فضيحة "سوناطراك" تعيد فتح ملفات الفساد في الجزائر محيط – زينب مكي
قطاع النفط العمود الفقري للاقتصاد الجزائري خرجت تقارير ودراسات صادرة عن البنك الدولي ومراكز الدراسات الدولية والجزائرية تتساءل عن سبب وجود نسبة كبيرة من الفقراء في الجزائر وهي واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط و الغاز في العالم وعضو منظمة "أوبك" وراحت الدراسات تربط ذلك بانتشار الفساد في البلاد.
ورغم تعهد السلطات الجزائرية بالوقوف في وجه الفساد والتصدي له فلم يغلق بعد ملف "بنك الخليفة" الذي قيل أنه كلف خزينة الجزائر المليارات حتى ظهرت ملفات فساد أخرى يعتبرها المراقبون أشد خطورة من سابقاتها آخرها ما بات يعرف بفضيحة "سوناطراك".
فضيحة "سوناطراك"
وكشفت فضيحة الرشوة والفساد التي أعلن عنها مؤخراً في شركة سوناطراك النفطية العمومية أن الفساد مس حتى القطاعات الحساسة في الدولة الجزائرية؛ فشركة سوناطراك هي العمود الفقري للاقتصاد الجزائري باعتبار أن قطاع النفط والغاز يمثل أكثر من 97% من صادرات البلاد؛ بدخل سنوية لا يقل عن 40 مليار دولار.
ويتعلق الأمر بصفقات نفطية مشبوهة يعتقد أن الشركة أبرمتها خلال السنوات القليلة الماضية، وقد زاد من حساسية هذا الموضوع التحقيقات المعمقة التي فتحتها الشرطة القضائية والمخابرات الجزائرية، والتي طالت بعض المسئولين البارزين في الدولة وفقا لما ذكره موقع التلفزيون الألماني "دويتشه فيله" على شبكة الإنترنت. لويزة حنون "الفساد يوجد حتى في قطاع العدالة بتعيينات غير مستحقّة وأمور أخرى'' وقالت صحيفتا الخبر والوطن الجزائريتان إن قاضي تحقيق استدعى المسئول الأول في "سوناطراك" محمد مزيان ونائبين له وخمسة مديرين تنفيذيين للمثول أمامه بشأن ادعاءات بالفساد في ما يتعلق بعطاءات وعقود، الأمر الذي اعتبره الرئيس السابق للشركة عبد المجيد عطار "زلزالا حقيقيا".
الجهود الحكومية
و من جانبه أصدر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أمرا لأجهزة المخابرات بتسخير كل إمكانياتها للكشف عن القطاعات التي يطالها الفساد، لاسيما المتعلقة بالقطاعات الإستراتيجية، وفي مقدمتها القطاع النفطي الذي يعد الممول الرئيسي لكل نشاطات التنمية في البلاد.
وتوعد بوتفليقة في خطاب ألقاه أمام عدد من القضاة في أكتوبر الماضي المتورطين في قضايا الفساد والرشوة ونهب المال العام، مشددا أنه "لا بد من أن ينال كل ذي مفسدة جزاءه"، ومؤكدا في الوقت نفسه أن بلاده "تخوض معركة حاسمة ضد الفساد بجميع صوره وأشكاله".
بوتفليقة يتوعد المتورطين في قضايا الفساد وبالفعل مست التحقيقات قطاع الأشغال العمومية وتحديدا المشروع الضخم للطريق السريع الذي يربط شرق البلاد بغربها على امتداد أكثر من 1200 كلم والذي ارتفعت تكلفته إلى أكثر من عشرة مليارات دولار بعدما كانت الدراسات حددت له 7 مليارات دولار.
ومن جهته، أعلن الوزير الأول في الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى نهاية الأسبوع الماضي عن عزم حكومته إنشاء مرصد وطني لمكافحة الرشوة والفساد، موضحا أن هذا المرصد سيعمل على إعداد إستراتيجية لمكافحة هذه الآفة.
فقدان ثقة الشعب
ووصف جيلالي حجاج من منظمة الشفافية العالمية في تصريح ل"دويتشه فيله" أن "الفساد بات يهدد أمن الدولة الجزائرية برمتها"،مضيفا أن "هذه الظاهرة تسببت في خسارة كبيرة للأموال العامة وللمشاريع التنموية التي أُطلقت منذ مطلع القرن الحالي، وهو ما أدى إلى فقدان ثقة الشعب في أجهزة الدولة."
وكان تقرير أصدرته المنظمة الدولية نهاية 2009 قد صنف الجزائر في المرتبة 111 ضمن قائمة الدول التي تعتمد الشفافية في منظومتها الاقتصادية، واقر التقرير أن "قانون الصفقات العمومية المعتمد في الجزائر لا يشجع على محاربة الفساد".
وكان تصنيف للجامعة العربية أوردته صحيفة "الفجر" الجزائرية ، على أساس معادلة تجمع بين قيمة نصيب الفرد السنوي من المعيشة بالدولار، وعدد السكان بالنسمة لكل دولة، قد صنّف الجزائر في المرتبة التاسعة عربيا،متساءلة الصحيفة كيف يتم تصنيف الجزائر ضمن الدول العربية الصناعية، والمعروفة بمشاريعها الاستثمارية ودخلها القومي الكبير، إلا أنها لم تتمكّن من تحسين المستوى المعيشي لأفرادها، ولا تزال القدرة الشرائية عندها متدهورة.
استغلال الطفرة النفطية جيلالي حجاج "قانون الصفقات العمومية في الجزائر لا يشجع على محاربة الفساد"
وفي الوقت الذي راحت كل الدول التي وهبها الله نعمة "النفط" تتسابق في كيفية استغلال الفوائض المالية الضخمة التي تحققها من وراء ارتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية غير مسبوقة، يتخوف مراقبون من فشل استغلال الطفرة المالية التي تشهدها الجزائر، مما قد يفاقم من المشاكل الاجتماعية والسياسية في البلاد، خاصة بعد ظهور طبقة "للأثرياء الجدد" تقابلها طبقة واسعة من الفقراء والعاطلين عن العمل.
وفي هذا الصدد يقول حجاج إن كل المعلومات التي صدرت عن البنك الدولي ومراكز الدراسات الدولية والجزائرية تتساءل عن سبب وجود نسبة كبيرة من الفقراء في واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط و الغاز في العالم، وتربط ذلك بانتشار الفساد، فيما تقول الحكومة الجزائرية إنها تمكنت من تقليص عدد الفقراء لتتراجع نسبة الفقر من 12.1% في بداية الألفية الحالية إلى 9.4% في 2009، إلا أن منظمات دولية وأحزاب معارضة تشكك في صحة هذه الأرقام.
ويؤكد حجاج في هذا الشأن "أن المواطن العادي فقد الثقة في أجهزة الدولة، وهو ما تترجمه الاحتجاجات العنيفة والإضرابات التي تحدث باستمرار في عدد من المناطق الجزائرية". و تتحدث الصحف الجزائرية يوميا على الإضرابات العمالية، التي كان آخرها الإضراب الذي طال قطاع الصحة.
لويزة حنون الأمين العام لحزب العمال غياب الإرادة السياسية لمحاربة الفساد
وتنتقد عدة مؤسسات مالية دولية الجزائر لتحفظها على استقبال خبراء دوليين أو السماح لبعض المنظمات الدولية التي تحارب الفساد بالعمل داخل البلاد، وذلك بالرغم من مصادقتها عام 2005 على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الظاهرة.
ويقول حجاج إن السلطات الجزائرية لم تسمح لمنظمة الشفافية الدولية والتي يمثلها في الجزائر بالعمل بشكل رسمي، مرجعا ذلك "إلى غياب الإرادة السياسية لمحاربة الفساد في البلاد".
ومن جانبها علّقت لويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال الجزائري ، على ملف الفساد بالقول ''لا ينبغي أن نغطي الشمس بالغربال، فالفساد يوجد حتى في قطاع العدالة بتعيينات غير مستحقّة وأمور أخرى''.
وفي ندوة صحفية نشرتها صحيفة "الخبر" الجزائرية ، خرجت حنون عن مألوف الخطابات المنددة بالفساد، وأقحمت قطاع العدالة ضمن القطاعات التي تعاني من الفساد، وأسقطت حنون حكمها على الحاصل من فضائح في قطاع الأشغال العمومية، بالإشارة إلى الأمين العام للوزارة الوصية القابع في السجن بقرار''سياسي'' فيما يوجد''مسئولون عن الفضائح يجولون في الخارج مرتاحين''. عبد المجيد عطار التحقيق في قضية سوناطراك "زلزالا حقيقيا"
وأشارت حنون أن الأمر لا يختلف بالنسبة لفضيحة "سوناطراك"، التي وصفتها بالكارثة، وأن للوزير شكيب خليل علاقة سياسية بها، ''حيث لايزال العمل بصفقات التراضي ووكالات الضبط الخطرة على الدولة".
وأضافت حنون إن '' الفساد معشّش في الجزائر منذ الاستقلال جراء سياسة الأحادية وغياب الإرادة الشعبية والرقابة الديمقراطية''، التي وصفتها بأنها سياسة ''أنتجت عمليات نهب ولدت أثرياء غير شرعيين اشتروا المؤسسات باسم الخصخصة''.