باكستان بين عهدين! فايز سارة ترسم التطورات الاخيرة في باكستان ملامح تجربة مرة للسياسة التي دأبت بعض الانظمة العسكرية على اتباعها في رعاية التطرف الديني. ففي هذا البلد الذي تولى فيه العسكريون زمام السلطة عبر انقلاب على النظام الديمقراطي الذي كانت تمثله حكومة نواز شريف اواخر عام 1999، ووجد العسكريون في التطرف الديني سنداً وقوة دعم لعهدهم، وساعدت في ذلك عوامل داخلية اقليمية، كان الابرز فيها داخلياً دخول النظام العسكري والجماعات الدينية على خط مواجهة الحركة الشعبية ومنها الحزب الشعبي الباكستاني الذي تتزعمه رئيسة الوزراء السابقة بناظير بوتو، واقليمياً تشارك النظام مع المتطرفين الباكستانيين في معركتين منفصلتين واحدة تجري مع الهند في اقليم كشمير، واخرى تجري في افغانستان ضد من تبقى من حلفاء موسكو هناك، وفي الحالتين، كان لجماعات التطرف الباكستاني امتدادات تتداخل فيها العوامل الدينية والعشائرية مع العوامل الوطنية، وتتقاطع مع سياسات النظام الحاكم. وبطبيعة الحال فقد امضى نظام الرئيس برويز مشرف عهداً من التوافق مع التطرف الديني ، كان من تعبيراته، تعزيز حراك الجماعات السياسية الاسلامية وصولاً الى اقامة تحالف لها باسم مجلس العمل المتحد، وتغلغل رموز التطرف في الحياة اليومية للباكستانيين، وقيامهم بإنشاء بيئة يتوالد فيها المتطرفون، وكان الأهم في هذا السياق ، تعزيز وجود المدارس الدينية على غرار المسجد الأحمر الذي كان مسرحاً لتمرد المتطرفين الأخير وما نتج عنه من هجوم ساحق صاعق من جانب الجيش الباكستاني، وقد تجاوز عدد تلك المدارس ال 13 الف مدرسة، وزاد على ماسبق اشاعة روح التطرف من خلال التعاطف والدعم المتعدد الأبعاد لحركة طالبان، التي كانت تحكم افغانستان، حتى سقوطها أثر الحرب الأميركية هناك عام 2002 وحليفها تنظيم القاعدة. ومثلما ساعدت الظروف الاقليمية على اقامة تحالف عسكريي باكستان مع التطرف الديني ، فقد مهدت تلك الظروف للدخول على خط هذا التحالف وصولاً الى الصدام، بل ان الأمر سوف يتعدى في المرحلة القريبة المقبلة مجرد الصدام الى حرب معلنة بين الجانبين، وهذه إحدى الثمار المباشرة لما جرى مؤخراً في أحداث المسجد الأحمر، والتي لايمكن فصلها عن تطورات سبقت، مهدت لحصول ما حصل. لقد غيرت احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 البيئة الدولية ازاء التطرف الديني وخاصة التطرف الاسلامي، وفي كثير من الدول الحليفة للسياسة الأميركية مثل باكستان ، صار من المطلوب احداث تغييرات جوهرية في سياساتها الداخلية والخارجية انسجاماً مع "الحرب الدولية على الارهاب" التي اطلقتها وقامت برعايتها ومتابعتها الولاياتالمتحدة، وقد نحت السلطات الباكستانية في هذا الاتجاه من خلال تعديل خطابها الاسلامي بالاتجاه نحو الاعتدال وضد التطرف، وسعت لاجراء تعديلات في مناهج المدارس الدينية، كان محورها كلمة الرئيس مشرف الى "الامة" في العام 2001 ، حيث دعا المسؤولين عن المدارس الدينية الى "تعليم القيم الفعلية للاسلام ونزع الافكار المتطرفة من عقول" طلابها. ثم تبع هذا التوجيه بتكرار قيام الجيش الباكستاني بهجمات في المناطق القبلية جنوب وزيرستان قرب الحدود مع افغانستان لملاحقة ناشطي القاعدة وطالبان الذين فروا من افغانستان والمتعاطفين معهم. لقد عكست تلك التطورات جوانب من تصاعد الصراع بين النظام العسكري وجماعات التطرف الديني، كان بين مؤشراتها تنظيم عدة محاولات لاغتيال الرئيس مشرف، وتنظيم حركة تمرد المسجد الاحمر، وتصعيد التهديدات من قادة الجماعات المتطرفة ضد مشرف ونظامه، وصولاً الى شن هجمات انتحارية ضد قوات الجيش وفي عمق التجمعات الشعبية على نحو مايجري في العراق وافغانستان، وكلها تؤشر الى مرحلة مقبلة شديدة السخونة في باكستان، خاصة مع دخول المعارضة الشعبية على خط الصراع مع المتطرفين باتخاذها موقف الوسط من حيث معارضتها خط التطرف الديني من جهة، وسعيها الى استعادة النظام الديمقراطي الذي اطاحه العسكر. ان سياسة تحالف العسكريين مع التطرف الديني في باكستان، رتبت اعباء ومشاكل من الصعب معالجتها بالقوة المسلحة في التعامل مع المتطرفين وجماعاتهم، ليس لان التطرف قد تسلل الى صفوف المؤسسة العسكرية الحاكمة فقط، بل لان نتائج استخدام القوة وحدها، وهو الامر الوحيد الذي تتقن المؤسسة العسكرية استخدامه سوف يدفع باكستان باتجاه حرب اهلية، مالم تتحرك قوى المعارضة السياسية والمجتمع من اجل اجراءات سياسية اقتصادية واجتماعية تغير ظروف الباكستانيين، وتساعدهم في اقامة تحالف يلجم التطرف الديني ويخرج بباكستان من النظام العسكري ويعيدها الى الديمقراطية. عن صحيفة الوطن العمانية 19/7/2007