المصير الفلسطيني بين الأزمة الايرانية والتحركات التركية د. حسن أبوطالب تتعرض القضية الفلسطينية في الآونة الراهنة لاختبار حاد نتيجة سرعة التطورات الاقليمية وتشتتها. ورغم أن الابعاد الاقليمية والدولية حسب طبيعة اللحظة الزمنية وتوزاناتها عادة ما عكست نفسها علي مسارات القضية الفلسطينية وامكانات تحركها صعودا أو هبوطا, فإن اللحظة الراهنة تتميز بتداخل وتشابك بين المتغيرات والفواعل المحلية والاقليمية بطريقة مذهلة, خاصة أن اصحاب القضية أنفسهم باتوا في وضع لا يحسدون عليه من الفرقة والانقسام وتعدد زوايا الرؤيا وتباين الحلفاء, وغياب المشروع الوطني الجامع. الظاهر أن حالة الاقليم الشرق أوسطي اصبحت في حالة سيولة, ومعرضة لتغيرات كبري سواء بطريقة عنيفة أو من خلال تسويات سياسية كبري قد تعيد خلط الاوراق والتوزانات علي نحو غير مسبوق. والحديث الجاري الآن بين خياري صفقة كبري يقيمها الغرب مع إيران تتضمن دورا اقليميا وأمنيا وانفتاحا غربيا غير مسبوق علي الدولة الايرانية, أو مواجهة عسكرية لتدمير البرنامج النووي الايراني جزئيا أو كليا, وما قد يتبع ذلك من رد انتقامي إيراني غير محدد بدقة, هذا الحديث يعني أن مستقبل الإقليم ككل مفتوح علي خيارات وسيناريوهات شتي, في كل الأحوال ستفرض أعباء جمة علي الأطراف العربية, وفي المقدمة الفلسطينيون بكل توجهاتهم السياسية والفكرية. وفي الآونة الراهنة تبدو أهم المدخلات الاقليمية كالتالي: الأول: الحركية الإيرانية ممثلة في العلاقة الاستراتيجية الخاصة مع سوريا, والعلاقة الخاصة مذهبيا وسياسيا مع حزب الله اللبناني, والدعم السخي لبعض الفواعل الفلسطينية المحلية الرئيسة كحركة حماس والجهاد الاسلامي, وغيرهما من منظمات المقاومة العسكرية المسلحة. الثاني: الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل, ومن قبل العلاقات المتميزة مع الدولة العبرية. والمفارقة هنا أن هذين الفاعلين الاقليميين يتقاطعان مع كل من لبنان وسوريا, والأخيرة تحديدا تمد بعلاقاتها المقاومة إذا جاز التعبير مع إيران, وفي الوقت نفسه تقبل وساطة تركية والانفتاح علي إسرائيل بدرجة ما. وهي مفارقة تدل علي ان درجة التشابك بين المتغيرات المتماثلة والمتناقضة باتت شديدة للغاية في اللحظة الزمنية نفسها, وأن الاقليم ككل يعيش مرحلة سيولة مفتوحة علي احتمالات عدة. وهنا علينا ملاحظة ما يلي: 1 أن سوريا تواجه بدرجة ما تحدي عزلة سياسية عربية, نتيجة برودة اتصالاتها السياسية مع كل من مصر والسعودية والاردن وإلي حد ما السلطة الوطنية الفلسطنية. وهي عزلة تتناقض مع كونها رئيس القمة العربية حتي مارس2009, والتي يفترض فيها ان تكون علي تواصل مباشر مع القوي العربية المختلفة. هذه العزلة العربية الجزئية المحيطة بسوريا, يواكبها بعض تحركات فرنسية من اجل الانفتاح عليها بحجة الدور الايجابي الذي لعبته في التوصل إلي اتفاق الدوحة اللبناني. وهو أمر وإن عكس أولويات فرنسية بحتة, لكنه لا يعبر عن توجه أوروبي عام أو يحظي بكامل التأييد من قبل الادارة الامريكية الراهنة. والمرجح هنا ان سوريا تعمل علي استهلاك عنصر الزمن إلي أن يأتي رئيس امريكي جديد, لعل ذلك يساعد في حدوث انفتاح امريكي نسبي عليها, يؤيد الخطوات التي اتخذت في المفاوضات مع إسرائيل. 2 لبنان يواجه بدوره مرحلة حرجة سياسيا واقتصاديا وأمنيا. فما جري في أول مايو الماضي, حيث استخدم حزب الله السلاح لما اسماه لحماية السلاح, وما ترتب عليه من تغيير في موازين القوي بين الفرقاء اللبنانيين في بيروت والجبل والشمال, قد وضع لبنان علي اعتاب مرحلة جديدة من حيث التوازن السياسي الطائفي. وبالرغم من ان اتفاق الدوحة قد احتوي نسبيا بعض مظاهر الازمة الدستورية, ممثلة في إعادة الاعتبار مرة اخري إلي مؤسسة الرئاسة بعد انتخاب العماد ميشيل سليمان رئيسا, وفتح أبواب البرلمان اللبناني مرة ثانية بعد اغلاق اقترب من العام, إلا أن التطورات الأمنية والمواجهات التي تحدث في طرابلس وفي الجبل, فضلا عن تعثر تشكيل الحكومة وكونها عندما تشكل حكومة تجمع بين الاضداد, فإن لبنان سيظل في حالة دوار سياسي حتي ما بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في ربيع.2009 وهو أمر سيكون له انعكاسه المباشر علي اي موقف لبناني بشأن عملية السلام أو اطروحات التفاوض مع إسرائيل. بعبارة اخري ان لبنان ليس مؤهلا بعد لكي يكون احد أطراف التفاوض المباشر او غير المباشر مع إسرائيل. والمسألة هنا ليست مرتبطة وحسب بالارث السياسي لسياسة تلازم المسارين التي عرفها لبنان إبان حقبة الهيمنة العسكرية السورية حتي مارس2005, ولكنها مرتبطة أيضا بكون لبنان في اللحظة الراهنة غير مؤهل للدخول في عمليات كبري من قبيل المفاوضات, في الوقت نفسه هناك استحقاق دولي متمثل في المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رفيق الحريري, وسيكون له تأثيره المباشر علي مجمل التوازن الداخلي سياسيا وطائفيا. فضلا عن إشكاليات مثل مصير سلاح حزب الله والاستراتيجية الدفاعية للبنان, والنفوذ الايراني الذي سيحاول الامساك بالورقة اللبنانية لحين اتضاح مسارات الاحداث سواء بالنسبة لسوريا او بالنسبة للصفقة مع الغرب بشأن البرنامج النووي الايراني. 3 أن اي حديث عن تحركات إيرانية بشأن القضية الفلسطينية, يجب ألا يغفل أن منطلقات الموقف الايراني تدمج بين أبعاد إيديولوجية دينية تفرض مواقف صراعية مع إسرائيل, واخري مرتبطة بصراعها مع الولاياتالمتحدة والغرب بشأن برنامجها النووي, وثالثة مرتبطة بحسابات الأمن القومي الايراني وعلاقته بما يجري في العراق لاسيما ما يطرح بشأن توقيع اتفاقية أمنية عراقية مع الولاياتالمتحدة ستثبت الوجود الامريكي علي الارض العراقية لمدة طويلة ومفتوحة, وهو ما له انعكاس سلبي قطعا علي عناصر الأمن القومي الايراني المباشر. إن التطور الابرز الآن المتعلق بإيران يتمثل في امرين جوهريين اولهما أن الحديث عن مفاوضات سورية إسرائيلية يثير ما تراه الدوائر الاسرائيلية ضرورة مراجعة سوريا لعلاقاتها الاستراتيجية مع إيران, أو بعبارة اكثر وضوحا فك التحالف مع إيران, ومن ثم عزل إيران إقليميا ودوليا. أما الامر الثاني فيتعلق بمصير عملية الشد والجذب بين إيران والقوي الغربية بشأن برنامجها النووي, والامر المرجح هنا ان إيران تعمل علي تمرير صفقة شاملة مع الغرب تضمن لها استمرار عملية التخصيب علي اراضيها. وإذا فشل الامر فإنها تعمل علي جعل خيار الحرب ضدها مكلفا, والافضل ألا يحدث, مع الاستمرار في تحمل العقوبات الاقتصادية قدر الامكان. بالنسبة لسوريا فإن التضحية بالعلاقة الاستراتيجية مع إيران لم يحن أوانه بعد. فقبل ان تتضح كل ابعاد صفقة السلام مع اسرائيل ومع الولاياتالمتحدة ايضا, لن يحدث اي تراجع في العلاقة مع إيران. لكن المؤكد ان سوريا لن تدخل الحرب, حسب قول الرئيس بشار الاسد(3 يونيو الماضي) إذا جرت مواجهة عسكرية إيرانية امريكية/ إسرائيلية. وهو الأمر إن حدث سيضع العلاقة مع إيران في مهب الريح, لاسيما إذا تخطت المواجهة العسكرية حدودا معينة واستدعت ان يكون هناك دور للتحالف السوري الايراني. 4 إن تدخل تركيا في مسيرة المفاوضات العربية الاسرائيلية يمثل حدثا جديدا بكل المعاني, فهو من جانب يعكس رغبة تركيا في استثمار علاقاتها المتنامية مع سوريا علي مدي عقد كامل, وعلاقاتها الخاصة مع إسرائيل باعتبارها اكبر دولة يعيش فيها مسلمون, ويحكمها الآن حزب مثير للجدل باعتبار ان له جذورا اسلامية او مرجعية إسلامية وفقا لما يروجه خصومه العلمانيون الألداء. بيد ان هذه المفاوضات لا تخلو من إشكاليات, فأولا أن لها مرجعية خاصة بها لم تتضح بعد, وثانيا غير واضح بعد حدود التدخل التركي, وثالثا أن المشكلات الدستورية التي يواجهها الحزب الحاكم التركي بقيادة اردوغان, وعلاقته المتوترة مع المؤسسة العسكرية تفرض قيودا علي ما يمكن ان تقوم به تركيا في هذه العملية المعقدة. علي الاقل إلي أن يتضح مصير الحزب ومصير نخبته القيادية. مجمل هذه التطورات يقول إن مصير فلسطين بات اكثر ارتباطا بأدوار وتدخلات إقليمية عديدة, لكل منها أهدافه الخاصة بعيدا عما يستحقه الفلسطينيون أنفسهم, فهل يدركون ما يفعلون؟ عن صحيفة الاهرام المصرية 2/7/2008