حين كنت فى الدوحة، مساء أمس الأول، أتابع بعض وقائع الأسبوع الثقافى المصرى هناك، تذكرت قصة لطيفة، ولكنها ذات معنى فيما نراه هذه الأيام! ففى أيام الرئيس عبدالناصر، كان التليفزيون المصرى قد بدأ إرساله عام 1960، وكان فى بدايته يخاطب المشاهدين من خلال قناتين فقط، هما: الأولى والثانية، ولم تكن هناك قناة ثالثة، ولا رابعة، ولا حتى عاشرة، كما هو حاصل فى الوقت الحالى! وكان الدكتور عبدالقادر حاتم، وزيراً وقتها، أو بعدها بقليل، للثقافة والإعلام والسياحة معاً.. وكان يحدث كثيراً أن يقوم تليفزيون الدولة ببث خطاب للرئيس، مرة فى مناسبة هنا، وأخرى هناك.. ويروى الذين عاشوا تلك الأيام، أن التليفزيون لم يكن فقط يذيع خطاب الرئيس مرة، أو حتى مرتين، وإنما كان يعيده كثيراً، لدرجة أن نكتة قد انطلقت وقتها تقول، إن المشاهد كان إذا أحس بأنه قد تابع خطاب الرئيس على القناة الأولى بما فيه الكفاية، وأراد أن ينتقل منها إلى القناة الثانية، بحثاً عن شىء آخر، فإنه بمجرد أن ينتقل إليها، يجد الدكتور حاتم على شاشتها، ممسكاً بمسدس فى يده، وهو يصوبه إلى وجه المشاهد، ويقول فى نبرة حازمة: ارجع إلى القناة الأولى! وكان المعنى الساخر الذى يراد من وراء القصة على بعضها، أن المشاهد كان يجد نفسه محاطاً بأخبار الرئيس فى كل اتجاه يذهب إليه، أو بمعنى أدق فى الاتجاهين اللذين كانا متاحين فقط، فى تلك الأيام، ولم يكن هناك اتجاه ثالث، ولا خيار آخر، يمكن أن يلجأ إليه المشاهدون، إذا أحسوا بأنهم زهقوا، أو بأنهم فى حاجة إلى خبر لا يتاح على تليفزيون الدولة بقناتيه!.. وكان كل مشاهد يشعر فى ذلك الوقت بأن وجهه إلى القناة الأولى، بينما ظهره إلى الثانية، ولا شىء آخر فى المنتصف!.. وكان يحس، بالتالى، بأنه فى حالة حصار، وأنه محاصر من القناتين الوحيدتين الموجودتين، ولا يعرف كيف يمكن أن يحصل على خبر، لا يجده عليهما! فى الدوحة، كنت ألاحظ أن مصريين كثيرين، من إجمالى 130 ألفاً موجودين على أرضها، متعطشون إلى أخبار بلدهم، فإذا لجأوا إلى الفضائية المصرية، لم يصادفوا عليها ما يمكن أن يشفى غليلهم فى هذا الاتجاه، خصوصاً حين أعلنت قناة «الجزيرة» على شريط الأخبار فيها، مساء الأربعاء، أن الرئيس مبارك سوف يعقد اجتماعاً وزارياً مصغراً، فى شرم الشيخ، صباح الخميس.. وكان من الطبيعى أن يسارع المصريون المغتربون، فى غالبيتهم، إلى الاطمئنان على صحة الرئيس، من خلال متابعة أخبار هذا الاجتماع، فهذه هى المرة الأولى التى يظهر فيها منذ أن عاد من ألمانيا، عقب إجراء الجراحة، آخر مارس الماضى، وكانت القصة القديمة إياها تكاد تتكرر فى عام 2010، مع مشاهدينا، كلما عاد واحد فيهم، إلى الفضائية.. صحيح أنه لم يكن يجد المسدس فى يد الوزير أنس الفقى عليها، ولكنه لم يكن يجد ما يروى عطشه نحو معلومات كافية عن خبر اجتماع الرئيس ببعض الوزراء، فكان يعود إلى «الجزيرة» ليرى ما إذا كان لديها جديد، بينما لسان حاله يردد القصة القديمة مع الدكتور حاتم! إننى لا أقلل من شأن جهد مبذول على الفضائية، ولا أمتدح «الجزيرة»، بطبيعة الحال، ولا أقول عنها ما لا تستحقه، فإن لى عليها ملاحظات كثيرة، أولاها، وربما أهمها، أن شعار «الرأى والرأى الآخر» الذى ترفعه على شاشتها، ليس مطبقاً عندها كما يجب.. فهذا موضوع، بينما لجوء بعض مشاهدينا، بل غالبيتهم، إليها، للتعرف على أخبار بلدهم، موضوع آخر، وهى أخبار تخصهم، ولا يجدونها على شاشة تليفزيون البلد، سواء كانوا فى غربة، أو حتى فى القاهرة، فى كثير من الأحيان.. وما أعرفه أن فى درج مكتب الوزير الفقى، مشروعاً متكاملاً لإنشاء قناة مستقلة، يواجه هذا النقص الذى يصادفه مشاهدونا كلما أرادوا معرفة أخبار البلد.. فمتى يخرج هذا المشروع إلى النور، ومتى تفهم الدولة أن إنفاقها على الإعلام من هذا النوع، إنما هو إنفاق على أمنها القومى بكل معانيه؟!