تركيا والإرادات المتقاطعة ممدوح طه بينما تواجه الحكومة التركية الحالية المدعومة بإرادة شعبية، ذات الأغلبية البرلمانية أزمة داخلية في إطار الصراع الدائم مع المؤسسة العسكرية العلمانية ذات الأذرع الطويلة في المؤسسات الإعلامية والأمنية و القضائية، تتمثل باستخدام الجيش للمؤسسة القضائية لمحاولة حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبمحاولات الإطاحة بالحكومات الاستقلالية، أجهضت الحكومة التركية محاولة انقلابية بالقبض على المتهمين بتشكيل شبكة من المتطرفين القوميين والمتشددين العلمانيين الأتراك بينهما جنرالان خططا لحملة تفجيرات واغتيالات لإعادة الحكم العسكري.
و يبدو أن جراب الحواة في الداخل والخارج لا يخلو من الألاعيب المشروعة وغير المشروعة لإجهاض كل التجارب الديمقراطية في تركيا التي تستهدف الوحدة والاستقرار والعدالة والتنمية، إذا كانت الديمقراطية الحقيقية تعنى ببساطة سلطة الشعب، وتحكيم الشعب في وضع القيم الأساسية للوطن، حقه في صياغة الدساتير والقوانين وفقا لمشيئته وليس لمشيئة المتحكمين في تنفيذ إرادته بالقوة وليس بالقانون ، وإعلاء الإرادة الوطنية على الدولية، والشعبية على السياسية لأي حزب، والعسكرية لأي جيش.
وتتحرك تركيا في محيطها الداخلي الوطني وفى محيطها الخارجي الإقليمي، على عدد من الطرق المتقاطعة بين إرادات متناقضة، وبعضها يتماهى مع أجندات دولية، وبعضها ينطلق من أجندات وطنية، وتحاول كل منها تأكيد شرعيتها والسير بالبلاد في اتجاه أجندتها..
وبينما جرت محاولات خارجية فرنسية وألمانية لإبعاد تركيا المسلمة عن الاتحاد الأوروبي باعتباره ناديا للدول المسيحية، تجرى محاولات أميركية لتمرير مشروع قرار لمجلس النواب يتهم تركيا العثمانية بإبادة جماعية لمئات الآلاف من الأرمن، وهو ما تنفيه تركيا بشدة مؤكدة أن كثيرا من الأتراك المسلمين لاقوا حتفهم أيضا إلى جانب الأتراك الأرمن المسيحيين خلال الحرب العالمية الأولى ، وحذر رئيس الوزراء من أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن أصبحت في خطر.
ومنذ التفويض المطلق الذي أعطاه الشعب التركي لحزب العدالة والتنمية لدورتين متتاليتين تأكيدا لإرادته الديمقراطية، يحفل المشهد السياسي التركي بصراع علني صاخب أحيانا، وأحيانا مكتوم صامت بين إرادتين متناقضتين، بين المؤسسة السياسية التي تستمد شرعيتها وشعبيتها من نتائج الانتخابات الديمقراطية ، وبين المؤسسة العسكرية الدكتاتورية التي تستمد مشروعيتها من الدستور الأتاتوركي الحالي المفروض على الشعب بالقوة..
وهو الدستور المرفوض على المؤسسة السياسية تغييره أو تعديله استجابة للإرادة الشعبية التركية ووفقا للآليات الدستورية وللقواعد البرلمانية، بينما ينص على العديد من المحرمات المنطقية وغير المنطقية التي تناقض حقوق الإنسان الطبيعي في حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير باسم الحداثة والديمقراطية والعلمانية، وبل يجعل من الجيش أداة لفرضها بالقوة العسكرية بما يخالف أي تفسير طبيعي لكل ما هو حديث أوديمقراطي أو حتى علماني!!
وفى حين تستجيب معظم الأحزاب السياسية التركية العلمانية والقومية لإملاءات المؤسسة العسكرية، رفضت الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية مثل حزب الرفاه بقيادة «أربكان»، وحزب الفضيلة بعد حظر الرفاه، وأخيرا حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس «أردوغان» الذي يريدون حظره بتهمة انتهاجه لمبادئ إسلامية ومخالفته للعلمانية، فقط لأنه عدل الدستور بالوسائل الديمقراطية البرلمانية بما يسمح للطالبات بارتداء الحجاب، فيما وصفه الكاتب التركي الحائز على جائزة نوبل للآداب «أورهان باموق» بأنه «الأكثر ديمقراطية من علمانيي تركيا». عن صحيفة البيان الاماراتية 6/7/2008