«اللى ياكل لقمتى يسمع كلمتى.. وإلا عليا الطلاق...» «دولة غائبة ونساء محطمة» هو عنوان التقرير الذى أصدره المركز المصرى لحقوق المرأة اليوم، الذى يرصد أحوال المرأة المصرية بين أروقة المحاكم ومدى حاجتها إلى قانون أسرة جديد. وأشار التقرير إلى أن قانون الأحوال الشخصية فى مصر ليس فى صف المرأة، كما أن آليات تنفيذ قوانين الأحوال الشخصية صعبة ومكلفة جداً، وأغلب مشاكل الأحوال الشخصية تنحصر فى الرغبة فى الحصول على الطلاق. وفى 2004، صدر قانون لإنشاء المحاكم الأسرية بهدف فض المنازعات سلمياً -إن أمكن ذلك- قبل إحالتها إلى محكمة الأسرة، لبتها فى مكان منفصل عن القضايا الأخرى حفاظاً على السرية ومراعاة لنفسية الأبناء، جهود حثيثة يبذلها أفراد وحكومات وقيادات لتوسيع هامش العدالة فى مصلحة المرأة ضمن منظومة الزواج، لكن المشكلة فى هذه الجهود، كما يشير التقرير أنها تفتقد عنصرين بالغى الأهمية، الأول أن هذه الجهود تأتى دائماً من فوق، وتوازيها جهود شعبية مناهضة. شابة فى الخامسة والثلاثين من عمرها، تحمل شهادة ليسانس فى الأدب الإنجليزى، وتستعد للحصول على درجة الماجستير فى الترجمة الفورية، عملت أستاذة فى الجامعة لكن زوجها الأستاذ الجامعى أيضاً أجبرها على الاستقالة للتفرغ لتربية الأطفال. وقبلت مجبرة، بعد تلويحه بالطلاق أكثر من مرة، ثم بدأ فى التقتير عليها وحرمانها من مصروف البيت، كلما أتت بفعل اعتبره هو علامة على «عدم طاعتها له»، طلبت منه غير مرة أن يعاملها كما يعامل زميلاتها اللواتى يعملن معه، ولا يجرؤ على التطاول عليهن باللفظ، لكنه كان دائماً يرد عليها بأنه طالما هو المسؤول عن إعالتها، فعليها ألا تتفوه إلا ب«نعم» و«حاضر»، ثم طلبت أن تعود إلى عملها، لعلها إذا ساهمت فى الإنفاق على البيت، «يعيرها» احترامه، فهددها بالطلاق. النفقة.. الأحكام القضائية وحدها لا تكفى يقول تقرير «دولة غائبة ونساء محطمة» إن التعديلات الأخيرة فى قانون الأحوال الشخصية حاولت تسهيل إجراءات دعاوى النفقة، ولكن النظام القانونى الجديد مازال يعتمد إلى حد كبير كسابقه على نفس إجراءات الإثبات وهو ما يذهب أحياناً فى عكس مصلحة المتقاضيات إذا لم يتحل محاموهم بالكفاءة اللازمة لتقديم الأوراق المطلوبة فى الوقت المناسب. كما أن هذه الاجراءات تفتح الباب لتقديم وثائق مزورة تشير إلى دخل أدنى من الفعلى الذى يحصل عليه الأزواج. ومن ثم فإن القانون بحاجة إلى آليات أخرى تمكن القضاة من الوصول إلى فهم أفضل للجوانب المتنوعة والمتباينة التى تتضمنها القضايا المنظورة.. هناك العديد من المشاكل التى تواجه السيدات اللاتى صدرت لهن محاضر تسوية أسرية ولا يستطعن صرف المبالغ المتفق عليها ودياً إلى جانب وضع حد أقصى للمبالغ التى تصرف بحيث لا تزيد عن 500 جنيه للأحكام الداخلية والخارجية. «ه.ع» مطلقة منذ عام لكثرة الخلافات، تقول إن زوجها لا ينفق على صغيرتها منذ ولادتها وكانت أسرتها تتولى المصاريف. وتبلغ طفلتها من العمر الآن سنتين، ولكن بعد وفاة والدها العائل الوحيد للأم لجأت إلى مكتب التسوية لرفع دعوى النفقة وانتظرت 15 يوماً لإعلان الزوج ولكن الزوج رفض إعطاءها نفقة. وتحكى «س.ن» قصة أخرى تتلخص فى أن زوجها رفض الإنفاق عليها هى وأولادها رغم أنه ميسور الحال فذهبت للمركز المصرى لحقوق المرأة للحصول على نفقة من الزوج فرفع المركز دعوى فى محكمة أسرة المعادى وقد صدر حكم بفرض نفقة وقدرها 250 جنيه نفقة ولكنها لم تتمكن من التنفيذ، والزوج رفع دعوى تخفيض نفقة اتفق عليها مع جهة العمل على أن يتم تحرير خطاب يثبت فيه أن دخله قليل. الخلع.. الهروب بأقل الخسائر بسبب طول فترة التقاضى التى تستغرقها قضايا الطلاق للضرر، أصبح من الطبيعى أن تلجأ السيدات لرفع دعاوى خلع مضحية بكل حقوقها المالية من أجل الحصول على الطلاق، خاصة أن معظم أسباب طلب الخلع تتركز فى امتناع الزوج عن الإنفاق على زوجته، وكذلك إهانته لها بشكل مستمر واعتداؤه عليها فى أحيان كثيرة بالضرب والسب. فبعد مضى 25 سنة زواجاً، قامت إحدى السيدات برفع دعوى خلع ضد زوجها الذى تعرف على فتاة تصغره ب15 سنة، لجأت الزوجة للمحكمة ورفعت الدعوى بأسرة المعادى تحت رقم 1047 لسنة 2008، وعرض مقدم الصداق بموجب إنذار موجه للزوج وعند تداول الجلسات أقر الزوج بأنه أعطى الزوجة مبلغ 15 ألف جنيه مهراً أثناء عقد الزواج، فقرر القاضى إحالة الدعوى للاستجواب وتحملت الزوجة عبء إحضار شهود إثبات، وعند حضور الشهود فوجئت بأن من بين الشهود الذين استقدمهم الزوج شاهداً عمره 23 عاماً، أى أنه ولد بعد زواجها، مما يعنى أنه لم يحضر الزواج أصلاً، وقد حكمت المحكمة بالخلع. على أن قضايا الخلع لا تنتهى كلها بأحكام فى صالح المرأة.. تشهد بذلك حالة السيدة التى رفعت دعوى خلع ضد زوجها بسبب الخلافات المستمرة التى قالت إنها تنشب بينهما، خاصة بعد كتابة الشقة باسمها، الأمر الذى وصل إلى حد اعتداء زوجها عليها بالضرب والسب ثم إكراهها على التنازل عن الشقة. فقامت برفع الدعوى، وعند إعلان الزوج بعريضة الدعوى كان الرد الذى يكتب على العريضة: «نظراً لعدم وجود الزوج فى العنوان الموجود بعريضة الدعوى....» ولأن الزوجة فشلت فى معرفة المكان الذى يسكن فيه الزوج فلم تحصل على الطلاق، ولم يصدر حكم بالدعوى نظراً لعدم معرفة محل إقامة للزوج. الطلاق للضرر.. «طولة العمر تبلغ الأمل» بعد إثبات الضرر الواقع على النساء للحصول على الطلاق سواء للعنف أو الزواج بأخرى، تم إدخال «الطلاق للضرر» فى قوانين الأحوال الشخصية المصرية على أساس تعاليم المذهب المالكى للشريعة، ومع ذلك، يظل إثبات الضرر محكوماً بقواعد المذهب الحنفى الذى يتطلب إحضار شهود عيان يتمتعون بالمصداقية للشهادة على واقعة حدوث الضرر. وكثيراً ما يصعب توفير هذا الشرط حيث إن الضرر الذى يتسبب فيه الزوج خاصة النفسى والجنسى أحياناً ما لا تستطيع مشاهدته الأطراف الخارجية، كما أنه، حتى فى حالة وجود الشهود، قليلون هم الذين يقبلون الذهاب إلى المحكمة للشهادة. وهناك أمثلة عديدة لسيدات لجأن إلى رفع دعاوى قضائية يطالبن فيها بالطلاق للضرر حتى يحافظن على حقوقهن المادية التى كفلها لهن القانون فقد لجأت إحدى السيدات لرفع دعوى تطليق للضرر بسبب سوء معاملة زوجها لها، قائلة إنه دائم الاعتداء عليها بالضرب والسب والطرد من مسكن الزوجية. ونفس الشىء تكرر مع سيدة أخرى حصلت بالفعل على حكم تطليق للضرر وقامت بعد ذلك برفع عدة دعاوى مثل دعوى النفقة وحبس متجمد ومصاريف مدرسية، غير أنها لم تستطع تنفيذ حكم النفقة على الزوج لأن بنك ناصر لم يسمح بالحجز على الراتب للتنفيذ، وفى الوقت نفسه قام صاحب العقار برفع دعوى طرد لعدم دفع الإيجار من قبل الزوج، ولم يهتم بكونها حاضنة، وأن هناك خلافات زوجية بينها وبين زوجها. فيما شكت سيدة ثالثة تعالج ابنها من ميكروب سبحى، وتتابع مع طبيب، من معاملة الزوج السيئة، خاصة أنه ميسور الحال ويملك عقارات وأرصدة فى البنوك، وغير أنه بخيل جداً ويعيش معها فى شقة فى دور أرضى بها رطوبة، وغير مهيأة صحياً للأولاد وقالت إنها طلبت منه تغيير الشقة، فتكرر منه الاعتداء عليها وعلى الأولاد بالضرب. التعليم..«مسمار جحا» للتنغيص على الحاضنات تبدأ المتاعب الحقيقية للمرأة بعد الطلاق، خاصة إذا نتج عن العلاقة الزوجية أطفال، ساعتها تدخل المرأة المطلقة فى نفق المشكلات من نفقة إلى حضانة ثم رؤية وغيرها. على أن هناك مشكلة جديدة ظهرت مؤخراً تتعلق بعلاقة الولاية التعليمية العامة للأب على أبنائه، والتى يستغلها بعض الآباء فى التلاعب بمستقبل الأبناء التعليمى للأضرار بمطلقاتهم. رغم أن التعديل الأخير فى قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 نص فى الفقرة الثانية من المادة رقم 54 على «تكون الولاية التعليمية على الطفل للحاضن». والسؤال الذى تسأله الأمهات هو كيف نترك مستقبل الأبناء فى يد أباء لا ينفقون على أبنائهم ويتهربون من مسئوليتهم أو يقومون برفع دعوى تقليل نفقة. «سلوى» لديها أربعة أبناء، ثلاثة منهم فى مرحلة التعليم الابتدائى الإلزامى والرابع لم يدخل المدرسة بعد. حدث خلاف بينها وبين زوجها، ،وبعد الطلاق أخذت أبنائها واستقلت بهم تمهيداً للحصول على الطلاق من زوجها فما كان من الأب إلا أن تقدم إلى مدرسة الأبناء وسحب ملفاتهم بزعم انه سينقلهم إلى مدرسة أخرى ولكنه لم يقدم أوراقهم إلى أى مدرسة وقد فعل ذلك قبيل امتحانات آخر العام الدراسى بأسابيع قليلة. حاولت الأم أن تثنيه عن عزمه دون جدوى فتقدمت إلى مدير مدرسة قريبة من المنزل الذى انتقلت مع أبنائها للإقامة به وقد وافق على أن يقبل الأولاد بالمدرسة بشرط أن تستكمل ملفاتهم الدراسية. قامت الأم باستخراج مستخرج رسمى لشهادات ميلاد الأطفال فى محاولة منها لعمل ملفات جديدة لهم إلا أن مدير المدرسة الأصلية رفض إعطائها بيان حالة يوضح السنة الدراسية التى كانوا مقيدين بها .