في العام 1980 ولدت أول قناة تليفزيونية ذات توجه كوكبي هي C. N. N التي بثت المعلومات والأخبار طوال أربع وعشرين ساعة في اليوم، وكانت تطمح يومئذٍ إلي استقبال إرسالها في كل مكان .. ربما ، حتي تخلق ضميرًا عالميا موحدًا. والواقع أنه منذ نهاية القرن التاسع عشر، ومع ظهور الصحافة تحديدًا، بدأ ما يعرف ب تسريع الوقت الاجتماعي. وحسب روبرتسون في كتابه " العولمة " : فإنه بين عامي 1870 - 1925 تم التوصل رسميا إلي مستجدات بشرية جغرافية، في إطار ضبط النطاق الزمني للعالم، وإنشاء خط للمواعيد الدولية، والتبني العالمي للتقويم الجريجوري، وتأسيس شفرات تلغرافية وإشارية دولية، ومن هنا انتشر الوعي بالكونية بسرعة. بيد أن الصحافة أحدثت انقلابا في الحياة الاجتماعية بإشراكها مجتمعات متباعدة في الأحداث نفسها، وبنشرها في صورة استمرارية أخبار العالم، فشكلت بذلك وسيلة أولي للتوحيد الزمني- Synchronisation للعالم. ففي مستهل عام 1918، أعلن فلاديمير لينين - Lenin أن الاتحاد السوفيتي الوليد، لا يعتبر حقًا عضوًا في المجتمع الدولي المتمدن، إلا إذا تبني التقويم الجريجوري بينما في عام 1912، وفي اليوم الذي أعلنت فيه جمهورية الصين رسميا، أعلن (صن يات صن) Sun-Yat-Sen زعيم الصين أن حكومته المؤقتة سوف تبذل قصاري جهدها نحو استكمال واجبات الأمة المتمدنة للحصول علي هذه الحقوق. ثم ظهرت الإذاعة لتدخل وسائل الإعلام عصر الحدث المباشر أو آنية الحدث، ثم أكمل ظهور التليفزيون الدائرة، عن طريق البث المباشر للصورة، الذي سمح بنقل الحدث في الزمن الحقيقي. وبدأ هذا الشكل الاتصالي تحولاً حاسمًا في مجال الإعلام، وحقق بالفعل هدف الصحافة الأساسي وهو تسريع نقل الأحداث وربطها، وإشراك المجتمعات المتباينة والمتباعدة في نفس الأحداث. غير أن الصحافة قد حققت ما هو أكثر من ذلك، إذ إنها ظلت لعقود طويلة من الزمن ملجأ للمواطنين في وجه تجاوزات السلطات ضمن إطار ديمقراطي ... وعرفت ب السلطة الرابعة، وصوت الذين لا صوت لهم في وجه السلطات الثلاث التقليدية للدولة: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. ووفقًا لما يقوله انياسيو رامونه رئيس تحرير لوموند دبلوماتيك في مقالته السلطة الخامسة : فإنه منذ ما يقرب من الخمسة عشر عامًا ومع تسارع وتيرة العولمة، أفرغت هذه السلطة الرابعة من مضمونها، وفقدت شيئًا فشيئًا وظيفتها الأساسية كسلطة مضادة. ومن يدرس عن كثب آليات العولمة ويلاحظ انطلاقة نوع جديد من الرأسمالية، أقل صناعية وأكثر مالية، قائم أساسًا علي المضاربات. إذ نشهد في هذه المرحلة من العولمة مجابهة حادة بين السوق والدولة، بين القطاع الخاص والخدمات العامة، بين الفرد والمجتمع، بين الأنانية والتضامن الاجتماعي. وباتت السلطة الفعلية بين أيدي طيف من المجموعات الاقتصادية الكونية والشركات المعولمة يزيد وزنها الاقتصادي أحيانًا علي وزن بعض الدول والحكومات. هذه الشركات والمجموعات تلتقي سنويا في دافوس ضمن إطار المنتدي الاقتصادي العالمي، وهي التي تملي علي ثالوث العولمة سياسته: صندوق النقد الدولي، البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. رافق ذلك - حسب رامونه - تحول حاسم في حقل الإعلام الجماهيري، طال بنيته الصناعية نفسها، فباتت وسائل الإعلام الواسعة الانتشار الآن من محطات الإذاعة والصحافة المكتوبة وشبكات الإنترنت والتليفزيون والأقمار الصناعية تتجمع أكثر فأكثر داخل مجموعات إعلامية ذات بعد عالمي. إن قناة C. N. N التي يتم الاحتفال بمرور ثلاثين عاما علي ظهورها هذا العام ، هي التصوير النموذجي للأرض المحاطة بكابلات الإرسال، وهي تبرز وحدة كوكب الأرض في عصر العولمة ، ولكنها لا تلغي الوضع الخاص لكل فرد أو مجتمع ، وتلك قضية أخري .