الرباط: داخل بهو محكمة قضاء الأسرة بالدارالبيضاء، التي تخفي زخرفتها الجميلة ومعالمها الأثرية مجموعة من القصص الزوجية الحزينة والمثيرة في الوقت نفسه، بداية من الطلاق وهجر بيت الزوجية إلى التخلي عن الأبناء والحرمان من الحقوق الشرعية، التفت نساء من مختلف الأعمار حول بعضهن البعض، كل واحدة منهن كانت تنتظر ذلك اليوم للحسم في تجربتها الزوجية أو انطلاقة رحلة متعبة بين ردهات هذه المحكمة، حيث الازدحام المألوف والعيون التائهة التي تلتفت يمينا ويسارا وكأنها تبحث عن شيء ما، معان كثيرة ترتسم فوق وجوه النساء والرجال الذين كانوا ينتظرون أمام باب القاعة رقم 1، تتحرك شفاههم بكلمات كثيرة لكنها غير مسموعة، تتجول نظرات أعينهم بين زوايا المحكمة وزائريها، حاملة آلاف المعاني، عقول مبعثرة وابتسامات باهتة وثرثرات طويلة، لكن قاسمها المشترك هو المشاكل الزوجية والأسرية . وبحسب صحيفة "الصحراء المغربية" داخل هذا المكان تختلط كل الأشياء، الأوراق الرسمية بالقصص والحكايات الواقعية، الابتسامات بالدموع وصوت العون القضائي بأصوات المتقاضين والمحامين، كل واحد يفكر في قضيته المعروضة أمام أنظار المحكمة، لكن في الوقت ذاته، تجده أكثر اهتماما بقصص غيره، ويطرح أسئلة كثيرة عن مآل الحياة المشتركة الجميلة إلى فراق وخصام وتقاضي أمام المحاكم. وقفت مجموعة من النساء في مقتبل العمر وأخريات طاعنات في السن إلى جانب باب القاعة من أجل الظفر بمقعد داخل قاعاتها الصغيرة، وبينهن كانت تجلس امرأة في الستينيات من عمرها، إلى جانبها أبناؤها الأربعة، كانوا يتحدثون إليها بصوت خافت وكأنهم يحاولون أن يثنوها عن أمر خطير قد تقدم عليه. وغير بعيد منهم كان يجلس رجل عجوز، كان الأبناء تارة يتكلمون إليه وتارة أخرى إلى والدتهم، في حيرة شديدة دون أن يتمكنوا من إرضاء الطرفي.كان هذا العجوز والد الأبناء الأربعة، حضر صباح ذلك اليوم من أجل دعوى الطلاق التي رفعتها زوجته ضده. انطلقت جلسة المحاكمة في حدود الساعة التاسعة والنصف صباحا، دخل المتقاضون واصطفوا جنبا إلى جنب، خاصة النساء فيما اتخذ الرجال الصف الأخير من هذه الكراسي، ومنهم من فضل الوقوف. نادى القاضي على المرأة كانت ترتدي جلبابا أنيقا، وتضع منديلا على رأسها يظهر القليل من شعرها الأسود الناعم الذي اعتلاه الشيب، كانت محط أنظار جميع الحاضرين داخل القاعة، وكأنها المرة الأولى التي تحضر فيها امرأة برفقة أبنائها في مقتبل العمر إلى المحكمة، الكل كان يتساءل حول ذلك، وانطلقت الهمسات والتساؤلات، بمجرد أن نادى عليها رئيس الجلسة، فالمرأة أنيقة وجميلة، تختلف عن باقي النساء اللائي جئن إلى المحكمة ذلك اليوم، رغم ما خلفته آثار الزمن على وجهها البيضاوي الناعم. نهضت من مكانها ومشت بخطوات واثقة نحو منصة الحكم، ولم تتمكن هذه الثقة التي رسمتها على وجهها من أن تخفي ضربات قلبها التي كانت تسبقها، وبدت عليها علامات القلق والتوتر وهي تلتفت نحو المكان الذي يجلس فيه أبناؤها، فنادى القاضي على زوجها الكهل أيضا، وتوجه بالسؤال إليها حول سبب رفعها دعوى الطلاق، صمتت الزوجة قليلا قبل أن تقول: "أسي القاضي راه بغا يتزوج عليا من بعد 30 عام ديال الزواج". القاضي "كيفاش". المرأة "حنا مزوجين من أكثر من ثلاثين عام وعندنا 4 ديال الأولاد وفي الأخير نسا كولشي وبغا يتزوج من واحدة أخرى". القاضي للزوج متسائلا "واش عندك شي مشاكل مع مراتك وعلاش بغيتي تتزوج عليها".الزوج بعد أن خفض رأسه نحو الأرض "أسي القاضي راه غير الشيطان وصافي" وقبل أن يواصل جوابه، قاطعته الزوجة مخبرة القاضي أنها تتراجع عن الدعوى القضائية وأنها تسامحه، وهو ما أكده دفاعها أيضا، ليبتهج جميع الحاضرين، فقد تمكن الأبناء بعد المحاولات الكثيرة مع الأب والأم من إنقاذ زواج دام أزيد من 30 سنة، وربما أقنعوا والدتهم بالتراجع عن الطلاق وأيضا والدهم الذي أبدى ندمه على لحظة طيش كان سيفتك فيها بعش الزوجية والتضحية بسنوات من السعادة، في حين لم تتمكن دموع هؤلاء الأبناء من إخفاء سعادتهم وفرحتهم بقرار الوالدين .