إسرائيل لا تحتمل فراغاً سياسياً حتى نهاية السنة حافظ البرغوثي هل هو لقاء آخر أم أخير ذاك الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت مؤخراً؟ أغلب التكهنات تشير إلى أنه قد يكون الأخير، لأن مستقبل أولمرت تقرر، سواء باستقالته من زعامة الحزب وانتخاب رئيس جديد يشكل حكومة ائتلافية جديدة، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة. وهذا يعني أن حزب كاديما سيخوض تلك الانتخابات على وقع طبول فضيحة الفساد التي تحيق بأولمرت، ما يعني خسارة أكيدة للحزب.
واللقاء هو لقاء إجرائي جاء بطلب أميركي، لأن الأميركيين يريدون الإيحاء أن العملية التفاوضية ما زالت قائمة، وأن هناك لقاءات قمة بين الطرفين ولقاءات على مستوى الفريقين المفاوضين، وهذا كله مجرد استعراض تفاوضي لأن الطرفين لم يتفقا على أي شيء حتى الآن، وما زالت الهوة واسعة بشأن قضايا الحدود واللاجئين والقدس والمستوطنات.
لكن الإسرائيليين بعد كل لقاء يتحدثون عن تقدم ما، سواء في مسألة الحدود أو اللاجئين، وهو ما ينفيه الفلسطينيون. فإسرائيل معنية بتسريب أنباء عن تقدم في المفاوضات، بهدف إحراج الجانب الفلسطيني لتحميله مسؤولية فشل المفاوضات لاحقاً.
عملياً لا يستطيع أولمرت في وضعه الحرج الحالي أن يتخذ أي قرارات، باستثناء ما يرضي الإسرائيليين كالموافقة على مخططات استيطانية جديدة في ضواحي القدسالمحتلة، وهو يكافح لإطالة عمر حكومته، وتوجه إلى واشنطن لإثبات قدراته بعد لقائه مع الرئيس الفلسطيني في القدس، ونجح في إقناع قادة حزبه بتأجيل الحديث عن انتخابات تمهيدية في الحزب لاختيار خليفة له، وهو يعلم أن منافسيه على زعامة الحزب.
ومنهم وزيرة خارجيته تسيبي ليفني امرأة الموساد السابقة ووزير الحرب السابق شاؤول موفاز ووزير داخليته آفي ديختر، غير معنيين بالذهاب إلى انتخابات مبكرة حسب طلب إيهود باراك زعيم حزب العمل، ويحاول موفاز مثلاً إقناع حركة شاس بعدم تأييد الانتخابات المبكرة في حالة تقدم حزب العمل باقتراح كهذا في الكنيست، لأن حزب شاس هو الحزب الوحيد الذي لا يخشى انتخابات مبكرة.
حيث يضمن حصوله على عدد مقاعده الحالية باعتباره حزباً دينياً محافظاً، فالمهم بالنسبة إليه هو تحقيق مطالبه وقد لبى أولمرت ذلك في خضم فضيحته مطلب شاس بالموافقة على مخططات استيطانية ليهود متدينين في ضواحي القدس وبعض المستوطنات الأخرى، خارقاً بذلك تعهداته في مؤتمر آنابوليس بتجميد الاستيطان.
الانتخابات المبكرة تزعج حزب كاديما الذي قد يفقد تفوقه في الكنيست ويتحول إلى حزب أقل حجماً، ولكنها لا تخيف أحزاب اليمين بزعامة حزب الليكود الذي بدأ يتبنى مواقف سياسية متصلبة لحشد المتطرفين حوله، رافعاً شعار «لا انسحاب من هضبة الجولان ولا انسحاب من القدسالمحتلة ولا من منطقة الأغوار».
وبالتالي فإن اليمين يتبنى برنامجاً عسكرياً وليس سياسياً. وحتى الآن لا يعرف أحد ما يدور في ذهن أولمرت، فقد نجا سابقاً من فضائح أشد من تلقي أموال، وكذلك من تقرير لجنة فينوغراد حول الفشل في حرب لبنان، وما زال وهو كالديك الذبيح يصارع للبقاء.
وسبق أن وصلت شعبيته إلى الحضيض بأقل من عشرة في المئة، لكنه استمر في منصبه غير عابئ بما يدور حوله، ولعله الآن يحاول أن يبقى في منصبه دون تعليق نشاطه والمضي قدماً في الدفاع عن نفسه حتى لو وجهت له اتهامات بالفساد.
الأرجح أن إسرائيل في ظروفها الحالية، أي وجود «دربكة» سياسية داخلية، تجد نفسها في وضع أفضل من مواجهة الآخرين، فبحجة وجود فراغ سياسي عادت للتصلب بشأن التهدئة مع حركة حماس، وأعادت ربط التهدئة بشرطين أساسيين وهما صفقة تبادل الجندي جلعاد شاليت ووقف تهريب الأسلحة عبر الحدود مع مصر.
ويمكن القول أيضاً ان ملف الاتصالات غير المباشرة مع دمشق قد طوي مجدداً، والحديث عن اتصالات بات مجرد استعراض إعلامي ليس إلا، لكن ثمة أولوية إسرائيلية بالنسبة للملفين الفلسطيني والإيراني، ولعل الأخير هو ما يقض مضاجع القادة الإسرائيليين، فهم مصممون على منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وهم يدركون جيداً أن حليفهم في البيت الأبيض الرئيس جورج بوش لن يتكرر العام المقبل، حيث سيكون هناك رئيس جديد قد لا يصل به الولاء لإسرائيل مثلما هو حال بوش الذي يدعم إسرائيل دون حدود.
ولذلك ثمة تفكير إسرائيلي باستغلال الشهور القليلة المقبلة لتكثيف الجهود الضاغطة لإجهاض الملف النووي الإيراني، حتى ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة. فالملف لن ينتظر رئيساً أميركياً جديداً لدراسته واتخاذ قرارات قاسية بشأنه.
وبالنسبة للملف الفلسطيني فإن عدم التوصل ولو إلى ورقة إطار عمل تحدد أسس التسوية واقتراحات بشأن قضايا الوضع النهائي، فإن هذا يعني انهياراً على الجانب الفلسطيني، خاصة وان الرئيس الفلسطيني ربط مصيره بالتوصل إلى اتفاق خلال هذا العام، وفي حالة عدم التوصل إليه فإنه سيضطر إلى ترتيب انتخابات رئاسية جديدة لانتهاء ولايته في السنة المقبلة.
وهو أعلن في جلساته الخاصة انه لن يخوض الانتخابات في حالة عدم التوصل إلى اتفاق وسيستقيل، في ظل غياب مرشح محتمل قادر على ملء الفراغ في أوساط حركة فتح. في السابق عندما كانت إسرائيل تعيش أوضاعاً طارئة غير طبيعية وأزمة داخلية.
كانت تلجأ إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية استعداداً لحرب مقبلة، والسيناريو المقبل كما أراه قد يستبعد إجراء انتخابات مبكرة لصالح انتخاب رئيس وزراء جديد في كاديما، يقوم بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم اليمين واليسار والوسط، بهدف رص الصفوف والتوافق على قرارات مصيرية حاسمة تستوجب ذلك، فإذا جرى تشكيل مثل هذه الحكومة فذلك يعني أن حرباً ما في الأفق. عن صحيفة البيان الاماراتية 10/7/2008