** الفنان التشكيلي يوسف البادي ثمة أناس يسيطر على فكرها الاعتقاد بأن ماضيهم هو سندهم وقوتهم الأكيدة ، ومن المؤسف في المقابل أن تكتشف ثغرة بالغة الخطورة في هذا الاعتقاد.. وهو الاتكاء والاعتماد في الظهور على الماضي وتاريخ الأفراد أو الدولة أو المكان بصفة عامة ، ويتم الافتخار بما فعله من كانوا في تلك الفترة. ولو ضربنا أمثلة على إنجازات عظيمة حققها الإنسان.. فسنجد مثلاً أنه لا قيمة لألف ألف هرم بناه الفراعنة منذ آلاف السنين أن يفتخر به الناس في حاضرهم ويظلون كذلك ، دون أن تخرج تلك الأرض نفسها بناة لبناء أو مخترعين وعباقرة يفعلون مثل ما فعل أجدادهم من قبل: إبداعًا وابتكارًا... ولا قيمة أيضاً لو ضربنا مثلاً آخر ، لكل الأفلاج بأنواعها في عُمان وبكل ما تتميز به من دقة وإبداع ، دون أن يكون في حاضرنا مثيل لتلك العبقرية التي أخرجت فكرة "الفلج" حينها. لا يعني كل هذا أن تنسى الدول والمدن والناس ماضيها الجميل وتاريخها الذي شرفها بإنجازات خالدة وأن تحافظ عليه أيضا ، لكن المراد هنا هو ما يظهر في صورة الاتكاء ، أو جعله عكازاً لاعتدال المشي وحسب ، أو جعل الماضي خلفية جميلة فقط ، دون أن يكون للمتكئ ، أو صاحب العكاز ، أو لمن جعل ماضيه خلفية له.. حاضرًا يفتخر به أيضاً. ربما ستكون معظم الإشارة حين الحديث عن هذا الأمر موجهة نحو المسلمين تحديداً ، فهم أكثر الممارسين لمثل هذه العادة ، فكثيراً ما نسمع عن الافتخار بأطبائنا القدامى والتذكير الدائم بإنجازاتهم ، وخذ مثل ذلك علم الهندسة واللغة والموسيقى والعمارة وعلم الفلك وغيره ، كل هذا يصب في العادة في خانة المقارنة بين المسلمين وأمجادهم وما حققوه بالغرب في القرون الوسطى ، وكذلك كيف ساهم المسلمون في بناء الحضارة بصفة عامة ، لكن مهما كتب وقيل عن هذا كله فإن هذا لن يكون إلا من باب الرغبة بالتصفيق بيد واحدة. والتصفيق بيد واحدة.. هو مضيعة للوقت وعمر الإنسان.. ومن ثم فإن بناء الحضارة التي وإن اعتمدت على خلفيات تاريخية أحيانا حتى السلبية منها لتفاديها.. إلا أن المكوث تحت تلك المضلة لا يسبب إلا النعاس وهذا بدوره يؤدي إلى النوم الطويل الذي لا يخلو من كوابيس.. وتحية قبل النوم تقول: تصبح على ألف ألف ألف .. لا ، ليس على خير .. بل على ألف ضياع وضياع. ** منشور بصحيفة "الوطن" العمانية 17 يونيه 2009