الأهرام: 14/1/2009 بصرف النظر عن نتائج الحرب العدوانية الاسرائيلية علي غزة, يبقي معلقا في رقبة العرب أجمعين, واجب الإدراك بأن هذه الحرب استهدفت ماهو أبعد من غزة. هذا جزء من الاستراتيجية العامة لاسرائيل, التي تضع العالم العربي بكامله جملة واحدة في منظورها الاستراتيجي. هذه الاستراتيجية قد خرجت ولاتزال الكثير من تفصيلاتها, عن مراكز بحوث يهودية خارج وداخل اسرائيل, ومعاهد أكاديمية, وكتاب متخصصين في اسرائيل, توضح ان المشروع الصهيوني قائم, وإذا كان التوسع في الأرض أول بنوده, فإن من هذه البنود أيضا, منع قيام أي قوة كبري في المنطقة, سواء دولة, أو تجمعا من دول عربية, حتي لا يحول ذلك دون بلوغ حلم أن تكون اسرائيل قوة اقليمية رئيسية. كان ذلك مسجلا أيضا ضمن برامج وكتابات المحافظين الجدد, الذين سعوا إليه خلال فترة حكم بوش, بوضع مصطلح تمكين اسرائيل من المنطقة, موضع التطبيق, أما وإن رحيل جورج بوش عن البيت الأبيض, قد حمل معه عدم قدرة علي تحقيق المشروع, وإضعاف خطة تصفية القضية الفلسطينية, فكان لابد من تحرك استراتيجي عاجل, يستبق مجيء رئيس جديد للبيت الأبيض في20 يناير2009, ومواجهته بأمر واقع اقليمي جديد. ان جزءا أساسيا من المشروع الصهيوني, هو خلخلة الاستقرار الاقليمي بشكل مستمر, وتفتيت المنطقة, وخلق أسباب صدامات بين الدول العربية وبعضها, وداخليا بين النظم الحاكمة وجماهيرها. ولم يكن ما فعلته وزيرة خارجيتهم تسيبي ليفني, حيث أفصحت وهي في القاهرة عن نية مهاجمة غزة, سلوكا عفويا, فقد سبق اليها مناحم بيجين عام1981, عندما قام عقب لقائه بالرئيس السادات في مصر, باتخاذ قرار توجيه ضربة عسكرية للمفاعل النووي في العراق. والضغط من هذه الناحية, يقابله ضغط من الناحية الأخري علي الأهالي في غزة, ودفعهم دفعا إلي تحرك جماعي نحو سيناء, وتريد اسرائيل من ذلك ذريعة للتخلص من كثافة سكانية في غزة, واستخدامها في اعادة توطين فلسطينيي48, وحيث لا تكف جهات مسئولة في اسرائيل عن ترديد هذه النية, وكانت آخرهم ليفني, التي تحدثت قبيل العدوان علي غزة, عن يهودية الدولة بدون فلسطينيين. .. وتعبير يهودية الدولة, صار يتكرر من وقت لآخر, وشاركهم فيه جورج بوش مؤكدا تبنيه له. وضمن هذا التفكير أيضا, تصدير غزة إلي مصر, لتتحول إلي مشكلة مصرية, وليس مشكلة احتلال يجب إنهاؤه. وفي اطار الاستراتيجية الكاملة لاسرائيل, يكمن قلق متصل لا ينقطع, تصنعه تناقضات, بين ضرورات التظاهر بأنها تريد السلام, وتسوية المشكلة الفلسطينية, وبين خوف من هذه الاحتمالات علي الدولة اليهودية فقد اعتادت اسرائيل ان تكون الحرب, والتوتر, والمواجهات, أسبابا داعمة للدولة, من عدة نواح منها: 1 ان الحرب, والتوتر, والمواجهات, عنصر حيوي في تماسك مجتمعها المكون من خليط متنافر من هجرات متباينة الأصول, والمستويات التعليمية, والثقافية, والمعيشية, وطريقة التفكير. 2 أنها من أسباب انتعاش انتاجها, حيث يمثل الانتاج العسكري جزءا هاما للغاية من انتاجها الاقتصادي الاجمالي. وكانت اسرائيل كلما دخلت حربا, أو شنت عملا عسكريا, تجد اقبالا من الخارج علي انتاج صناعاتها العسكرية فضلا عن زيادة الطلب علي الاستعانة بخبرات جنرالاتها, في دول أخري, إما للتدريب, أو لقيادة عمليات ضد متمردين, أو لقيادة المتمردين أنفسهم في بعض المناطق. .. ان الأهداف كثيرة ومتعددة, وأبعد مدي من الحرب الاجرامية علي غزة, ولم تكن رد فعل فحسب علي صواريخ تطلق من أرض محتلة علي مستوطنات في اسرائيل, أو قرارا اتخذ تحت ضغط, لكنها عملية لها ابعادها الاستراتيجية, صحيح أن الهجوم الأخير قد بدأ التمهيد القريب له بحصار غزة, لكون الحصار في حد ذاته جزء من العمل العسكري, لكنه أيضا وبالاضافة إلي استهداف الوضع في غزة, يرمي إلي إحداث انعكاسات, كالهزات الأرضية في الجوار القريب عربيا, تخلخل الاستقرار الداخلي والاقليمي, وقد تخلق كما تطمح, واقعا متغيرا لصالحها. وليس من الأسرار الخافية, ما أصبح معروفا كما يسمي استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات أي بعد معاهدة السلام مع مصر والتي عرفت تفصيلاتها بعد ان ترجمت من العبرية في الولاياتالمتحدة التي تكرر فيها الحديث في اكثر من موقع عن استمرارية الأطماع في سيناء, وهدف تفتيت العالم العربي, وإحداث انقسامات في صفوفه. إن تعبير تغيير الوضع علي الأرض, كهدف معلن في اسرائيل عن عملية الهجوم علي غزة, وهو ما شاركتها في الاعلان عنه, كوندوليزا رايس, هو رمز لفكر المشروع الصهيوني, فالأرض في الفكر الاستراتيجي لاسرائيل, ليست قطعة من فلسطين فحسب, وانما هي الأرض العربية بكاملها. وكلها تحت نظر أي عمل اسرائيلي عدواني مهما كان مكانه. ولعل هذا يعيد إلي الذاكرة ماسبق ان صرح به صراحة, قائد القوات الجوية الإسرائيلية, عندما اجتاح جيش اسرائيل مدن وقري الضفة الغربية عام2001, وشن عليها حربا تدميرية شاملة, يومها قال: إن ما نفعله هنا لا يقتصر مغزاه علي الحدود الجغرافية للمكان, لكنه يعني ماهو أوسع مدي منه, إلي المنطقة كلها!!