صدر العدد الجديد (العدد الثاني والعشرون) من مجلة "ثقافات" التي تصدر عن كلية الآداب بجامعة البحرين، وتعنى بالدراسات الثقافية. جاء العدد مهموماً بقضايا الوعي الإنساني الأكثر حضوراً في المشهد الثقافي الراهن. فمن مصر، وفي قسم الأبحاث المحكمة كتب علاء عبد الهادي دراسته الثقافية حول عولمة الثقافة وثنائية الثقافة/ الحضارة مبيناً الدور الذي لعبته ولا تزال تلعبه سياسة العولمة في تشكيل الوعي الإنساني المعاصر بمفهومي الزمان والمكان، وبطرائق تنظيمهما، وبمحمولاتهما الرمزية ذات التأثير في البيئات الثقافية. كما كتب عماد عبد اللطيف دراسته الموسومة من الوعي إلى الفعل (مقاربات معاصرة في مقاومة الخطاب السلطوي) هادفاً منها إلى إنجاز إطار نظري ثقافي يكون أساساً لمشروع بلاغي عربي يستهدف مقاومة الخطابات السلطوية بواسطة إضعاف الأثر الذي تُحدثهُ في المخاطب، وتوليد استجابات بلاغية مضادة لهذا الأثر. وحول العلاقة بين مسألة الهوية والاندماج والإشكالات التي تفرزها الهجرة ومسألة الانتماء بين جماعات المهجر، كتب كلٌ من عبد الله الجعيدي من كلية الآداب بجامعة حضر موت دراسته الموسومة الهجرة اليمنية الحضرمية إلى اندونيسيا بين الهوية والاندماج، والتي قارب فيها مسألة الاغتراب وإشكاليات انتماء الحضارمة في المجتمع الإندونيسي بوصفه مجتمعاً مضيفاً، ثمَّ كتب عبد الله الأحمري من جامعة الإمام محمد بن سعود دراسته حول الانتماء العرقي بين جماعات المهجر كاشفاً فيها عن العوامل التي تؤثر تأثيراً مهماً في الاندماج الثقافي في مجتمعات الهجرة (المجتمعات المضيفة)، وبخاصة مجتمع الولاياتالمتحدةالأمريكية بوصفه المكان الذي استوعب الكثير من الثقافات المهاجرة منذ البدايات الأولى للهجرة ومنحها الفرصة في أن تتفاعل فيما بينها، وأن تقدم نموذجاً ثقافياً فريداً في تنوعه متيناً في بنائه ونسيجه. وفي القسم الإنجليزي كتب توماس فيبجر (من الدنمارك) دراسة حول تجار اللؤلؤ في البحرين: امتداداتها التاريخية وتحولاتها في الخليج. ويتناول بالدرس تاريخ هذه التجارة والعوائل البحرينية التي اشتهرت بها، ويمضي في رصد التحولات الذي طرأت على هذه التجارة في البحرين والخليج. وفي باب المقاربات، كتب عبد الله عبد الرحمن يتيم (من البحرين) عن الدين والمجتمع في بادية الإمارات: رؤية انثروبولوجية، وتناول في هذه المقاربة الدين في ضوء البُنى الاجتماعية في مجتمع الإمارات العربية المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين، مُنطلقاً في ذلك من خصوصية تلك البُنى عن سائر المجتمعات الخليجية. أمّا في مجال الفكر السياسي وثقافة الديمقراطية، فقد كتب المفكر الألماني الكبير يورغن هابرماس عن ثلاثة نماذج معيارية للديموقراطية- تناول فيها مفاهيم الحق والديمقراطية والعدالة، كما تناول الأسس التي تقوم عليها نظريته حول الديمقراطية. أمَّا في مجال الدراسات النسوية فقد قدمت "سابينا لافيبوند" مقاربة حول النسوية وما بعد الحداثة، وتناولت فيها بعض أمثلة الجدال المعادي للتنوير من وجهة نظر نسوية في ضوء مقاربة كتابات ثلاثة من الفلاسفة المشهورين هم : جان فرانسوا ليوتار، و آلاليسداير ماكينتاير، وريتشارد رورتي. وفي مسألة الآخر كتب "دريسا دياكيت" مقاربة حول بلاد السود في روايات المؤلفين العرب القدامى، وتتناول فيها بواكير الاتصال العربي الإسلامي بشعوب أفريقيا، وكيف ساهم ذلك الاتصال في التأثير على البُنى الذهنية ونسق العادات والتقاليد الخاص بالشعوب السوداء، ثمَّ تناول بعض التنظيرات التي كتبها العرب والمسلمون - في الفترة بين القرنين الثامن، والرابع عشر- عن العادات والطقوس الدينية والاجتماعية لتلك الشعوب وطرائق العيش والمسكن والمأكل والمشرب، والمهن التي كانوا يعيشون عليها، وشيئاً حول طبيعة أنظمتهم السياسية ومدى علاقاتهم بملوكهم ومدى تبجيلهم لهم حتى بعد موتهم، ثم كيف كان الإسلام موجهاً ومؤثراً في تلك الشعوب نحو التغيير والتطوير على مختلف الأصعدة. ومن المغرب وتحت عنوان "العلوم الإنسانية ومسألة الأنموذج العلمي" كتب سالم يفوت حول هيمنة المناخ الوضعاني الذي استلهم نموذج العلوم الطبيعية والمنهج التجريبي في النظر إلى العلوم الإنسانية وإلى شروط إمكان قيامها. وهو ما أدى إلى اختزال موضوعها. وإقصاء كل ما اعتبر طفيلياً عليه كالوهم والأسطورة والرمز والايدولوجيا. ومن خلال سؤاله الجوهري "هل تقف الأيدولوجيا عائقاً أمام معقولية العلوم الإنسانية؟" تناول يفوت هذه المسألة في ضوء الحديث عن إغراءات المنهج التجريبي وجاذبيته،ثم مسألة فتنة الرمز وجاذبية البنية. واختتم منصور مبارك باب المقاربات بمراجعة لكتاب "سؤال الفن" لنايجل ووربيرتون، وتناول فيها رؤية ووربيرتون للفنون واستعانته بالفلسفة لتعريف الفن وفحص ماهيته. ** شاعر وناقد مصري