"هو الشئ الأسوا الذي يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط", بهذه الكلمات وصفه الصحفى الإنجليزى الكبير روبرت فيسك. فبالتوازى مع صعوده بقوه على الساحة السياسية الاسرائيلية, ستخسر اسرائيل كثيراً, على جميع المستويات داخلياً, وخارجيا, فطموحه السياسى سيجلب لإسرائيل ما هو ابعد من ذلك.
أنه أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلية الجديد, ذلك القادم من منطقة كيشيناو، بمولدافيا تلك الدولة الاوروبية ، التى كان تتبع الإتحاد السوفيتي السابق. سياسي إسرائيلي يميني متطرف فكراً وفعلاً. زعيم حزب إسرائيل بيتنا, الذى احتل المرتبة الثالثة فى الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة ب15 مقعد, وتولى منصب وزير الخارجية الاسرائيلية في اطار اتفاق مع رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو.
وقد وصفت أحدى الصحف الغربية حصوله على حقيبة الخارجية بأنه "انتحاراً دبلوماسياً" لاسرائيل.
ترى ما هى تداعيات اختيار ليبرمان لمنصب وزير الخارجية الاسرائيلى على المستوى الإقليمى, خاصة مصر, وعلى المستوى الدولى, وخاصه الولاياتالمتحدةالأمريكية, إضافة إلى داخل اسرائيل نفسها؟
فعلى المستوى العربى من المتوقع أن تمر العلاقات المصرية الإسرائيلية بأسوأ مراحلها, والتى قد تصل إلى إلغاء أتفاقية كامب ديفيد من طرف واحد, وربما يصل الأمر إلى أبعد من ذلك!.
فوزير الخارجية الإسرائيلى الجديد له ماض سئ مع النظام المصرى. فقد صرح المسؤلون المصريون مراراً وتكراراً عن عدم رضاهم عن تعيين ليبرمان وزيراً للخارجية الإسرائيلية, جاء ذلك الرفض الشديد نتيجه تصريحاته العنصرية والمتطرفه تجاة العرب والمصريين, بل شملت الرئيس المصرى نفسه.
ففى عام 2002, مع بداية الانتفاضة الفلسطينية، هدد ذلك المعتوه مصر بقصف السد العالي إذا أدخلت قوات عسكرية إلى سيناء, كما شن هجوما شديداً يفتقد إلى اللياقه على الرئيس المصري, وذلك في كلمة أمام الكنيست في معرض انتقاده لعدم زيارته لإسرائيل وعدم قيام مصر بجهود كافية لإغلاق الأنفاق إلى قطاع غزة، قائلاًً: "إذا لم يشأ مبارك زيارة إسرائيل فليذهب إلى الجحيم"., وقد بدأت أولى فصول المواجهة بين القاهرة وتل أبيب, حين نفت السفارة المصرية بتل أبيب صحة ما أوردته أحدى الصحف الإسرائيلية بشأن استعداد مصر لنسيان تصريحات أفيغدور ليبرمان، مشيرة إلى أن هذا الأمر غير دقيق جملة وتفصيلاً. كما تضاربت الأنباء حول مشاركه وزارة الخارجية المصرية احتفالات الذكرى ال30 لتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، خاصه وأن الاحتفال سيعقد في وزارة الخارجية الإسرائيلية.
وتأتى خطورة الأمر فى إتهام ذلك الليبرمان مصر بتقصيرها تجاه أنفاق غزه, مما يعنى انتقاصاً من سيادة الحكومة المصرية على أراضيها, ولمصداقيتها أمام العالم, خاصة وأنها طرف أصيل فى عملية السلام, كما أن تعيين ذلك الليبرمان سيضر بعملية السلام فى الشرق الأوسط, والتى تمر بمرحلة صعبة فى الأساس, خاصة بعد الاجتياح الاسرائيلى لقطاع غزة, وهو ما لم ينكرة وزير الخارجية المصرى, حيث صرح بأن تعيين ليبرمان وزيرا للخارجية "سيضر بعملية السلام".
وقد جاءت أولى المواجهات الدبلوماسية المصرية الاسرائيلية سريعاًً, والتى تشير إلى أن مرحلة جديدة بدأت فى العلاقات المصرية الاسرائيلية, ففى خلال الجلسة العامة للجمعية البرلمانية الأورومتوسطية ببروكسل, والتي ُخصصت لمناقشة تقرير تقصي الحقائق حول العدوان علي غزة, شن رئيس مجلس الشعب هجوماً عنيفاً علي رئيس الوفد البرلماني الاسرائيلي, مؤكداً أن اسرائيل يجب أن تكون أمام المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبتها علي ما ارتكبته في حق الشعب الفلسطيني.
وتأتى خطورة ردة فعل هذه فى أنه جاء على لسان مسؤول مصرى محسوب على النظام, كما أننا كعرب لم نعتد على مثل هذة التصريحات النارية من مسؤولين مصريين.كما أن خطورة الموقف تأتى من أهميه مصر فى الوطن العربى, ودورها المؤثر والرائد فيه, مما يعنى أن أى ردة فعل مصريه وهى المحسوبة دائما على طرف المعتدلين سيتبعها بالضرورة ردات فعل عربية خاصة من دول الجوار الاسرائيلى قد ُتدخل المنطقة فى حرب إقليمية دروس.
وهو ما نادى نادت به النخب السياسية والقوى الشعبية فى مصر, بضرورة الإستعداد لأى مواجهه محتملة بين مصر واسرائيل, فى ظل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديد.
أما بالنسبه إلى أمريكا الحليف السياسى والعسكرى القوى لإسرائيل, فأن صداماً سياسية محتملاً ان يحدث بين الطرفين,، بسبب عدم ثقة الإدارة الأمريكية في نوايا رئاسه الوزراء الإسرائيلية بشأن تحقيق السلام، خاصه مع تولى زعيم حزب الليكود الإسرائيلى بنيامين نتانياهو رئاسة الحكومة الجديدة, وضمها لعدد من المتطرفين فى مقدمتهم أفيجدور لبيرمان وزير الخارجية الجديد.
وتوازى ذلك مع عدم الوفاق بين الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو, حيث يراه الرئيس الأمريكى غير مقنع فيما يطرحه بشأن رغبته في السلام مع الفلسطينيين. لأن دخول زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" للحكومة يعني تعقيد الأمور أمام الرئيس باراك أوباما, الذى أعلن عن التزامه بالسبل الدبلوماسية في تعامل إدارته مع الخلافات فى المنطقة.
بل وصل الأمر إلى إعلان كثير من المفكرين الأمريكين, بإعادة تقييم العلاقة مع اسرائيل, بسبب تصاعد اليمين بشكل عام وأفيجدور ليبرمان بشكل خاص, لدرجة مطالبتهم الإدارة الأمريكية بالتفكير في إنهاء الدعم الأمريكي لإسرائيل, البالغ ثلاثة مليارات دولار, وتوازى ذلك مع تقارير توضح أن الرأي الامريكي يتحول ببطء نحو مفهوم انه يجب عدم السماح لاسرائيل بان تكون عائقا امام ملاحقة امريكا مصالحها الاستراتيجية فهل نرى ذلك فى القريب؟ ويتشابه الموقف الأوروبى مع الموقف الأمريكى تجاه الحكومة اليمينة الاسرائيلية, ووزير خارجيتها, حيث نقلت أحدى الصحف الأجنبية عن مصادر في الجالية اليهودية باوروبا أن تعيينه ليبرمان في هذا المنصب سيؤدي إلى "زيادة التطرف" ضد إسرائيل من قبل اليسار والوسط في أوروبا؟
أما فى الداخل الأسرائيلى, وبالرغم من حصول حزب ليبرمان على 15 نائبا من اصل 120 في الكنيست في الانتخابات التشريعية الاخيرة, وبالرغم من الشعبية الجارفة التى حققها, إلأ أن ُنخباً سياسية فى اسرائيل تطالب بإبعاده عن الحياة السياسية, نظراً لما يمثله من تهديد قوى على سمعه الدبلوماسيه الاسرائيلية فى العالم. وعلى أمنها فى المنطقة, وتوازى ذلك مع تقديم جمعيه حقوقية اسرائيلية بشكوى إلى السلطات الإسرائيلة ضده, تندد بالقبول الرسمى بتعيين شخصيه يشتبه فيها بارتكاب مخالفه جنائية فى منصب وزارى.
اعتقد أن إسرائيل أمامها خياران أما أن تترك ليبرمان يواصل تشويه صورتها أمام العالم, مما يعنى انتقاصاً كبير للدبلوماسية الاسرائيلية فى الخارج, وخاصة فى الدول الغربية, وهذا ما يفيدنا نحن العرب, وقد يتطور الأمر إلى اكثر من ذلك, عن طريق حدوث مواجهه مباشرة بينها وبين العرب, تكون مصر طرفاً رئيساً فيها, الأمر الذى قد يؤدى إلى نشوب حرب إقليمية, أو تدرك بأنه من الضرورى التخلص منه, واعتقد أن الخيار الثانى الأسهل بالنسبه إلى اسرائيل, وهو ما بدأت فصوله بالفعل, حيث من المتوقع أن يتم تقديم لائحة اتهام ضده بتهمة الفساد, وتبييض الأموال, مما يعنى إضطراره إلى تقديم الاستقالة من منصبه, وذلك حسب مصادر للشرطة الإسرائيلية نفسها. فهل نرى ذلك قريباً أم أن اسرائيل قررت القضاء على نفسها بنفسها؟