ترحيل أزمات إسرائيل إلي العرب عاطف الغمري كان شيمون بيريز يلقي محاضرة بجامعة جورج واشنطن عام1997, وسئل عن فهم اسرائيل لعملية السلام, فكان رده علي السؤال: إنها حرب من أجل السلام, أو هي صراع قبل الوصول إلي السلام. وهذا التعبير كان يفسر السياسة التي اتبعتها اسرائيل بترحيل التناقضات التي تظهر لديها نتيجة دخولها عملية السلام, إلي الجانب العربي, ليبتلي هو بهذه التناقضات بدلا منها, باعتبار ذلك جزءا من فهمهم لعملية السلام كحرب أو صراع, وايضا جزءا من استراتيجية اسرائيل تجاه العالم العربي بشكل عام. وهذا لم يكن ممكنا أن يحدث إلا إذا كان العرب لم يضعوا لأنفسهم استراتيجية لعملية السلام, وفكرا سياسيا لادارة هذه العملية. وهو فعلا ما حدث حين امتلكت اسرائيل استراتيجية إدارة حربها من أجل السلام لتميل إلي ناحيتها, واعتبرت العملية صراع قوي بين طرفين, علي حين نظر العرب إلي عملية السلام, وكأنها من أول يوم قد أنهت الصراع العربي الاسرائيلي, فحدث الخلل بين طرفين, أحدهما يستخدم قواه, والآخر في وضع انصياع له. ولم تكن الأرض الفلسطينية بعيدة عن هذا التفكير وتطبيقاته. بل ان غزة كانت في عقل هذا التفكير, وما جري من اقتتال بين حماس وفتح كان هدفا اسرائيليا مرغوبا فيه من قبل وقوعه بوقت ليس بقصير. ولعلنا نجد تفسيرا لهذا في الدراسة المنشورة بالدورية الأمريكية ناشيونال إنترست في طبعة شتاء2005 2006, للكاتب الاسرائيلي ألوف بن, ويقول: كان قرار شارون بالانسحاب من غزة سيؤدي إلي تسريع تفسخ حكم السلطة الفلسطينية. ففي غزة المحررة ستكون الفوضي والاغتيالات والاختطاف هي نمط السلوك السائد, وليس القانون والنظام, وسيجد الفلسطينيون أنفسهم أمام اختبار الحكم, بعد سنوات من إلقاء اللوم لمعاناتهم علي الاسرائيليين. وبشكل عام فإن استراتيجية ترحيل التناقضات أو الأزمات, لها تاريخ قديم في اسرائيل, وكان أبرز تطبيق عملي لها, قد اتبعته اسرائيل في علاقتها بالولاياتالمتحدة. حدث ذلك بعد انتهاء الحرب الباردة عام1989, وحين سيطر علي المؤسسة الحاكمة في اسرائيل قلق شديد من ان تفقد اسرائيل وظيفتها في الاستراتيجية العالمية الأمريكية, والتي كانت تستخدم فيها اسرائيل قاعدة متقدمة في مواجهة توسع النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط, بالإضافة إلي دورها في افريقيا وأمريكا اللاتينية. ولأن اسرائيل لديها قاعدة ترحيل الأزمات أو التناقضات, فإنها وان توقعت هذا الاحتمال, إلا أنها بدأت في الوقت نفسه تعمل علي اتباع وسائل تري أنها لو نجحت, يمكن ان تعدل من هذا الاتجاه وتغير مساره. وأخذنا نشهد موجة من الترويج في الولاياتالمتحدة, خاصة في معاهد ومراكز البحوث, للمصطلح الذي أطلقوه عام1991, وهو مصطلح العدو المسلم. وقد جاء نيتانياهو الي الولاياتالمتحدة عقب فوزه في انتخابات1996, وبدأ حملة إلقاء خطب في اللقاءات العامة وفي الكونجرس يكرر فيها قوله بالنص ان الارهاب الاسلامي يمثل اليوم العدو الجديد للولايات المتحدة, التي هي الأكثر احتياجا لاسرائيل لمواجهته, بما لاسرائيل من خبرة في التعامل معه. وفي اواخر التسعينيات وفي أثناء حكم كلينتون, تعددت في مراكز ومعاهد البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية, مناقشات وورش عمل شاركت فيها شخصيات لها نفوذها في صناعة القرار, خاصة في مجلس العلاقات الخارجية وركزت علي أن الاستقرار الاقليمي في الشرق الأوسط يمثل مصلحة أمن قومي للولايات المتحدة, بعد أن انتفت الحاجة لإثارة الازمات في المنطقة والتي كانت جزءا من الصراع العالمي مع الاتحاد السوفيتي, الذي لم يعد له وجود, وأن مايهدد هذا الاستقرار هو عدم حل القضية الفلسطينية. وهي القضية المركزية في النزاع العربي الاسرائيلي, وان استمرار تجاهلها يعمل علي مضاعفة الاحباط بين الفلسطينيين وهو ماينتج التطرف والعنف. وهذا ضد مصلحة الولاياتالمتحدة. كانت اسرائيل من منطلق ترحيل التناقضات والأزمات ليبتلي بها غيرها تسعي لاشعال أزمات كبري في المنطقة, تصبح صورة القضية الفلسطينية بجانبها, أهون شأنا وأقل خطرا, وحتي تبرهن بذلك لصانع القرار السياسي الأمريكي, والمؤسسات المؤثرة علي صنع القرار, عدم صحة الاعتقاد بأن حل القضية الفلسطينية هو الذي سيعيد الاستقرار الي المنطقة. لذلك كانت حرب العراق مطلبا اسرائيليا تبنته جماعة المحافظون الجدد التي ربطتها بالليكود علاقة تنظيمية وطالبت به منذ عام1992. ان استراتيجية ترحيل الأزمات التي تمثل جزءا مهما في الفكر الاستراتيجي الاسرائيلي تكتسب فاعليتها في التعامل مع العالم العربي, من كونها سلوكا متحركا تواجهه حالة سكون نتيجة غياب الفكر الاستراتيجي وهو مايتسبب في الخلل في العلاقة مع أسرائيل في إدارة عملية السلام. وتأتي النتائج علي حساب المصالح العربية, ليس لعجز أو ضعف في الشعوب العربية, أو في امكانات دولها, وانما لهذا الغياب للفكر الاستراتيجي علي المستوي القومي. عن جريدة الاهرام المصرية 11/7/2007