صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت كتاب "العقل المختل - نقد الذات بين 11 سبتمبر وحرب العراق" للدكتور فاتح عبدالسلام. يحاول المؤلف الإجابة عن السؤالين: كيف تقاس القوة؟ وكيف يقاس الضعف؟ كذلك يحاول أن يلتقط أكثر من صورة مجسمة للعلاقة بين العرب والآخر في معرض الإجابة عن هذين السؤالين عبر مشهد عريض وساخن يمتد من أحداث 11 سبتمبر حتى الأميركية على العراق. ووفقا لصحيفة "الف ياء" يقدم عبدالسلام رؤية في المنظومات التي يقوم عليها الفعل السياسي ومسوغاته الفكرية والدينية والاجتماعية، معالجاً مفردات التخلف والتقدم والحرية والتغيير والوجود والعزلة في نسيج العقل الذي يحكم والعقل الذي يقع عليه استحقاق الحكم. ويرى في بحثه عن كيفية قياس القوة أن الولاياتالمتحدة الأميركية لكي تخرج من منطقة الكراهية لها أو التشكيك فيها والنفور منها إلى منطقة الوثوق بها، تحتاج الى إصلاح مفصل واضح في فلسفة العلاقة الأميركية مع الآخرين ولاسيما أولئك الذين يقعون في أسفل دول الفقر والتخلف والحروب. ويشير المؤلف الى أنه في خلال أقل من عقدين على سقوط الاتحاد السوفييتي وتفكيكه دخلت الولاياتالمتحدة الاميركية على نحو سريع، على خط الفراغ الذي تركه السوفييت عبر الباب العسكري فحسب، ولم تستطع الآلة الاميركية السياسية والإعلامية أن تفيد من مغادرة الخصم التاريخي والفكري والحربي الملعب، لتُقدِّم البدائل ذات المعنى الفكري والإنساني المؤهل لتأسيس فلسفة سلام دولي ترعاه بشكل محايد القوة الأكبر في العالم. ويناقش الكتاب علاقة المثقفين العرب مع الأنظمة والسياسيين، ويلفت إلى أن المزاج العام للإنسان العربي، ولاسيما لدى النخب اصطبغ بردود أفعال ليس من السهل محوها أو تجاوزها إزاء السياسة الاميركية. فثمة واقع غربي يتشكل تحت تأثير الخطوة الاميركية الحالية أو المقبلة المجهولة. ويرى عبدالسلام أن معظم السياسيين العرب يرون المثقفين أناساً باحثن عن دور لا يستحقونه لأنهم في أبسط مفهوم غير مؤهلين للتعامل مع الواقع من زاوية علمية، فهم أحاديو النظرة، مصلحون منطوون لا يصلحون في برامج قيادية للمجتمعات التي تبحث عن انفتاح في الفعل والمعنى والشكل والأسلوب والخطاب. والسياسي هنا ينفي عن نفسه الأحادية القارة في توصيف المثقف له، ذلك أنه يعد العلاقة التي يقيمها مع المجتمع في أي نمط سلطوي، إنما هي كفيلة بإخراجه من تلك التهمة. وعلى نحو مواز للعلاقة المختلة بين السياسي كدور والمثقف محدود مغاير ينعدم الطموح الى دور اجتماعي كبير لدى شريحة كبيرة من النخب الثقافية، نتيجة رد فعل للهوة الكبيرة التي أحدثها السياسيون بينهم وبين المجتمع بما يلبي المصالح النفعية للطبقات الحاكمة بالمفهوم السياسي والاجتماعي والاقتصادي. ويرى عبدالسلام أن معظم المثقفين العرب بالغوا بأدوارهم في الحياة العامة للمجتمعات العربية، وانعكست تلك المبالغة في الشعور بالإحباط والغبن من أن الأنظمة السياسية ظلمتهم وهمّشت أدوارهم. في حين أن تلك الأدوار لم تكن في غالبية المشهد التاريخي كبيرة ونقية، وإنما كانت جزءاً من آليات سلطوية في إطار سياسي أو اجتماعي، سواء أكان ذلك برضاهم أم بإرغام من جهات أُخرى.