المقال الاسبوعي للاستاذ اسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام عن خطر الإرهاب والفشل الأمريكي يوم الجمعة الماضي 13 يوليو2007 يستحق التأمل العميق, ذلك أن المقال فضلا عن أنه بقلم رئيس تحرير الأهرام إلا أنه يعالج موضوعات بالغة الأهمية شديدة التعقيد تتصل بمصير المنطقة وبالأمن القومي المصري اتصالا مباشرا. والذي لاشبهة فيه عند احد من ثقاة المحللين السياسيين والذي يتفق معه اسامة سرايا هو أن الإدارة الأمريكية الحالية قادت العالم إلي حال من الفوضي العارمة نتيجة ما أصاب السياسة الأمريكية من عمي جعلها لاتري إلا أمرين اثنين ولاتري في العالم غيرهما: النفط وإسرائيل. والشيء اليقيني ان العالم أكبر من ذلك وأن مشاكل العالم كانت تحتاج من الدولة الكبري في العالم اليوم ان تكون نظرتها للأمور أكثر إحاطة وأكثر شمولا وأن تتحلي بقدر ولوبسيطا من الحيادية والموضوعية ان لم تستطع ان تكون موضوعية وحيادية كما ينبغي لها أن تكون. وكانت النتيجة الطبيعية لهذه السياسة ضيقة الأفق قاصرة النظرة ان الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تتمتع في تاريخها بقدر من الكراهية قدر ما تمتعت وتتمتع به في عهد الإدارة الأخيرة إدارة العبقري جورج بوش. واقسي ما يحس به المجتمع الدولي مثله في ذلك مثل المجتمع الداخلي هو غياب الاحساس بالعدل, هو الاحساس بازدواج المعايير, هو الاحساس بالظلم وبأن القوة العظمي اصيبت بنوع من العمي لايجعلها تري غير إسرائيل ومصالح إسرائيل وان ادي ذلك إلي أن تكسب عداء العالم كله, وهذا هو الحادث الآن. وهذا الاحساس الذي يسيطر علي جماهير العالم بدرجات متفاوتة في جميع ارجاء المعمورة هو الذي شجع ولا أقول أوجد حركات التطرف والإرهاب وجعلها تري أن هذا الظلم الذي تحمل لواءه الولاياتالمتحدةالأمريكية يعطي لها المبرر للتصرفات الإرهابية مهما بلغ قدرها من الجنون. الظلم هو الأب الشرعي للتطرف, والتطرف هو الذي يفرخ الإرهاب. ويزيد من خطر التطرف وبشاعة الإرهاب انهما يتدثران بثوب الدين, والدين الحق من كليهما بريء. ولكن بسطاء الناس وعامتهم لاتصل افهامهم إلي التفرقة بين جوهر الدين واشكال الدين, لاتصل افهامهم إلي أن تفرق بين الدين الحق في سماحته وبساطته وروح المحبة فيه وبين مظاهر الغلو والتطرف والتعصب التي يبرأ منها الدين, ولكن هؤلاء البسطاء تنطلي عليهم اللعبة وينساقون وراء اولئك الذين يريدون هدم المجتمع الانساني علي من فيه بدعاوي خاطئة وزائفة وحمقاء. وفي مواجهة هذا الشر المستطير يقول الاستاذ اسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام في مقاله القيم الذي اشرت إليه من قبل ولكي نخرج من هذه الدوامة التي أوقعتنا فيها تلك الحركات يجب أن نساعد مجتمعاتنا الراغبة في الاصلاح والتطور والتي تتطلع إلي أن تكون جزءا من العالم المعاصر بالتخلص من فكرة ربط الدين بالسياسة, ومن الضروري ان نتوسع في تجريم من يتبعون هذا الاسلوب وان نسارع في تطبيق القانون مع تبني حركة سياسية وثقافية واجتماعية وانسانية لانقاذ البسطاء من أن يقعوا فريسة لهذا التفكير المخيف واللعين. ويضيف اسامة سرايا إلي ما سبق قوله علينا اذا كنا راغبين في مقاومة الإرهاب والتطرف ان نقف ضد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وأن نعمل في اتجاه ترشيدها وعندما يكتب رئيس تحرير الأهرام هذه العبارة فهذا يعني تحولا واضحا في الموقف المصري تجاه السياسة الأمريكية في المنطقة, وهو تحول نرحب به وندعمه ونؤيده ليس كراهة في أمريكا ولكن لان السياسة الأمريكية التي تتبناها إدارة بوش جرت علي المنطقة كوارث لاحصر لها وادت إلي تشجيع التطرف والإرهاب بكل ما لهما من آثار مدمرة. وإذا كنت اتفق مع الجانب الخارجي من روشتة اسامة سرايا فإنني بالنسبة للجزء الخاص منها بالسياسات الداخلية اتفق مع الخطوط العريضة, ولكن أري ان الروشتة ينقصها من عناصر الدواء الناجع امور كثيرة ومهمة, وهذا هو جوهر ما أريد ان أوضحه في هذا التعليق. انا مع اسامة سرايا عندما يقول التخلص من ربط الدين بالسياسة وأنا أقول دائما في احاديثي ان الدين مقدس والسياسة غير مقدسة وخلط المقدس بغير المقدس ضار بالأمرين جميعا, وهذا كلام سليم, ولكن الدولة عندما تري عدم خلط الدين بالسياسة عليها أن تمارس ذلك هي أيضا ممارسة عملية واضحة, وأظن ان ذلك غير حادث. وعلي أي حال فإذا كان جوهر الروشتة هو عدم خلط الدين بالسياسة وكنت اتفق مع ذلك تماما فإني اختلف مع ذلك الجزء من الروشتة الذي يدعو إلي التوسع في تجريم من يتبعون هذا الاسلوب في تقديري ان هذا خطأ فادح وقعنا ومازلنا نقع فيه, وهو خطأ يؤدي إلي مزيد من التخندق والتطرف والشعور بالشهادة في غير مكانها ولازمانها. ان هذا الخلط الفعلي المتمثل في التطرف والإرهاب والذي لا أتردد ان اسميه نوعا من التخبط والخلط العقلي لايعالج باتساع دائرة التجريم ولا بالايداع في السجون والمعتقلات علي مدي عقود اتبعنا هذه السياسة ولم تثمر غير مزيد من التطرف والإرهاب. ولكنه يعالج بما قاله اسامة سرايا في نفس الفقرة التي استعرتها وكتبتها في صدر هذا المقال يعالج هذا الداء والمرض العقلي بتبني حركة سياسية وثقافية واجتماعية وانسانية لانقاذ البسطاء من أن يقعوا فريسة لهذا التفكير المخيف واللعين وهذا صحيح وهذا حق ولكنه ليس كل الحق. ان الحركة السياسية القادرة علي مواجهة التطرف وعلي مواجهة التخلف العقلي هي تلك الحركة التي تؤمن ايمانا حقيقيا بالديمقراطية. والديمقراطية ليست نوعا من الاحاجي والالغاز وانما هي نتاج انساني انضجته قرون من المعاناة حتي وصل إلي ماوصل إليه الآن, والذي لايختلف احد حول اساسياته وجوهره. اما الديمقراطية العرجاء التي تؤمن بالمعتقلات والمحاكم الاستثنائية والقيود الغلاظ علي انشاء الاحزاب السياسية وعلي حركتها فهي المفرخة الاساسية لكل صور التطرف والإرهاب اردنا أم لم نرد. وفي معالجتنا للتطرف والإرهاب في الداخل يجب ألانقع فيما وقعت فيه السياسة الأمريكية التي ننتقدها في الخارج بأن نعتبر كل مسلم إرهابيا. وأنا من الذين يؤمنون ايمانا كاملا بأنه لايجوز الخلط بين المقدس وغير المقدس, بمعني آخر لايجوز الخلط بين الدين والسياسة, ومع ذلك فإيماني بالديمقراطية وما تقوم عليه من تعددية لايمنعني من الاعتراف بحق كل التجمعات الانسانية في أن تكون لها احزاب تعبر عنها مع مراعاة أمرين اساسيين, عدم الدعوة لاقامة دولة دينية فهذا اهدار للديمقراطية واهدار لمبدأ المواطنة, كذلك ومن ناحية أخري ألا يكون العنف وسيلة من وسائل العمل السياسي علي أي نحو كان, بهذين الشرطين لامانع من قيام احزاب لها مرجعية دينية أو تستوحي مباديء وقيم الاديان. اقول قولي هذا مع أني لا أجد حرجا ان اقول انني علماني التفكير, وليست العلمانية عندي إنكارا للدين, فأنا مؤمن بالله وكتبه ورسله والحمد لله ولكني مع ذلك علماني التفكير بمعني اني أضع الدين في موقف اسمي من صراعات الحياة السياسية, أضع الدين في موقف محايد, ولكن لأني مؤمن بالديمقراطية التي تقوم علي التعددية وحرية تكون الاحزاب فإني اعتقد أن إحدي الوسائل الاساسية في مكافحة الإرهاب والتطرف هي اطلاق الحرية امام التعددية الحزبية بقيدين اثنين: منع الاحزاب الفاشية التي تقيم ميليشيات عسكرية ومنع الاحزاب التي تدعو إلي اقامة دولة دينية, ذلك أن هذين النوعين من الاحزاب ينتهيان إلي إلغاء الارادة الشعبية التي هي اساس النظام الديمقراطي. ان مكافحة الإرهاب والتطرف إذا احتاجت احيانا كثيرة إلي العنصر الأمني فإنها تحتاج دائما إلي فتح ابواب الديمقراطية وهكذا نقيم كما يقول اسامة سرايا حركة سياسية وثقافية واجتماعية وانسانية, واضيف, مؤمنة ايمانا كاملا بالديمقراطية بما تعنيه من تعددية سياسية وسيادة للقانون وتداول للسلطة ودولة مدنية لاتفرق بين مواطن ومواطن والله المستعان. عن جريدة الاهرام المصرية 19/7/2007