سيد القمني في " الحزب الهاشمي".. شبهات وردود غلاف الكتاب ومؤلفه محيط – شيماء عيسى يعتقد سيد القمني الفائز مؤخرا بجائزة الدولة التقديرية ، وصاحب الدراسات الماركسية الشهيرة ، أن الإسلام مجرد إفراز أرضي لا سماوي ؛ فهو لا يفسر سلوك المسلمين وشريعتهم وفق القرآن الكريم وسيرة خاتم النبيين والأحاديث الواردة عنه ، ولكنه يفسر كل ذلك بصورة مادية بحتة ؛ فيؤكد في كتبه جميعا أن الظروف الإجتماعية والاقتصادية والسياسية التي جرت في الجاهلية هي وحدها التي مهدت لظهور الإسلام ، وأن هذا الدين تعبير عن طموح سياسي طغا على رأس الهاشميين وتبلور في ذهن جد الرسول عبدالمطلب الذي أراد أن تكون الإمرة في يد بني هاشم على كافة القبائل بالجزيرة العربية ، وفي وقت ظهرت الدعاوى لنبذ الأصنام والعودة لملة ابراهيم أبوالأنبياء ( الحنيفية ) ، فقد فكر جد الرسول – بحسب القمني – في أن ظهور نبي من بني هاشم هو وحده ما يحقق هدفه على غرار النموذج اليهودي الإسرائيلي الذي اعتمد على نبي الله داوود !! ولا تزال ردود الفعل الغاضبة من فوز القمني بجائزة الدولة متواصلة ، إلا أنه كان من الأهمية بمكان أن نتبين سبب هذا الهجوم بقراءة في أحد أهم كتبه " الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية " الصادر عن دار "مدبولي الصغير" ، والذي عدته لجنة الأزهر مسيئا علنا لعقيدة المسلمين .. وتتناول السطور التالية أفكار الكتاب والرد عليها .
حمل الفصل الأول من الكتاب اسم " تأسيس 1 " وفيه يؤكد القمني أن عبدالمطلب بن هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في وحدة سياسية بين عرب الجزيرة نواتها مكة تحديدا ، وكان ذلك في وقت تسوده بيئة التفكك القبلية البدوية ، التي يستثنى منها منطقة الحجاز بمدينتيها الرائدتين مكة ويثرب حيث هيأ وضعها الجغرافي ووعورة الطريق إليها أن تكون بيئة عربية خالصة بعيدة عن الصراع الدولي والتأثر بالحضارات الأجنبية بدون أن تفقد التواصل معها . أما الفصل الثاني الذي يحمل اسم " تأسيس (2) " فيتحدث المؤلف فيه عن شهرة العرب بالتجارة وكيف انتقل نشاط التجارة لمنطقة الحجاز ( مكة ويثرب) بعد أن وقعت اليمن فريسة الاستعمار الحبشي ثم الفارسي ، ثم تسببت الصراعات بين الأوس والخزرج داخل يثرب لرجوح كفة مكة التجارية وبنهاية القرن السادس كانت مكة بحق هي مركز الطريق التجاري الرئيسي. لكن الغريب أن المؤلف يربط تحالف قريش مع الأوس ضد الخزرج ، وبين تحالف أهل يثرب وخاصة الخزرجيين مع النبي صلى الله عليه وسلم ضد قريش ، وبذلك فهو يستبعد اهتداء أهل المدينة ( يثرب) لدين الله ومحاربتهم لقريش من هذا المنطلق الديني. والغريب أيضا أن الكتاب يحوي مقالات تهاجمه ، ومنها مقالة لأستاذ العقيدة الإسلامية والفلسفة الراحل د. محمد المسير بعنوان " فضائح الفكر اليساري .. تأسيس الدولة الإسلامية " يقول فيه ردا على الفصل السابق أن انصار رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا من الأوس والخزرج معا وجمعت بينهم أخوة الإسلام وقد استقبلوا المهاجرين من مكة ولم يفرقوا بين هاشمي وغيره ، ولا قرشي وغيره . في الفصل الثالث " مكة .. حلم السيادة " يتحدث سيد القمني عن كثرة الكعبات التي كان العرب في الجاهلية يحجون إليها ويقدمون عندها النذور لآلهتهم ويطوفون بها ، وكيف انتهى المطاف بأن استضافت مكة جميع أرباب التجار الوافدين من العرب الجاهليين ( أصنامهم) فحظت بقداسة خاصة لديهم ، وضاعف من ارتفاع نجمها هزيمة حملة الفيل بقيادة أبرهة التي أرادت هدم الكعبة. صراع السلطة يتحدث المؤلف في الفصل الرابع " قصي بن كلاب " عن تاريخ السيطرة على مكة عبر الأزمان فمن قبيلة جرهم ذات الأصل اليمني القحطاني ، ثم سيطرة إياد بن نزار ، الذي غلبه عليها بعد ذلك مضر . ومن مضر تنتزع قبيلة خزاعة اليمنية مكة مرة أخرى ، لينتهي الأمر إلى الاستقرار في يد قريش في قبضة قصي بن كلاب وكان سيد قريش الذي فرض الضرائب على القوافل التجارية المارة وأرسل الرسل للممالك المجاورة وبنى دار الندوة التي يتشاور بها كبار قريش في الحرب والسلم.. بعدها يحاول المؤلف خلق بيئة صراع بين أبناء قصي بعد رحيله ، فقد كان له ولدان عبدالدار وعبدمناف ، ويروي المؤلف أن الأب أوصى بكل السلطات لابنه البكر عبدالدار فحمي حقد عبدمناف على أخيه وما حظى به من تشريف ، وتمر الأجيال ويتشاجر جيل أبنائهم في هذا الشرف ، وبعد فترة ينتهي الأمر بسلام حينما تقاسم أبناء العمومة ألوية الشرف الموروث فاصطلحوا على أن تكون السقاية والرفادة والقيادة لبني عبدمناف ، والحجابة واللواء لبني عبدالدار . لكن بني عبدمناف ( هاشم ، عبد شمس ، المطلب ، ونوفل ) علا نجمهم وفشا أمرهم إلى حد أنهم كانوا هم سفراء الامان والإيلاف لدول العالم الكبرى حينذاك . ثم تستقر ألوية الشرف ) القيادة والسقاية والرفادة) في يد هاشم بن عبدمناف بالتحديد دون بقية إخوته ، ويقول المؤلف : و ما إن رحل عبد شمس عن الدنيا حتى ساورت ولده أمية الأطماع في أخذ ما بيد عمه ( هاشم ) من ألوية الشرف بالقوة ( يؤكد الباحثون أن هاشم وعبدشمس كانا توأمين ، وقد رحل عبد شمس وعمره 25 سنة تقريبا ، وكان ولده أمية وقتها عمره لا يتجاوز خمس سنوات فكيف يفكر في سلب ما لدى عمه ! ) ، ثم يكمل القمني قصته : كادت الحرب تقطع صلات الرحم ، ولكن مرة أخرى تفادى القوم الكارثة وقضى كاهن خزاعي تقاضوا إليه بنفي أمية بن عبد شمس عشر سنوات لمنفى اختياري ، فشد رحاله إلى بلاد الشام وارتبط بأهلها بأواصر السنين والمصاهرة ، وقامت هناك دولة كبرى بعد سنين يرأسها حفيدة معاوية تلك التي عرفتها الدنيا باسم الدولة الأموية ، ثم يلمح المؤلف لفكرة أن هذه الدولة ظلت تصارع أبناء العمومة الذين كونوا الدولة الإسلامية وخاصة العباسيين نسبة للعباس بن عبدالمطلب بن هاشم ، وكأنه يؤكد أن الإسلام كان ممزقا بين دول متباغضة بينها .
وردا على هذا الفصل يقول د. المسير بمقاله أن أن المؤلف توهم أن الاحفاد يسيرون وفق خطة مرسومة لإقامة دولتين متصارعتين ، وتناسى أن التاريخ من صنع بشر وليس هناك رابط بين هذه الأجيال حقيقي ، وأكد على أن الدولة الأموية احتضنت الإسلام وواصلت مسيرة الفتح الإسلامي وجاءت بعد ذلك الدولة العباسية لتقيم الحضارة العلمية فوق هذه البقاع الإسلامية، أي أن قصة صراع الأحفاد الأبدي مفتعلة .
جزيرة العرب قوة بنو هاشم يصف القمني في الفصل الخامس " بنو هاشم من التكتيك إلى الأيدولوجيا" كم كان هاشم – الجد الثاني للرسول - سخيا مع قومه وهو أول من سن رحلتي الشتاء والصيف ، كما كان سفير قريش لدى الملوك دائما ، ولكنه – وفق القمني – دعم قوى حزبه الهاشمي العسكرية برجال الحرب من بني النجار من الخزرج أي اليثاربة ، وترك ولده "عبد المطلب" جد الرسول الأول لينمو في حياة الفروسية ويتزوج من بنت جناب بن كليب الخزرجي شدا للأواصر . ثم يرمي المؤلف لامتداد ذلك التحالف الهاشمي اليثربي في زواج حفيد عبدالمطلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة بنت خويلد الأسدي رضي الله عنها ! يريد أن يؤكد أن الرسول يسير على المخطط الهاشمي ، وحاشاه أن يفعل فقد عاش أربعين عاما كما يعيش أقرانه رعى الغنم وعمل بالتجارة ولم يكن يحلم بوحي من الله إليه ، ويواصل بقوله: رأى عبدالمطلب أن الداء في جزيرة العرب في فرقة القبيلة والعشيرة لتعدد أرباب القوم ومن هنا أسس فهما جديدا للاعتقاد يجمع القلوب عند إله واحد ويلغي التماثيل والأصنام ، ومن هنا أعلن تبرأه من أرجاس الجاهلية وعودته لدين جده ابراهيم وهو دين الفطرة الحنيفية. أما في الفصل السادس من الكتاب بعنوان " جذور الأيدولوجيا الحنفية" فيلمح سيد القمني إلى أن انتشار الحنيفية بالجزيرة العربية والحجاز تحديدا مهد لدخول الإسلام ، ثم ينقل قول الدكتور أحمد الشريف أن الجاهليين كانوا يتطلعون لظهور نبي منهم يصلح أحوالهم ، وكان من المتوقع لو لم يظهر الإسلام أن يدخل العرب في أحد الدينين السماويين القديمين المسيحية أو اليهودية ، ولكنهم كانوا يرغبون بدين يعبر عن قوميتهم كعرب!
يرد الباحثون على ما ورد بالكتاب في الهدف السياسي من دعوة النبي أن من يريد توحيد العرب جميعا تحت إمرته سيعتمد على نزعتهم القبلية وعروبتهم كأسس للوحدة وليس لعقيدة توحد بني البشر ولا تضع فارقا بين عربي وأعجمي وتقيد الشهوة ويخسر صاحبها حياة أتباعه في حروب طويلة بسببها ، وحين قال القمني أنها كانت دعوة هاشمية فلماذا آمن بالإسلام في أحرج وأضعف لحظاته أناس ذوي مال وجاه وسلطان من بني أمية ، وكيف يؤكد أن جد الرسول كان على علم بنبوته والله يقول بكتابه الحكيم : " وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين " . خاتم النبيين في الفصل السابع "ظهور النبي المنتظر " يؤكد القمني أن الإسلام حين نزل بمكةالمكرمة لم يلغ حرمة مكة ، وإنما أخذ على عاتقه محاربة العصبية القبلية وتعدد الآلهة ، ويتدرج في سيرة النبي الكريم وصولا لزواجه من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكانت امرأة تاجرة ذات شرف ومال ، لكنه يلمز هنا لرواية تاريخية ( ملفقة ) تدعي أن أبا السيدة خديجة قد سقاه أبناؤه خمرا حتى يتم زواجها من الرسول ، وهو مغيب عن الوعي ! ( وهي رواية مرفوضة تاريخيا كما ان عم السيدة خديجة هو من زوجها وليس والدها الذي مات قبل ذلك بزمن ) ، ثم روى القمني كيف أن رسول الله أخذ يتابع " خطوات جده عبدالمطلب " لغار حراء مما " حول " هذا الكهف لمكان مقدس وبالحنيفية آمن ، بحسبه ، ولم يكد صلى الله عليه وسلم يبلغ الأربعين من عمره حتى حسم الأمر " بإعلانه أنه نبي الامة " ، وهي كلها إيحاءات تكشف عدم اعتقاد المؤلف بالوحي الذي نزل على خاتم النبيين فهو يفسر إعلانه للنبوة بأسباب سياسية بحتة . ثم يأتي الفصل الثامن والأخير من الكتاب بعنوان " العصبية والسياسة " وفيه فيلمح المؤلف إلى فكرة أن الرسول كان تارة " يصانع اليهود " وتارة " يصبر عليهم " ثم يقول : "حتى تحين الفرصة ، فيقلم أظفارهم ثم يرى نفسه مضطرا إلى التخلص منهم نهائيا ! " . والحق أنه صلى الله عليه وسلم أخذ عليهم المواثيق والعهود وأمنهم على أنفسهم فلما نقضوها تعامل معهم بخيانتهم وطردهم من المدينة حفظا للدين . يتبين بالنهاية أن سيد القمني أراد في كتابه " الحزب الهاشمي " إفراغ الإسلام من كل اتصال بالوحي والسماء ، ويفسر الحوادث التاريخية بطريقة تجعل ظهور الإسلام حتميا وبالتالي فإن الإسلام كان مجرد وسيلة عربية لتحقيق أهداف العرب القومية ، وإذا تتبعنا فكرته سنصل لمراده من القول وهو أننا نعلن إنتماءنا لحضارة – أي الإسلام - لا نمت لها بصلة نحن العرب وعلينا أن نعيش عالمنا بطريقتنا الخاصة بعيدا عن الدين ، وهو جوهر الفكر العلماني .