذي رفض القيام بهذا الدور، وذلك بهدف استكمال تنفيذ القرار 1559 لنزع سلاح المقاومة والسلاح الفلسطيني وصولا إلى جلب المتهمين الشهود إلى المحكمة الدولية، عندما تبدأ بممارسة مهامها، بعد تشكيلها، وإلى جانب ذلك فإنه يراد من خلال نشر هذه القوات على طول الحدود مع سوريا زيادة منسوب التوتر وخلق المناخات لإحداث القطيعة الكاملة مع سوريه، واقفال الحدود، من اجل تبرير اقدام فريق السلطة على فتح طريق مباشر إلى الاردن يمر عبر الاراضي الفلسطينيةالمحتلة، والجولان السوري المحتل، بما يمهد لتطبيع العلاقات مع اسرائيل وصولا إلى توقيع اتفاق صلح معها على غرار اتفاق 17 آيار المشؤوم.
في هذا الاطار يمكن وضع الاحداث الامنية، التي حصلت وتحصل على الساحة اللبنانية ان كان في شمال لبنان ومخيم نهر البارد، أو عبر التفجيرات المتنقلة وعودة الاغتيالات السياسية، أو استهداف قوات اليونيفيل، وقبل ذلك اطلاق صواريخ الكاتيوشا من جنوب الليطاني باتجاه المستعمرات الصهيونية في شمال فلسطينالمحتلة.
ويظهر انه يراد لهذه الاحداث، المبرمجة والمدروسة، ان تحدث قلقا دوليا، وان تشكل مادة تحضر امام مجلس الامن الدولي، وتوجد الذريعة لواشنطن لاعادة طرح مسألة توسيع مهمة اليونيفيل، عبر تعديل القرار 1701، وبالتالي العودة إلى مضمون مشروع القرار الاميركي - الفرنسي، قبل تعديله، والذي ينص على اعطاء القوات الدولية حق استخدام القوة.
ينظر إلى هذا التوجه في الاجندة الاميركية في شقها اللبناني، على انه خطوة ضرورية من اجل الامساك بالورقة اللبنانية، عشية الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وهذا ما يفسر التركيز والتصويب الواضح، من قبل الفريق الاميركي في لبنان، على اتهام سوريا بتهريب السلاح، وتصدير الارهابيين عبر حدودها إلى لبنان، وضرورة تقديم مساعدة دولية لضبط هذه الحدود، باعتبارها اولوية يساعد تحقيقها على تمكين فريق الاكثرية من اجراء انتخاب رئيس جديد للجمهورية بالنصف زائد واحد، وتوفير الاعتراف الدولي والعربي به، كما حصل على صعيد دعم رئيس السلطة الفلسطينية في تشكيل حكومة الطوارئ الفلسطينية والاعتراف بها.
غير ان تحقيق مثل هذا الهدف من الخطة ليس من السهل بلوغه هذه المرة من دون حصول خطوات تلجأ اليها المعارضة قبل أو بعد اقدام الموالاة على خطوة انتخاب رئيس من خارج القواعد الدستورية، ومن ضمن هذه الخطوات التي تدرسها المعارضة، ويجري التداول فيها، اقدام رئيس الجمهورية العماد اميل لحود على اجراء مشاورات تشكيل حكومة انتقالية في البلاد للحيلولة دون حصول فراغ دستوري بعد انتهاء مدة ولايته الدستورية في ظل رفض فريق الاكثرية تشكيل حكومة وحدة وطنية وإمعانه في مخالفة الدستور وسعيه الى تكريس امر واقع بدعم اجنبي.
ولهذا فإن كل التوقعات تشير الى ان تضاؤل احتمال التسوية والاتفاق بين المعارضة والموالاة يقود الى مزيد من التوتر والانقسام وبقاء الازمة مفتوحة الى ان تنضج ظروف التسوية في المنطقة بعد انسداد كل الآفاق امام ادارة جورج بوش لتفادي الخروج من العراق من الحصول على اثمان مقابلة. كاتب لبنانى .......