أوباما والطريق إلى البيت الأبيض نصر طه مصطفى حتى الآن فإن كل استطلاعات الرأي تؤكد أن حظوظ المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية باراك أوباما قوية وأنه متقدم على منافسه الجمهوري جون ماكين وأن هذا التقدم سيظل كما هو إن لم يرتفع الفارق لمصلحة أوباما، ولذلك فإن الشكوك بدأت تساور الكثيرين في حتمية حدوث ما قد يمنعه من الوصول إلى البيت الأبيض سواء بالاغتيال أو بتشويه صورته أو بأي مفاجأة من أي نوع كان، والسبب في ذلك أنه أسود وأنه أول مرشح أسود في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية يحظى بترشيح أحد الحزبين الكبيرين في هذا البلد، وأن المجتمع الأمريكي ليس لديه استعداد أو تقبل حتى الآن لمبدأ وجود رئيس أسود أو امرأة رئيسة. لكن ما جرى حتى الآن منذ بداية حملة مرشحي الحزب الديمقراطي للرئاسة بداية هذا العام قلب كل التوقعات وفتح كل الاحتمالات، فالجميع كان يراهن على فوز هيلاري كلينتون عضو مجلس الشيوخ وزوجة الرئيس السابق بيل كلينتون بترشيح الحزب الديمقراطي خاصة وأن أوباما لم يكن في الحسبة من قريب أو بعيد لكنه من الوهلة الأولى انطلق كالسهم لا يأبه لشيء وتمكن من إزاحة جميع منافسيه من الشهر الأولى عدا هيلاري التي قاومت بشراسة مستفيدة من رصيد زوجها الشعبي الكبير ومراهنة على كسر حاجز الترشيح للرئاسة الأولى أمام المرأة، إلا أنها استسلمت أخيرا وعقدت اتفاق مصالحة مع أوباما لدعمه في مواجهة المرشح الجمهوري العجوز جون ماكين!
كسر الحزب الديمقراطي العقدة التاريخية بالنسبة للسود والنساء على السواء في ما يتعلق بالترشح للرئاسة الأولى وأصبح ذلك ممكناً من الآن وصاعداً، فالسود والنساء في هذا البلد الكبير والأقوى على الساحة الدولية لم ينالوا حقوقهم السياسية إلا في الثلث الثاني من القرن العشرين فقط وليس قبل ذلك رغم أن الديمقراطية موجودة وممارسة منذ الاستقلال عام ،1776 ومع ذلك لا يمكن اعتبار حداثة حصولهم على حقوقهم السياسية بأنها المعوق الأساسي لعدم ترشح أسود أو امرأة للرئاسة خلال السنوات السابقة، فالعبرة في هذا الأمر هي بحجم انتشار الوعي والتعليم وثقافة المساواة والحرية والديمقراطية. ومن المؤكد أن المجتمع الأمريكي يعيش هذه الأمور حقيقة واقعة، كما أنه أكثر المجتمعات الغربية تسامحاً وانسجاماً وتقبلاً للأجنبي وتقبلاً للآخر بحكم أن أصول مكوناته الاجتماعية خليط من كثير من أجناس العالم، ويكفي دليلاً على ذلك باراك أوباما نفسه الذي جاء والده من كينيا وليس جده الثالث أو الرابع وهو اليوم المرشح الأوفر حظاً لرئاسة أقوى بلد في العالم. ولا شك أن المرشح الجمهوري ماكين سيجد نفسه في موقف حرج وصعب أمام هذا المرشح الشاب الذي قد يؤدي وصوله للبيت الأبيض إلى تغيير هائل في المزاج الأمريكي وفي القيم السياسية التقليدية الأمريكية، فماكين هو امتداد مباشر في الذهنية الأمريكية لحكم الرئيس جورج بوش الابن الذي أقحم الولاياتالمتحدة في حروب خارجية باسم مكافحة الإرهاب الذي بدا وكأنه عدو تم تضخيمه أكثر من اللازم، والذي أي -جورج بوش- شهد الاقتصاد الأمريكي في عهده أسوأ أوضاعه على كل الصعد، ناهيك عن أن ماكين أكد أن سياسته في العراق ستستمر كما هي في عهد الرئيس بوش. كما أكد أن الإرهاب مازال الخطر الأكبر الذي يواجه الولاياتالمتحدة، بينما يبدو أوباما رغم بشرته السمراء امتدادا في الذهنية الأمريكية لعهد الرئيس السابق بيل كلينتون الذي وصل ازدهار الاقتصاد الأمريكي في عهده إلى أفضل مراحله وظل محافظاً على المستوى الكبير لشعبيته حتى آخر يوم في ولايته الثانية حتى قيل أنه لو ترشح لولاية ثالثة لفاز بها بسهولة، كما أن الخطاب الانتخابي لأوباما وانطلاقته القوية تحت شعار التغيير أعاد التذكير هو الآخر بالرئيس كلينتون وحملته الانتخابية القوية، إلى درجة أن أوباما تمكن من استنهاض مئات الآلاف من الشباب الأمريكي الذي اعتاد أن يقف موقفاَ سلبياَ من الانتخابات الأمريكية باعتبارها في نظره إعادة إنتاج لنفس السياسات وإن تبدلت الوجوه، وهو ما لم يفعله أي مرشح سابق. ومع ذلك فقد بدأ أوباما يراجع بعض وعوده الانتخابية السابقة بعد أن أصبح مرشح الحزب الديمقراطي إذ إنه أعاد النظر في سحب القوات الأمريكية من العراق خلال ستة عشر شهراً وبدأ بطرح خيارات أخرى تمتد لحوالي سنتين أو أكثر وذلك أمر طبيعي في ظل الوضع الحالي القائم في العراق والذي لا يعطي أي رئيس قادم مساحة واسعة من الخيارات، ومثل هذا التراجع الواقعي عن بعض الوعود السابقة قد لا يجد تفهماً من ناخبي أوباما الضائقين من الحرب في العراق.
يبدو المجتمع الأمريكي في هذه المرة أمام امتحان إنساني صعب قبل حتى أن يكون امتحاناً سياسياً، فالتصويت لمصلحة مرشح أسمر من أصل إفريقي وأب مسلم، هو أمر سيحدد حجم انتصار هذا المجتمع لقيم الديمقراطية والحرية والمساواة، ناهيك عن المعنى السياسي المهم الذي سيكرسه الأمريكيون بالانتصار لأوباما في الانتخابات المقبلة لأنهم بذلك يمكن أن يحققوا مكسبين الأول تأكيد تجاوزهم للقيم العنصرية، والثاني إنقاذ أنفسهم والعالم من جحيم المحافظين الجدد. عن صحيفة الخليج الاماراتية 13/7/2008