دمشق: يشرح كتاب "الصورة وطغيان الاتصال" الصادر عن وزارة الثقافة السورية لمؤلفه إيناسيو رامونه وترجمة نبيل الدبس كيف بدأت الصورة التليفزيونية على وجه الخصوص بإعادة تشكيل الخريطة الإعلامية والاتصالية فارضة قوانينها الخاصة على عالمنا المعاصر متحولة بذلك إلى طاغوت ضمن عالم الاتصالات الحديثة. وتضمن كتاب الصورة وطغيان الاتصال تسعة فصول تناول أولها الذي حمل عنوان "رسولية إعلامية" الثورة الراديكالية التي حققتها الرقميات والوسائط المتعددة بدعم من التجمعات الاحتكارية الاتصالية وتنافسها غير المحدود في سبيل زيادة أرباحها عن طريق كسب أكبر عدد من القراء وبالتالي من المعلنين ولو كان ذلك عبر التركيز على نجوم الأخبار أو كما سماهم رامونه شعب الإعلام المختار. وتحدث رامونه في فصل "عصر الشبهة" عن فرض التليفزيون نفسه مرة أخرى على رأس الهرم الإعلامي منذ ثمانينيات القرن الماضي بداية البث المباشر حتى بات كل ما هو غير مرئي غير موجود إعلامياً وساد شعار "لا صورة تعني لا حقيقة" وهنا حاولت الصحافة المكتوبة أن تعيد إنتاج ما يقدمه التلفزيون مع تركيزها على الوتر العاطفي لتستطيع التعايش مع الوضع الجديد. ويقول رامونه كما نقل عنه موقع "وزارة الإعلام السورية" إن نظام البث المباشر واعتماده على أي شاهد في مكان الحدث سيدق آخر مسمار في نعش صحافة التحقيق الصحيحة. أما الفصل الثالث فيتناول الصحافة كسلطة ديمقراطية تقوم بوظيفتها النقدية بعيداً عن الهيمنة التي تفرضها رؤوس الأموال وذلك عبر ما تقوم به من تحقيقات واستطلاعات تطال مختلف جوانب الحياة. ويتطرق رامونه في فصل "أن تكون صحفياً" إلى أخلاقيات مهنة الصحافة وخاصة في ظل سيطرة الصناعة على الفضاء الإعلامي والسرعة المطلوبة من العاملين في هذا المجال وما يرتبه ذلك من أعباء اقتصادية. ويتنبأ الباحث الفرنسي في الفصل الخامس بموت الأخبار المتلفزة في ظل منافسة الأقنية الرقمية المتخصصة فضلاً عن الكلفة العالية جداً لإنتاج الخبر وتدني نسبة المشاهدة لشبكات الأقنية غير المتخصصة وهذا ما دفعها للاهتمام بالخبر المحلي بدلاً من الدولي واتخاذها من ذلك تخصصاً جديداً لها إضافة إلى التغيير الذي جرى على قوانين النشرات الإخبارية واقترابها من الاستعراض والمسرحية بدرجة كبيرة لتنال أعلى نسبة متابعة. أما الفصل السادس بعنوان "تلفزيون فاحش" فيدور حول التحذير من التليفزيون الذي يتلاعب بأخباره جارا وراءه الوسائل الإعلامية الأخرى ضمن خديعة تشويقية. ويتحدث الكاتب في الفصل السابع عن ثلاث أساطير إعلامية تعتمد على سحر الافتراضي وخلق بيئات جديدة متنوعة بفضل تطور معالجات الصور الرقمية ساعية إلى تغيير إدراكنا الحسي للعالم وزعزعة مرجعياتنا الأكثر رسوخا، في حين يتناول الفصل الثامن الإمبراطوريات الإعلامية الجديدة بعد التدفق الحر للمعلومات الذي أوجب منافسة شرسة ومحاولة السيطرة على أكبر قدر ممكن من القنوات الإعلامية. ويختم رامونه كتاب "الصورة وطغيان الاتصال" بفصل حمل عنوان "الاستعلام متعب" يركز فيه على أن الإعلام ليس مظهراً من مظاهر التسلية الحديثة بل إنه سلوك منضبط يوجب على الصحافة المكتوبة أن تهجر الضفاف المريحة للتبسيطية المهيمنة وتستعيد قراءها الذين ينشدون الفهم كي يستمدوا القدرة على التصرف بشكل أفضل ويتفاءل الكاتب بضرورة انتصار الحقيقة والوثوقية الأخلاقية في نهاية المطاف.