تزامناً مع مرور العيد التاسع عشر للوحدة اليمنية, جرت مجموعة من الأحداث المتلاحقة على الساحة اليمنية توضح أن هناك أيدي خفية تحاول العبث بأمنه واستقراره, فبعد إعلان علي سالم البيض الرئيس السابق ل "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الشطر الجنوبي من البلاد" عن عودته للعمل السياسي وتعهده بالعمل لأجل انفصال جنوب اليمن عن الشمال قامت مجموعة من المظاهرات الجنوبية, والتى نتج عنها اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين أسفرت عن مقتل وجرح العديدين .
ُإن هذه التطورات المؤسفة تطرح عددا من التساؤلات حول من يقف وراء سيناريو تفتيت اليمن ؟ ومن المستفيد في حال حدوث هذا الانفصال ؟ وهل لإيران دور فيما يحدث ؟ هل هناك علاقة بين ما يحدث ومظاهرات الشيعة الأخيرة فى السعودية ؟ هل سيناريو الانفصال قادم لا محالة ؟وأين دور جامعة الدول العربية مما يحدث ؟
إن ما يجري في اليمن يسير وفقا لسيناريو محكم قامت بتأليفه جهتان, إحداهما جهة داخلية "عن غير قصد منها", وهى الحكومة اليمنية, والأخرى خارجية تتمثل فى نظام الملالى الإيرانى, وأحلام توسع النفوذ الشيعى فى المنطقة.
إذن أبحث عن نظام الملالى فى إيران تعرف من المتسبب فى أحداث اليمن, فخلال الفترة السابقة طالعتنا وسائل الإعلام بحديث لوزير الإعلام اليمني حسن اللوزي فى حوار مع "قناة العربية الإخبارية" نهاية شهر مايو الماضى, والذى شن خلاله هجوماً عنيفاً على بعض المرجعيات في طهران، متهماًَ إياها بالسعي إلى تفتيت الدول العربية "وبالطبع من ضمنها اليمن", إلى كانتونات مذهبية وطائفية تنفيذاً "لمخطط صهيوني", وهى اتهامات خطيرة للغاية, وخطورتها أنها صادرة عن مسؤول يمني فى جهة سيادية.
وفى نفس السياق بث التلفزيون السعودي اعترافات القائد الميداني للقاعدة محمد عتيق العوفي عن دور أجهزة الاستخبارات "الإيرانية" في تشكيل وتوجيه تنظيم الحوثيين في اليمن. مشيرا إلي أن المال يأتي من الاستخبارات الإيرانية عبر عناصر من أتباع الحوثي‘ معتبراً أن تلك الاستخبارات هي التي تدير " الشباب" في حين أن من وصفهم " بالمجاهدين" لم يكن دورهم سوى مجرد صورة" في الظاهر".
كما حذرت مصر من تدخل «أطراف خارجية لها أجندات إقليمية»، في الشأن اليمني, مطالبه المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليتة فيما يتعلق بالوقوف أمام محاولات بعض الأطراف الخارجية للتدخل في الشؤون الداخلية لليمن, سعيا لزعزعة استقراره الداخلي بما يخدم أجندات إقليمية لهذه الأطراف, والمدقق لفحوى الكلمات سيجد إتهاماً ضمنياً لإيران عما يحدث فى اليمن الشقيق.
إذن نظام الملالى فى إيران هو المحرك الرئيسى للأحداث الأخيرة فى اليمن, خاصة بعدما فشل نظام ولاية الفقية في تنفيذ مخطط الفتنة المذهبية فى المملكة العربية السعودية, وبعد إدراك النظام الايرانى صعوبة تحقيق أهدافة الدنيئة والقذرة فى السعودية, والتى فشلت لعاملين رئيسين:
العامل الأول: وعى وإدراك الشيعة السعوديين لهذا المخطط, وولائهم لوطنهم السعودية.
العامل الثانى: احتواء الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود , للأزمة ومنها الزيارة التى قام بها الى المنطقة الشرقية, عقب المواجهات, كما أن وضع الاقتصاد السعودى فى حالة جيدة , بعكس اليمن الذى يعانى من مشكلات اقتصادية صعبة.
فبخلاف البنية الضعيفة للاقتصاد اليمنى جاءت الأزمة المالية العالمية لتزيد من الأعباء المعيشية , على جميع الطبقات والطوائف فى اليمن, فقد أعترف الرئيس اليمنى علي عبد الله صالح فى خطاب وجهه إلى الشعب اليمنى بمناسبة العيد التاسع عشر للوحدة اليمنية يوم 21 مايو الفائت بوجود مشكلات تواجه الاقتصاد اليمنى, أرجعها للأوضاع الاقتصادية الناتجة عن الأزمة المالية العالمية وانخفاض أسعار النفط عالميا، إلى جانب انخفاض الإنتاج في اليمن وزيادة معدلات النمو السكاني.
وقد أثرت الأزمة الاقتصادية على المستوى المعيشى لكافة اليمنيين, وبصفة خاصة الجنوبيين, على اعتبار أن الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادى فى اليمن مرتكز فى الشمال, مع المركزية التى تتميز بها جميع الدول العربية تقريباً.
وما زاد الطين بلّة موجة "الجفاف الشديد " الذى يعانى منه اليمن, والذى أثر بدرجة كبيرة على الإنتاج الزراعى, مما حدا بمستشار الرئيس اليمني الدكتور عبد الكريم الارياني إلى التحذير بان اليمن الذي يعاني مزيجا خطيرا من الجفاف والازمة الاقتصادية والاضطرابات السياسية, وربما يواجه مجاعة العام المقبل, داعياً المجتمع الدولي لتقديم الدعم .
إلي جانب العوامل الخارجية فإن اليمن يعاني من اوضاع داخلية تهيء المناخ للخارج لكي يلعب علي وتر الانفصال وتعطي للانفصاليين زخما وغطاءا سياسيا لتبرير جريمة الانفصال امام الجنوبيين والعالم فالجنوبيين يشعرون بالظلم ومايسميه دعاة الانفصال بالتفرقة السياسية, والاقتصادية مع الشمال.
وجاء إنفاق الحكومة مبالغ كبيرة من ميزانيتها لإعادة التسليح، لمواجهه أخطار الإرهاب وتنظيم القاعدة, والحوثيين, عاملا اضافيا لزيادة العبءًً على الحكومة اليمنية في ظل الأزمة المالية مما فاقم من العجز المالي "حسب تقرير دوري أصدرته وحدة المعلومات الاقتصادية الدولية بلندن لعام 2008م".
وعلى الرغم من خطورة التطورات التى يشهدها اليمن فى الأيام الأخيرة, إلا أننا لم نسمع عن أى تدخل من أى نوع من جانب جامعة الدول العربية, ولا حتى مواصلة هواية الشجب والاستنكار, وكأن اليمن ليس بلداً عربياً, فمن الواضح أن هواية الشجب والاستنكار لا تستخدم إلا عند حدوث الكارثة على أرض الواقع, حيث أقتصر رد الفعل على تصريح مندوب اليمن لدى جامعة الدول العربية السفير عبد الملك منصور, الذى أكد أن الأحداث التي يشهدها اليمن حاليا ليس فيها ما يزعج مشددا على أن الأمور تسير بشكل طبيعي.
فى المقابل أعلنت منظمة المؤتمر الإسلامي رفضها لأية دعوة تهدف إلى تقسيم اليمن، محذرة من دعوات الانفصال التي روّج لها الرئيس السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية, ومؤكدة دعمها الثابت لوحدة واستقرار اليمن, كما أكد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي خلال الاجتماع المشترك الرابع مع وزير الخارجية اليمني أبو بكر عبدالله القربي دعم دول المجلس للوحدة اليمنية، مشدّدين على حرصهم على أهمية تعزيز الأمن والاستقرار في اليمن لتحقيق الازدهار .
إذن استغل نظام الملالى فى إيران الوضع الاقتصادي اليمني الهش, فى تأجيج رغبات الانفصال لدي الجنوبيين,ودفعهم للتمرد علي الحكومة المركزية بهدف تفتيت وحدة اليمن, وإنشاء دولة فى الجنوب تقوم على مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية, ولتكون نواة لنشر الفكر الشيعى فى الوطن العربى, وتحقيق حلم الملالى فى السيطرة على مقدرات المنطقة , ووضعها ضمن النفوذ الإيراني الذي استشرى حتى وصل إلى أمريكا اللاتينية.
لذا يجب على الحكومة اليمنية, والحكومات العربية بصفة عامة بأن تلغى نظام المركزية, والتحول إلى "اللامركزية " فى التنمية, وهذا ما خلص إليه التقرير الدوري ل "وحدة المعلومات الاقتصادية الدولية" بانجلترا, الصادر في أبريل الماضي 2009، والمتعلق بشؤون اليمن والذي غطي فترة النصف الثاني من العام 2008؟
حيث رأى التقرير أن المخرج من الأزمة هو "الانتقال إلى نظام أكثر فيدرالية"، يمكن أن يمتص الكثير مما وصفه التقرير "التمرد في الشمال والجنوب"، ويمكن له أيضاً أن يساعد على ترسيخ الوحدة الوطنية، مشيرا إلى أنه لو استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الحكومة اليمنية ستفقد الكثير.
وعلى الرغم من انتقادنا للأداء الاقتصادى للحكومة اليمنية, والذى ساعد "دون قصد" فى تسهيل مهمة بعض الحاقدين لتنفيذ أجندة جهه خارجية مشبوهه, إلا أننا يجب أن نثنى على مبادرتها الطيبة باصدارها عفواً عاماً تجاه العناصر التي شاركت فى الاضطربات التى شهدها اليمن، ونثمن دعوتها إياهم للعودة لممارسة حقهم السياسي في إطار التعددية السياسية التي يكفلها الدستور اليمني.
ونرجو أن تصدق الحكومة اليمنية فى وعودها المتعلقة بتحسين الوضع الاقتصادى, والاستمرار في برنامج الإصلاح الوطني الشامل والسير في طريق الحوار، والتمسك بالطريق السلمي والقانوني لمعالجة جميع القضايا ورفض أعمال العنف والتحريض إليه.