كتاب : إفريقيا متسامحة دينيا والإستعمار فرض لغاته محيط – مي كمال الدين صدر عن مؤتمر تفاعل الثقافات الإفريقية والذي اختتم مؤخرا بالقاهرة ، كتاب يضم ملخصات الأبحاث التي قدمها نحو 40 معنيا بشئون القارة السمراء . وحول الديانات في إفريقيا ناقشت حورية مجاهد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ورقتها البحثية في المؤتمر ، مشيرة إلى أن إفريقيا تعد القارة الوحيدة التي يضم الإسلام أكثر من نصف سكانها وتعرف باسم "قارة الإسلام" بينما يقدر عدد المسيحيين بنحو 11% من مجموع السكان ولا يتعدى عدد اليهود بها 90 ألفاً، ويدين باقي الإفريقيين بالديانات التقليدية. وأهم ما يميز المجتمعات الإفريقية أنها تقوم على أساس "التسامح الديني" فلا يعرف الإفريقيون "حرب الأديان" وبالتالي فإن دخول أي فرد في دين سماوي لا يعني استبعاده من الجماعة أو طرده من القبيلة، وأن من يدخل ديناً جديداً يظل متمسكاً ببعض القيم المتوارثة أي لا يوجد هجر كلي للثقافة لان هذا يعد قطعاً لعلاقته بجماعته. وبالحديث عن الديانات السماوية الموجودة في إفريقيا تقول مجاهد أن المسيحية انتشرت في إفريقيا في ظل الوجود الاستعماري ولم يتقبلها المجتمع الإفريقي بكاملها ومن هنا ظهرت الكنائس المستقلة وكان أول ظهور لها في مملكة الكونغو القديمة أواخر القرن السابع عشر، وترجع أسباب نشأة هذه الكنائس إلى الإحباط وعدم تقبل التواصل والتفاعل بين كل من الحضارة والثقافة الغربية والإفريقية بعد اختراقها من قبل الأوروبيين وعدم تفهمهم لنفسية الإفريقي وفلسفته في الحياة وتقاليده ومحاولة طمسها، ومن هنا سعى الإفريقي إلى التميز والحفاظ على ثقافتهم المحلية من خلال الكنائس المستقلة، بينما رجع البعض لليهودية في الأجزاء التي لم يتقبلوها في العهد الجديد. أما الإسلام فقد وصل إلى أجزاء القارة الإفريقية كافة فما من دولة إلا بها مسلمون سواء كانوا أكثرية أو أقلية، ويرجع ذلك إلى التوافق بين جوهر الديانة التقليدية والإسلام وذلك في نقطة الإيمان بوجود خالق أعظم بصفاته وخصائصه. وفي النهاية تؤكد مجاهد على أن تفاعل الأديان السماوية مع الديانة التقليدية والمجتمع في إفريقيا يمثل أفضل دليل على التعايش بين الحضارات والتزاوج بينها، ووفقا لما قاله علي المزروعي المفكر الإفريقي المسلم المقيم في الولاياتالمتحدةالأمريكية من أن "القارة الإفريقية تلعب دوراً مهماً كهمزة وصل بين الدول الغربية المسيحية والدول العربية الإسلامية بحكم أنها من الناحية الجغرافية واقعة بين الطرفين ويوجد بها السماحة الدينية " وهذا عكس ما يشاع حالياً من سيادة فكرة الصراع الحتمي بين الحضارات مع عصر العولمة والتي روج لها الكثير من الكتابات الغربية وعلى رأسها كتابات صموئيل هينتجتون. هوية أبناء القارة كان من بين الأوراق البحثة واحدة قدمها د. جابر عصفور رئيس المركز القومي للترجمة بعنوان "مفهوم الهوية الثقافية" أكد فيها أن الهوية ليست كيانا ثابتا منغلقا على كل شعب ، بحيث يقول المثقفون بوجوب حفظ الهوية من مخاطر العولمة وغزو الفرانكفونية وما يوازيها من نزاعات محلية امازيغية او بربرية ، باعتبار أن ذلك سيؤثر بالسلب على هويتنا العربية ، لأن ذلك لن يحدث ولكن التغيير والتفاعل مطلوب لذاته . فالهوية وفق "عصفور" بها أمور ثابتة في تاريخ الأمم وثقافتها ، ولكن بها أشياء أخرى متغيرة نتيجة تغير الزمن والتفاعل مع الخارج ، فكل شعب يؤثر ويتأثر بالمحيطين به . مقاومة العولمة يوضح الباحث والمفكر الإفريقي عبدالله بوجرا في ورقته المعنونة ب " مقاومة الثقافات الإفريقية للعولمة الثقافية" أن العولمة الحديثة تنقسم إلى ثلاثة مراحل وذلك منذ الحرب العالمية وحتى الآن، المرحلة الأولى هي "الفترة الاستعمارية" وذلك في الفترة ما بين 1945 – 1960 وكان بها هيمنة تامة على إفريقيا، ثم فترة "الحرب الباردة" في الفترة بين 1960 – 1980 وخضعت للتنافس الإيدلوجي، ثم "المرحلة الحالية" والتي امتدت من 1990 وحتى 2010 وبدأ بها التحدي الشرقي للهيمنة الكونية. ووفقاً للباحث تنقسم العولمة إلى عولمة اقتصادية وسياسية ومالية وتكنولوجية وثقافية وبينما سيطرت العولمة التي يحركها الغرب على هذه المجالات السابقة، سعت إفريقيا في المرحلة الحالية من العولمة نحو الاستقلال في العديد منها خاصة في المجالين الثقافي والاقتصادي. وفي الشق الاقتصادي تمكنت بالفعل العديد من البلدان الإفريقية من التوصل إلى إقامة صلات تجارية واستثمارية مع دول الشرق مثل الصين وماليزيا والهند واليابان وهو الأمر الذي مكنها من إقامة اقتصاديات واستثمارات أكثر استقلالاً وتنافساً وهو ما شكل نوعاً من المقاومة للهيمنة الاقتصادية الغربية. أما بالنسبة للعولمة الثقافية فتتفوق فيها الدول الغربية في مجالات عديدة حيث فرض الاستعمار أشكالاً عدة من النظام السياسي والحكم والإدارة والنموذج الاقتصادي واللغة والدين والعديد من القيم والممارسات الثقافية المهمة التي لا تزال قائمة حتى اليوم ولم تقدم الدول الشرقية بدائل في تلك المجالات سوى بالتجارة والاستثمار فقط، مما يجعل السيطرة في يد الغرب. أزمة اللغة أشار عمر السيد عبد الفتاح في ورقته التي شارك بها في المؤتمر والمعنونة ب " وضع اللغات الأوروبية في إفريقيا" إلى أن القارة الإفريقية عانت من الاستعمار الأوروبي لفترات طويلة والذي تمثل في الاستعمار الفرنسي والبريطاني والبرتغالي والألماني وغيرها من أشكال الاستعمار الأوروبية والتي وفدت على القارة بمختلف مشاربها وخلفياتها الثقافية واللغوية والاجتماعية والسياسية. وأنه على الرغم من مرور نحو نصف قرن على تحرر هذه الدول الإفريقية من الاستعمار الأوروبي فإن أثاره لا تزال واضحة على الساحة الإفريقية وتتجلى في التبعية السياسية أو الهيمنة الاقتصادية و التردي الحضاري والثقافي الذي يميز معظم دول القارة. ويأتي الأثر اللغوي من أبرز الآثار التي خلفها الاستعمار في القارة فقد رحل الاستعمار وخلف وراءه اللغات الأوروبية التي ترسخت داخل المجتمعات الإفريقية لتجابه لغاتها المحلية والتي عانت من التهميش ولم تنل حظها من الدعم والتشجيع، وهو الأمر الذي زاد من تعقيد المشهد اللغوي الإفريقي بلغاته الكثيرة فجاءت هذه القوى الاستعمارية بثقافتها ولغاتها على واقع لغوي إفريقي معقد من الأساس حيث تتسم القارة الإفريقية بالتعددية اللغوية الشديدة فتصل عدد لغاتها إلى 2035 لغة.
وفقاً لعبد الفتاح عملت القوى الاستعمارية على بسط نفوذها وفرض ثقافتها ولغاتها على المجتمعات الإفريقية مما أفرز وضعا لغويا جديداً وصارت الدول الإفريقية تصنف تصنيفاً لغوياً وثقافياً جديداً وفقاً للغة الاستعمار فصار لدينا الدول الإفريقية الفرانكفونية للناطقين بالفرنسية،والانجلوفونية للناطقين بالإنجليزية، واللسوفونية للناطقين بالبرتغالية، وبالتالي مزق الاستعمار المزيج اللغوي الإفريقي حتى بعد رحيله لم يتم السعي من أجل أن تنال اللغات الإفريقية مكانتها التي سلبت، فلم تلقى الاهتمام والدعم بل ترسخت أكثر فيها اللغات الأوربية وزادت مكانتها.