منذ خمسين عاماً، أطلق المصريون نكتة كان البطل فيها، هو الدكتور عبدالقادر حاتم، مؤسس التليفزيون فى البلد، وقد كانت البداية فى بث الإرسال وقتها بقناتين فقط: الأولى ثم الثانية! وكانت النكتة تقول إن المشاهد إذا راح يتابع خطاباً للرئيس عبدالناصر، على الأولى ثم أراد الانتقال منها إلى الثانية ليرى ماذا تعرض على شاشتها فإنه يفاجأ بالدكتور حاتم هناك، وكان وزيراً للإعلام، وهو يأمره بمسدس فى يده، بأن يعود إلى الأولى ليواصل الاستماع لخطاب الرئيس! وكان للنكتة أكثر من معنى، وكان أحد هذه المعانى أنهما قناتان فقط، وأنك كمشاهد لا اختيار أمامك إلا هذه أو تلك ولا ثالث لهما، فإذا دخل مسدس الدكتور حاتم فى الاختيار، أصبحت قناة واحدة هى المتاحة ولا بديل للمشاهدين غيرها! واليوم، يحتفل التليفزيون بمرور نصف قرن على إنشائه، ويكرم أبطاله ومن بينهم الدكتور حاتم ذاته، بل هو فى مقدمتهم، غير أن الصورة على مدى الخمسين عاماً، قد اختلفت بنسبة مائة فى المائة، ولم تعد الشاشة التى بدأت إرسالها عام 1960، هى نفسها فى عام 2010. وكان قد جرى استطلاع فى الخارج مؤخراً حول رأى قطاعات مختلفة من الناس فى أهم اختراع خرج إلى العالم، خلال ال70 عاماً الماضية، وكان هناك اتفاق بين الذين سألوهم فى الاستطلاع، على أن «التليفزيون» هو الأهم، ولا شىء غيره، خصوصاً فى ظل تأثيره الساحر على الجماهير هذه الأيام! ومن بين ما أظهره ذلك الاستطلاع المهم أن اختراع التليفزيون فى العالم كوم، بينما انطلاق قناة «C.N.N» الأمريكية كوم آخر، لا لشىء، إلا لأنها حين انطلقت قبل 25 سنة من الآن، قد غيرت تماماً فى نمط المتابعة على الشاشة، وأتاحت للمشاهدين - على امتداد العالم - للمرة الأولى، أن يشاهدوا، ثم يتابعوا الوقائع لحظة حدوثها وأولاً بأول، وليس أدل على ذلك، من أن مشاهدى الشاشة الصغيرة كانوا - مثلاً - فى أثناء الغزو الأمريكى للعراق، قادرين على أن يروا الحدث حياً فى وقت وقوعه وبنفس الدرجة من الوضوح والقدرة على المتابعة والرؤية أياً كان مكان المشاهد فى أنحاء الأرض! وقد كانت «C.N.N» فتحاً فى هذا الاتجاه، بحيث نشأت بعدها قنوات تستكمل هذه المرحلة المذهلة، فى تاريخ التليفزيون، فى العالم، ومن بين هذه القنوات «B.B.C» الإنجليزية على سبيل المثال أو حتى «الجزيرة» فى العالم العربى، وصار فى إمكانك كمشاهد أن تتفرج على «برلسكونى»، رئيس وزراء إيطاليا، بينما أحد الساخطين عليه، يقذفه بحجر كان فى يده، ويكسر أنفه!.. وربما لهذا السبب، أصبح يقال عن العالم، إنه قرية عالمية، بمعنى أنه رغم امتداده واتساعه، فإنه الإعلام قد اختزل الاتساع أو الامتداد، وألغى معناهما التقليدى! ولو أن الدكتور حاتم فى وزارة الإعلام الآن، ثم جرب أن يخرج بمسدسه الشهير فى وجوه المشاهدين، فسوف يقولون فى صوت واحد: قديمة!