قراءة : موسى علي القاهرة: صدر حديثاً عن الدار المصرية اللبنانية رواية جديدة للكاتب ناصر عراق بعنوان "العاطل"، تقع الرواية في 330 صفحة من القطع المتوسط، وصمم الغلاف الفنان حسين جبيل، والرواية هي الثالثة في مسيرة المؤلف الروائية بعد روايتيه " أزمنة من غبار" 2006، و"من فرط الغرام" 2008. تتعمق الرواية في أجواء الشباب الكابوسية، ورحلتهم في البحث عن عمل شريف ، وما يلاقونه من عنت واستبداد من قبل مستخدميهم سواءً في مصر أم في دول الخليج التي سافر إليها بطل الرواية محمد عبد القوي الزبال. وخلال أحداث الرواية تظهر لنا شخصيتان رئيسيتان الأولى وهو بطل الرواية محمد الزبال الشخص المقهور والمهمش والمسيطر عليه من قبل والده، الذي يتمنى موته بفرح طاغٍ، وفي المقابل توجد شخصية منصور عبد العليم ابن الخالة الذي تربى في بيئة تحترم حرية الفرد وتعرف طريقها إلى القراءة والحرية داخل الأسرة. تبرز شخصية منصور كنقيض من محمد الزبال، وعمد المؤلف إلى ذلك ليعمق مأساة بطله، بوضعه دائمًا أمام مرآة منصور الكاشفة، ففي مقابل الوسامة والوضوح والقوة والجاذبية والنجاح التي يمثلها منصور، تأتي صفات الفشل والمهانة والمذلة والخنوع التي يمثلها البطل. وعبر الرواية نجد المؤلف يؤكد على هذا التناقض والاختلاف بين الشخصيتين فتدور حياة كل من منصور ومحمد في محاور مختلفة متعاكسة طوال الوقت ففي حين ينجح منصور في رسم حياته واختيار طريقه للشهرة والنبوغ، يستكين محمد الزبال لقدره الذي فرضه عليه والده. منصور ينجح في الحياة والأعمال والحب وحتى العلاقة بالنساء على العكس من محمد الذي يعاني من الإحباط المستمر. ويتعمق الاختلاف بين الشخصيتين خلال الرواية في جميع المجالات فمنصور يذكر أمام البطل العشرات من أسماء الكتب والروايات ودواوين الشعر ، مما لا يعرف عنه محمد الزبال شيئًا، وحتى حينما تصيبه الغيرة ويستعير كتابًا يصاب بالنعاس، يقول البطل: "أعترف الآن وبصراحة أنني حاولت أن أحاكي منصور في علاقته بالقراءة ولكنني أخفقت ، وعبثًا بحثت عن اللذة في القراءة التي ما فتئ يقول عنها وما وجدتها فحين أمسك كتابًا وأشرع في مطالعته أجدني مستسلمًا لسلطان النوم " . في المقابل نرى منصور يذكر دائمًا أسماء ماركيز ، وليون تروتسكي ، وإسحق دويتشر ، وصلاح عبد الصبور وغيرهم ، يحاول الراوي تعميق مأساة بطله بكل الطرق ، وكأنها محاولة لجلد الذات دون رحمة. كذلك يبرز المؤلف التناقض بين الأشخاص المحيطين بالشخصيتين الرئيستين في الرواية من الأخوات والأباء وغيرهم، فبينما أختا محمد نجاة وثريا تعيستين نجد ابنتي خالته متحررتان منطلقتان، ونجد البطل يقف ضد القهر مما جاء على لسانه: "لكن الوجع الذي ظل يلازمني ويشعرني بالعجز على الدوام، هو متابعتي لانطفاء ورود الأنوثة في عيني شقيقتي نجاة وثريا ". كذلك يبرز التناقض البيئتين المختلفتين التي نشأ فيها كل من محمد ومنصور، حيث نشأ محمد الزبال في بيئة فقيرة عشوائية ، بين الريف والمدينة في حارة بائسة اسمها حارة " السوق القديم " وهي حارة " منسية لا يوجد لها ذكر على الخريطة"، تخترق حيًّا فقيرًا يائسًا اسمه دمنهور شبرا، بينما نجد منصور في دبي التي تضج بالزحام والجنسيات المختلفة متبايني الألوان واللغات، إلى جانب نظافتها بعكس دمنهور شبرا.